قال عميد كلية الهندسة في جامعة تل أبيب، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم، الجمعة، إن على الإسرائيليين الاعتراف بالخسارة كي يعترف الفلسطينيون بهم.
وقال البروفيسور من جامعة تل أبيب هليل شوكن إن الإسرائيليين لن ينتصروا، حتى لو رفعنا شعار “معاً ننتصر”، وهو شعار ترفعه المؤسسات الإسرائيلية منذ بدء الهجوم على غزة.
ويعلل شوكن دعوته هذه بالقول: “لقد خسرنا، فعلاً، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في المعركة الدائرة الآن في غزة، دفاعاً عن حقنا في وطن قومي في “أرض إسرائيل”. وكل يوم إضافي يمرّ على المناورة البرية، يعزز هذا الفشل. وعندما تنتهي هذه المعركة الفظيعة، بعد بضعة أسابيع، نتيجة الضغط الدولي، كما هو متوقّع، ستجد إسرائيل نفسها في وضع أصعب من الذي دخلت فيه صبيحة “الهجوم البربري” الذي نفّذته “حماس”.
وتساءل: “فهل يُحتمل أن ينبت أمر واحد جيد من هذا الفشل؟ ربما إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مثلاً؟”. وعن ذلك يجيب: “في 16 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن كابينيت الحرب الإسرائيلي أهداف الحرب، التي تمثلت في: تقويض سلطة “حماس” والقضاء على قدراتها العسكرية، إزالة تهديد “الإرهاب الغزي” تجاه إسرائيل، بذل أقصى الجهود لحل قضية الرهائن، حماية حدود الدولة ومواطنيها. ونحن، في نهاية المعركة، لن نتمكن من تحقيق أيٍّ من هذه الأهداف”.
موضحاً أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن مسلكية إسرائيل داخل قطاع غزة تعزز مكانة “حماس” في قلوب الفلسطينيين، ليس في غزة وحدها، بل في الضفة الغربية أيضاً. ويرى أن مَن رغب في القضاء على “حماس” في غزة، فسيحصل عليها هنا أيضاً في الضفة الغربية.
ويتابع: “ما يبدو للكثيرين أنه جهد أقصى لتحرير المخطوفين، وهو قد نجح بصورة جزئية، عبر تحرير أقل من نصف هؤلاء، وكل يوم تستمر فيه المعركة، ستتعرض حياة أكثرية من بقيَ في الأسر للخطر. فإذا تم فعلاً التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح هؤلاء، فإننا سنضطر إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدينا، سواء أكانوا اعتُقلوا بتهمة قتل يهود، أم لا، كما سنضطر إلى الانسحاب من القطاع والالتزام بإنهاء الحرب”.
ضمن الأصوات المتزايدة في إسرائيل، والمغردّة خارج السرب الإسرائيلي، يقول شوكن إن “قادة “حماس”، يا سادة، ليسوا أغبياء، فهم لن يوافقوا على أقل من ذلك، أما نحن، فسنكتفي بالطلب من الدول الصديقة، راعية الاتفاقية، بتقديم ضمانات بشأن عدم تعرُّض إسرائيل للهجوم في المستقبل”.
تدهور نحو الحضيض
منبهاً إلى أن مكانة إسرائيل الدولية تدهورت فعلاً إلى حضيض غير مسبوق، وهو ما يعرّض للخطر، ليس فقط علاقاتها مع صديقاتها، وفي المقدمة الولايات المتحدة، بل إنه أيضاً يعرّض الجاليات اليهودية في أرجاء العالم للخطر، ويجعل الإسرائيليين معزولين في العالم، كما لو كانوا مصابين بمرض الجذام في القرون الوسطى.
ويضيف محذراً: “فضلاً عن أن مكانتنا الإقليمية ضعفت بصورة هائلة. أما مَن يتغنون بـ “النظرية” القائلة إن “حزب الله” مرتدع عن مهاجمتنا، فلدينا أخبار من أجله: إن إسرائيل هي المرتدعة. إن ضعفنا في مواجهة “حزب الله” تم تأكيده بصورة مدوية، حين أدرك الرئيس الأمريكي جو بايدن ما يحدث فعلًا، فأرسل قوة عسكرية هائلة إلى البحر المتوسط، على وجه السرعة، من أجل حمايتنا”.
كما يقول إنه رغم وجود قوة الردع الأمريكي في الإقليم، فإن التنظيمات الدائرة في فلك إيران تنجح في إزعاجنا، لافتاً إلى أن “حزب الله” حوّل عشرات الآلاف من سكان الشمال إلى “لاجئين في بلدهم”. أما الحوثيون، فقد نجحوا، تماماً، في قطع خط الإمداد البحري الإسرائيلي من الجنوب. وللتدليل على ارتداع إسرائيل، يقول أيضاً: “هكذا، جاء اليوم الذي رأينا فيه إسرائيل تضطر، اليوم، إلى التصالح مع ما كانت تعتبره في سنتَي 1956 و1967 إعلاناً للحرب عليها”.
ذروة النضال الفلسطيني
وبعكس الرواية الإسرائيلية الرائجة، يؤكد الأستاذ الجامعي الإسرائيلي أنه من دون أن نبرر الهجمة الفلسطينية “الهمجية” على بلدات النقب الغربي، علينا أن نرى في هذه الهجمات الذروة الحالية للنضال الوطني الفلسطيني العنيف ضد مجرد وجود إسرائيل، بصفتها الوطن القومي للشعب اليهودي في البلاد. وعن ذلك يقول أيضاً إنه طوال 75 عاماً من وجودها، نجحت إسرائيل في كبح هذا الطموح الفلسطيني إلى القضاء عليها، وفي حق تقرير المصير الفلسطيني في دولة فلسطين ذات السيادة على الأرض الواقعة ما بين البحر والنهر. وينبه إلى أن الأعوام الطويلة التي مرّت منذ ذلك الوقت، لم تجعل الفلسطينيين يتراخون، وإن شدة معارضتهم لمجرد وجود إسرائيل، يكبّد الطرفين ثمناً دموياً واقتصادياً متزايداً دائماً. ولكي لا تكون الحرب الراهنة مجرد فاتحة لموجات أكبر من العنف، ولكي تبقى إسرائيل وطناً قومياً للشعب اليهودي هنا، فعليها أن تعتبر هدف إلغاء المعارضة الفلسطينية لوجودها، هو الهدف الإستراتيجي الأعلى، الناظم لسياساتها.
ويمضي في مراجعة دفاتر الماضي وربطها بالمستقبل: “يأمل التيار الميسيائي في إسرائيل بأن يحقق، “بعون الله”، هذا الهدف، عبر تهجير جميع الفلسطينيين من الضفة والقطاع. ويؤمن هذا التيار بأن عمليات القتل الجماعي في غزة، وانفلات المستوطنين في الضفة، اللذين يجريان تحت رعاية السلطات الإسرائيلية، يهدفان إلى “تشجيع” الفلسطينيين على الهجرة إلى خارج حدود المنطقة الواقعة تحت سيطرة إسرائيل، وهي خطوة معناها التطهير العرقي لنحو 5 ملايين فلسطيني. من الصعب أن نتصور أن العالم، الذي سيجبر إسرائيل على وقف الحرب في غزة عمّا قريب، في ضوء سقوط عشرات آلاف القتلى والجرحى، والخراب غير المسبوق، وتدهور الحالة الإنسانية على نطاق وحشي، سيسمح بمثل هذا الحل”.
ويستذكر أن ما حدث في حرب “يوم الغفران”، والإنجازات التي حققها المصريون في عبور القناة، أدى إلى استعادة مصر لكرامتها، وهو ما قاد إلى توقيع معاهدات السلام. أمّا اعتراف إسرائيل بخسارتها في الحرب الجارية، بناءً على المعطيات الموصوفة أعلاه، فهو سيساهم في ترميم الكرامة القومية للفلسطينيين، التي تعرضت للدوس طوال 56 عاماً. ويضيف: “على ما يبدو، هذه مرحلة ضرورية من سيرورة ستؤدي إلى وقف القتال في غزة، والتوصل إلى صفقة تبادُل، يتم من خلالها إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق جميع المخطوفين، الذين يتعلق مصيرهم بالمدة التي ستمر، إلى أن تعترف إسرائيل بهذا الواقع. ستضطر إسرائيل إلى الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة ذات سيادة، وإلى إجراء المفاوضات مع أي قيادة يختارها الفلسطينيون، لإنهاء النزاع، بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة والمبادرة السعودية”.
ويخلص للتساؤل؛ هل يُحتمل أن تكون كارثة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بشرى ولادة أفق جديد في الشرق الأوسط؟