2024-11-27 08:49 ص

ميلاد غزة... لا احتفالات في زمن المجزرة

اختار نحو 150 فرداً أن يحتموا داخل كنيسة العائلة المقدسة للاتين، وسط حصار الاحتلال لمدينة غزة، ظناً أنها ستكون أكثر أماناً من منازلهم. في وقت كان يفترض أن تتزين الكنيسة استعداداً لعيد الميلاد، وتضاء شجرتها التي كانت الأكبر في القطاع، وكانت مصدر بهجة لمسيحيي البلدة القديمة في وسط مدينة غزة.
في 16 ديسمبر/ كانون الأول، قتلت ناهدة أنطون داخل الكنيسة، بعدما أطلق قناص إسرائيلي الرصاص عليها أمام ابنتها سمر، والتي حاولت سحبها  إلى الخلف. لكن الجندي الإسرائيلي واصل إطلاق النار لتسقط قتيلة إلى جانب والدتها.
نعت البطريركية اللاتينية في القدس الفقيدتين، وقال مكتبها الإعلامي في بيان، إن قناصاً إسرائيلياً اغتال أماً وابنتها، وأصاب 7 آخرين في كنيسة العائلة المقدسة بمدينة غزة. موضحاً أنه "تم إطلاق النار عليهم داخل أسوار الدير فيما لم توجد في المكان أي مقاومة".
وأضاف البيان أن المدفعية الإسرائيلية "استهدفت دير راهبات الأم تريزا (مرسلات المحبة) بمدينة غزة، والذي يؤوي أكثر من 54 شخصاً من ذوي الإعاقة، وهو داخل أسوار الكنيسة، كما تم تدمير خزان الوقود والمولد الكهربائي، فضلاً عن دمار واسع أصاب المكان، وجعله غير صالح للسكن أو تقديم الرعاية لذوي الإعاقة".
نزح كمال مع أسرته من منزلهم في حي تل الهوا إلى كنيسة القديس برفيريوس، وكان شاهداً على المجزرة التي ارتكبت في الكنيسة في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي استشهد فيها أصدقاء له. يقول كمال لـ "العربي الجديد": "نحن عائلات غزية الأصل، وفي صلواتنا في كنائس العالم، ندعو الرب لحماية غزة وأهلها. يرغب الاحتلال الإسرائيلي في قتل كل من هو مرتبط بمدينة غزة عمداً، والقصف دمر خزان الوقود، وخزانات المياه، والمولد الكهربائي، والألواح الشمسية، علماً أن الكنيسة فيها أطفال ونساء ومرضى يتلقون العلاج، كما لحقت أضرار بالدير نتيجة الانفجار والحريق، وأصبح غير صالح للسكن، واضطر الأشخاص ذوو الإعاقة إلى المغادرة رغم حاجة بعضهم إلى أجهزة التنفس للبقاء على قيد الحياة". 

يضيف كمال: "هناك عائلات من أصول غزية متجذرة هنا، وقد تربينا على الأخوّة. كان جدي عيسى يقول دائماً إن مسيحيي فلسطين ناضلوا لأجل المسجد الأقصى وكنيسة المهد، وهذه المرة الأولى منذ احتلال فلسطين في عام 1948 التي لن نشعل فيها شموع النور في العيد".

اعتدى الاحتلال الإسرائيلي على ثلاث كنائس في البلدة القديمة في غزة، هي الكنيسة المعمدانية للبروتستانت، وكنيسة القديس برفيريوس التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس، وكنيسة العائلة المقدسة التابعة للطائفة الكاثوليكية، وباتت الأخيرتان هما الوحيدتان اللتان تحميان المسيحيين، وتُقام فيهما الصلوات بصورة محدودة.

نجا إدوارد الصايغ (39 سنة) من قصف إسرائيلي قبل أسبوعين على مقربة من كنيسة القديس برفيريوس، وفوجئ بحصار المنطقة من قبل آليات الاحتلال. ويقول لـ "العربي الجديد": "قتل الاحتلال منذ بدء العدوان 22 مسيحياً في قطاع غزة، ودفنوا جميعاً في مقبرتين داخل كنيستي برفيريوس والعائلة المقدسة. لن ينعم العالم بالسلام من دون غزة، وأشعر بالحزن أمام أطفالنا الذين لن يحتفلوا بأعياد الميلاد. أطفال غزة المسلمين والمسيحيين يرون مشاهد القتل أمامهم يومياً".
ويتذكر الصايغ العدوان الإسرائيلي الأول على قطاع غزة في عام 2008، وحينها لم يتمكنوا من الاحتفال أيضاً، ولا ينسى كمية الحزن التي كانت داخلهم، واضطر لإقامة الصلاة داخل منزله في أبراج السعادة في حي تل الهوا وسط أصوات القصف ومشاعر الخوف.
ويمنع الاحتلال مسيحيي غزة من التوجه إلى الضفة الغربية لرؤية أقاربهم، والاحتفال بالعيد وأداء الصلاة في مدينة بيت لحم منذ بدأ الحصار قبل 17 عاماً. وهاجر عدد كبير من مسيحيي قطاع غزة بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة واستمرار حصار القطاع، وبحسب مركز الإحصاء المركزي الفلسطيني، كان عدد المسيحيين في قطاع غزة قبل عام 2000 أكثر من 20 ألفاً، وبات العدد أقل من 1500 مسيحي، من بينهم عائلات مرتبطة بالكنائس، أو بمهن مثل العمل في سوق الذهب أو لديهم مشاريع يمتلكونها. 

كان جريس إسحق (32 سنة) ممن غادروا غزة إلى مدينة بيت لحم. لكنه يتابع ما يحصل في القطاع بحزن كبير، وقررت أسرته وعدد كبير من الأسر عدم الاحتفال بعدما فقدوا عدداً من أقاربهم شهداء في غزة خلال العدوان الحالي.
يحتفظ إسحق بذكريات جميلة في غزة، وما زال يتذكر حين شاركهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات احتفالات إيقاد شعلة العيد في ساحة الجندي المجهول قبل الانتفاضة الثانية، وقد تعلم في قطاع غزة، ويذكر دروس معلمته الراحلة تيريزا. يقول لـ "العربي الجديد": "أتذكر طبق السماقية الذي كان يحضره لنا جيراننا في حي الرمال بمناسبة عيد الفطر، وما زلت أعده لأنه يذكرني بغزة التي تعلمت فيها الموسيقى والغناء والكاراتيه والشجاعة. هذه حرب إبادة، والاحتلال يحارب الفلسطيني أياً كان دينه".

المصدر: العربي الجديد