2024-11-25 12:24 م

مع تورّطها في حرب مكلفة بلا أفق-محاولات إسرائيلية رسمية لتطبيع فكرة تهجير أهالي غزة “طواعية”

كلما اتضحت ملامح فشل الحرب على غزة، ترتفع من جديد الأصوات والأمنيات القديمة في إسرائيل بتهجير أهالي القطاع “طواعية” وهذه أفكار شيطانية لا يقلّل من خطورتها رفض المجتمع الدولي لها رسميا، خاصة عندما يتبين أن هناك من يحوّلها إلى خطة سياسية وتنشغل بها حكومة الاحتلال كما تكشف أمس الثلاثاء.

وطبقا لتسريبات صحافية إسرائيلية، فإن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يرفض فكرة التباحث في سؤال اليوم التالي للحرب لأسباب عقائدية تتعلق برفضه المبدئي للدولة الفلسطينية، وأسباب سياسية داخلية تتعلق بالرغبة في الحفاظ على ائتلافه الحاكم، يعمل على تحقيق التهجير الطوعي لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى.

وأشارت التسريبات إلى أن اعترافات نتنياهو بهذا الشأن جاءت ردا على تساؤل النائب من حزب الليكود داني دانون، عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، خلال اجتماع عقدته كتلة الحزب.

في هذا الاجتماع، قال دانون إن “العالم يناقش هذا الأمر بالفعل”، ونوّه أن وزير الهجرة الكندي تحدث عن ذلك علانية، وكذلك فعلت نيكي هيلي، المرشحة الجمهورية المحتملة للرئاسة الأمريكية. واقترح دانون “تشكيل طاقم مهني يتابع هذه القضية، ويتأكد من أن كل من يريد مغادرة غزة إلى دولة ثالثة يمكنه القيام بذلك”، داعيا لأن يكون هذا منظّما، لما له من أهمية استراتيجية لليوم التالي للحرب.

معقبا على أقوال دانون، قال نتنياهو: “مشكلتنا هي الدول المستعدة لاستيعاب اللاجئين، ونحن نعمل في هذا الاتجاه”. وحسب ما كشفته وسائل إعلام عبرية وأجنبية قبل أيام، فإن نتنياهو نفسه كان قد حاول إقناع مصر بقبول نقل الغزيين إلى سيناء من خلال اتصالاته مع دول غربية.

وكان دانون قد نشر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقالا في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، بالمشاركة مع النائب من المعارضة الإسرائيلية رام بن باراك (حزب يش عتيد برئاسة يائير لبيد) دعيا فيه إلى “إجلاء طوعي لعرب غزة إلى دول العالم”.

وفي المقال المشترك قالا إن “المنظمات الدولية يمكن أن تلعب دوراً مركزياً في نقل سكان غزة الذين يرغبون في ذلك إلى البلدان التي توافق على استقبالهم”. وهي محاولة لتغليف دعوتهما الإجرامية المنافية لكل الشرائع والقوانين بغطاء “الشفقة على الغزييّن” زعما أنه “حتى عدد صغير نسبيا يبلغ عشرة آلاف من الغزيين لكل دولة مستقبلة، سيخفّف بشكل كبير معاناتهم ويحسن الوضع في غزة”.

زيادة الراديكالية في الموقف مستمرة
في افتتاحيتها اليوم الأربعاء، حذرت صحيفة “هآرتس” العبرية من مثل هذه الأفكار الخطيرة، واعتبرتها انعكاسا لتزايد الراديكالية والتطرف في الموقف الإسرائيلي، منوهة لمقال دانون وبن براك المذكور، ومقال مشابه نشرته وزيرة الاستخبارات العسكرية غيلا غاملئيل في صحيفة “جيروساليم بوست” الشهر الماضي.

وأكدت “هآرتس” أن المقلق أكثر هو أن نتنياهو مشغول بالموضوع، منوهة للنقاش الداخلي حوله داخل حزب “الليكود”. وقالت الصحيفة إن تطرف نتنياهو يتواصل، بعدما سبق وقام بشرعنة الكاهانية وشق طريق الوزير المدان بالإرهاب إيتمار بن غفير إلى الحكم، والآن يسمح بالانشغال بالترانسفير.

وتضيف “هآرتس” المختلفة بتغطياتها عن بقية القطيع الإعلامي العبري: “لكن هذه الفكرة وبغض النظر في أي غلاف دبلوماسي يغلفها، فهي فكرة غير أخلاقية ومشوهة، من المحظور أن تتحول لإمكانية شرعية”.

الخطير في مثل هذه الأفكار العنصرية الإجرامية، أنها ترد على لسان القيادات الإسرائيلية من الائتلاف الحاكم والمعارضة، وبعض الأوساط في الرأي العام، في محاولة لتطبيعها وجعلها مألوفة. وهي استمرار وترجمة فعلية لتصريحات وزير الزراعة في حكومة الاحتلال آفي ديختر في الشهر الماضي، عن إلحاق نكبة ثانية بقطاع غزة.

وتسود إسرائيل أجواء كراهية عمياء، وحالة إحباط شديد وقلق كبير جراء تورطها في حرب لم تتحقق أهدافها العالية في اليوم الثاني والثمانين من شنّها على غزة، وهذا انعكس بصورة رئيسها يتسحاق هرتسوغ محاطا بجنود، وهو يكتب على قذيفة قبل إطلاقها على غزة: “نعتمد عليكم”.

أفكار وأمنيات قديمة
هذه الأجواء تشكّل تربة خصبة لأفكار التهجير على أنواعها (من التهجير القسري، للتهجير الصامت، للتهجير الطوعي) والتي تنعكس في تأييد كبير لها في استطلاعات متتالية لم تبرح إسرائيل منذ قامت، بفارق أنها كانت في الماضي ترد خلسة وبالتلميح، وباتت الآن سافرة وترد في دوائر صناعة القرار.

في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، دعا رئيس اللجنة البرلمانية للأمن الداخلي تسفيكا فوغل (من حزب القوة اليهودية برئاسة بن غفير) لتجديد الاستيطان في كل منطقة شمال وادي غزة . وتابع بلغة مباشرة: “من يريد أن يبقي مستشفى الشفاء كمتحف فليتفضل”.

وفيما يتعلق بفكرة تهجير أهالي قطاع غزة إلى سيناء فهي قديمة وسبق أن طرحتها جهات إسرائيلية مختلفة منذ احتلاله في 1967، وعلى يد قيادات سياسية في حزب “العمل” الذي قاد عملية التهجير الكبير في نكبة 1948.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن اعترافات نتنياهو حول عمله لتحقيق “الهجرة الطوعية” لسكان قطاع غزة إلى الخارج، تستدعي “موقفا دوليا لوقف هذه الجريمة والحرب”.

في الماضي، رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بشكل قاطع فكرة طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، قائلا إنهم يجب أن يكونوا قادرين على البقاء في ديارهم بينما تقاتل إسرائيل حماس. وقال في مقابلة تلفزيونية إن “هذه الفكرة محكوم عليها بالفشل، ولذا نحن لا نؤيدها”.

المصدر: القدس العربي