2024-11-27 10:51 م

تفسيرات إسرائيلية جديدة لـ”التضليل الإستراتيجي”-تزايد الشكوك حول الحرب.. احتمالاتها وسلّم أولوياتها

لا يخلو موقف الإدارة الأمريكية، الذي يطالب إسرائيل بزيادة كمية الوقود والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة، من مركّب مسرحي استعراضي يرتبط بمحاولاتها صرف النظر عن دعمها الواسع عسكرياً ومالياً ودبلوماسياً للحرب على غزة.

اليوم، ورغم شهرين من هذه الحرب التي تقتل وتصيب عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، لم تحقق سلطات الاحتلال أهدافها المعلنة، وتعلن أنها مستمرة فيها، وسط تلميحات وإشارات أمريكية بضرورة وقفها بعد أسابيع.

هذه “الضغوط” المعلنة من قبل الولايات المتحدة على إسرائيل، من أجل رفع عدد شاحنات الوقود إلى القطاع من شاحنتين إلى أربع، غايتها سياسية أكثر مما هي إنسانية، وتهدف لتخفيف الضغوط الأمريكية الداخلية، ومحاولة تحسين صورتها في العالم، بعد دعمها المطلق لحرب هي الأطول والأكثر دموية وبشاعة في مسيرة إسرائيل. دون هذا الدعم الأمريكي لما كانت إسرائيل قادرة على إدارة حرب طويلة، استخدمت فيها حتى الآن أكثر من 40 ألف طن ديناميت، و100 ألف قذيفة مدفعية على قطاع غزة، الذي تشكّل مساحته 2% فقط من مساحة فلسطين التاريخية.
هذا الدعم الأمريكي ليس جديداً، وهو حلقة في مسلسل طويل من التأييد الفوري لإسرائيل، في إطار منظومة مصالح كثيرة متنوعة، يزعم الطرفان أنها مقرونة أيضاً بـ “قيم مشتركة”. لكن الدعم الأمريكي المفتوح والملطخ بدماء الغزيين هذه المرة تحركه اعتبارات شخصية لدى الرئيس جو بايدن، تتمثّل بتحامله على حركة “حماس” بعدما أسقطت مخططاً بدا وشيكاً ومهماً له شخصياً ولحساباته الانتخابية، وهو ضمّ السعودية لدائرة التطبيع، عشية انتخابات الرئاسة، في نهاية العام القادم.

ولذا فإن التسريبات الأمريكية والإسرائيلية، بأن هناك توتّراً بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، ينطوي على مبالغات، ورغبة لصرف النظر عن الدعم السخي للحرب من قبل واشنطن ومن قبل بايدن، الذي زار البلاد بنفسه، وشارك في اجتماعات مجلس الحرب، هو وعدد من الوزراء والمسؤولين الأمريكيين تباعاً. في المقابل تتفهم حكومة الاحتلال حاجة الإدارة الأمريكية لمثل هذه الخطوات، الأقرب للعلاقات العامة، والتظاهر بالالتزام بالقانون الدولي، والتسريبات عن ضغوط بايدن عليها، والتي تلبّي حاجة سياسية إسرائيلية داخلية تتمثل برغبة نتنياهو بإقناع الوزراء المتطرفين في حكومته (سموتريتش وبن غفير)، المعارضين لموقف الإدارة الأمريكية بزيادة حجم المساعدات الإنسانية، والرافضين لإدخال قطرة وقود أو حبة دواء، ورغبته بالحفاظ على ائتلافه الحاكم بالزعم أن تلبية مطالب وضغوط البيت الأبيض أمر حيوي لمواصلة التوغّل البري، والمضي في الحرب حتى تحقيق أهدافها.

الحد الأدنى
وقرّر مجلس الحرب الإسرائيلي المصغّر، في الليلة الفائتة، إدخال “الحد الأدنى” من المساعدات الإنسانية، دون تحديد الكمية كي يحتفظ لنفسه بالقدرة على اتخاذ قرارات جديدة دون العودة للمجلس الوزاري الموسّع. فيما قال وزراء بارزون في حكومة الاحتلال إن تغير الموقف الرافض لإدخال قطرة وقود، كما كان في بداية الحرب، ينم عن رغبة بالحصول على موافقة أمريكية بالتوغّل في جنوب القطاع المزدحم سكانياً.

 وصادقَ المجلس الوزاري الموسّع (المجلس الأمني- السياسي) على توصية مجلس الحرب المصغّر بزيادة حد أدنى للوقود، وذلك لمنع حدوث كارثة إنسانية داخل القطاع، وانتشار أوبئة معدية، لكن الوزيرين بن غفير وسموتريتش صوّتا ضد القرار.

وطبقاً لمصادر صحفية إسرائيلية، فإن الحديث يدور عن زيادة كمية الوقود من 60 ألف لتر في اليوم (شاحنتان) إلى 120 ألف لتر في اليوم(أربع شاحنات). وأوضح موقع “والا” الإخباري أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قال محتجاً، خلال اجتماع المجلس الوزاري، ليلة أمس، إن الوقود يخدم حركة “حماس”. وتساءل: “قلنا قبل أسابيع إننا لن نسمح بدخول قطرة وقود، وفجأة نغيّر الخط الأحمر؟ من أجل الانتصار على “حماس” والإرهاب نحن ملزمون بالتحرّر من العقيدة التقليدية التي فشلت”.

من جهته، قال وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، خلال اجتماع المجلس الوزاري، إن القرار بإدخال كمية أكبر من الوقود “حيويٌّ جداً” كي تتمكّن إسرائيل من مواصلة الحصول على الدعم الأمريكي للعمليات في جنوب القطاع.

وفي نطاق هذا النقاش الإسرائيلي المعلن، قالت القناة 12 العبرية إن وزير الأمن يوآف غالانت طلب أن يكون إدخال الوقود للقطاع متدرّجاً على أن يشترط في النهاية بزيارة الصليب الأحمر ولقاء الأسرى الإسرائيليين.

من جهته، هاجم رئيس حكومة الاحتلال السابق نفتالي بينيت القرار بالموافقة على إدخال وقود للقطاع معتبراً أنه ينطوي على خطأ فادح، معللاً ذلك بالقول إن الوقود يزود “حماس” بالطاقة والأوكسجين فيما يقبع الأسرى الإسرائيليون في ظروف صعبة، وبخلاف القانون الدولي دون فرصة اللقاء مع مندوبي الصليب الأحمر. وتابع بينيت، مزاوداً على نتنياهو وحكومته في إطار الحسابات السياسية الداخلية المتصاعدة، تزامناً مع استمرار الحرب: “من يرسل جنودنا للقتال مقابل عدو ساخر، عليه أن يعرف كيف يجابه الضغوط حتى من طرف الأصدقاء في هذه النقطة الحيوية من الحرب”.

دعوات متزايدة لوقف الحرب
وتتفاوت التقديرات الإسرائيلية حول طول الحرب، واحتمالات تحقيق أهدافها العالية المتناقضة، وسط تساؤلات عن احتمالاتها ودعوات متزايدة لتأجيلها، ريثما يتم استعادة كافة الأسرى الإسرائيليين من غزة.

منذ البدايات، أجمع الإسرائيليون على ضرورة شن الحرب على غزة للانتقام، مسح عار السابع من أكتوبر، واستعادة الأسرى، ولكنهم اليوم منقسمون حيالها. ويوضح المعلق السياسي للقناة 12 العبرية نداف أيال عن استطلاعين لم ينشرا بعد، وفيه تؤيد، للمرة الأولى، أغلبية منهم صفقة تبادل كبيرة حتى بثمن وقف الحرب الآن قبل تحقيق أهدافها المعلنة. ربما تكون الاستطلاعات غير دقيقة، وقناعات الإسرائيليين حيال الحرب متذبذبة، لكن المؤكد أن الإجماع على الحرب بات أقلّ تماسكاً من الماضي، بعد شهرين من الحرب المكلفة إسرائيلياً أيضاً. وهناك عوامل وضغوط داخلية وخارجية يرتبط بعضها بإسرائيل، وبعضها يرتبط بالمقاومة في غزة، وبموقف الدول الغربية، التي من شأنها، إذا ما التقت، إنتاج ديناميكية ضاغطة من أجل وقف الحرب.

 وانضم الجنرال في الاحتياط نوعم تيبون لعدد من الجهات الإسرائيلية المتزايدة الداعية لإنقاذ الأسرى قبل فوات الأوان، وحتى بثمن وقف الحرب، موضحاً أن الباب دائماً يبقى مفتوحاً للعودة للقتال. وبذلك ينضم تيبون لجنرالات في الاحتياط، من أبرزهم الرئيس الأسبق للموساد تامير باردو، الذي حذّر، قبل أيام، من خطورة إبقاء الأسرى في غزة، خاصة أن القصف الإسرائيلي يهدّدهم هم أيضاً، وهذا ما سبق أن أكدته حركة “حماس” أيضاً، قبل أسابيع. باردو، الذي تحدث للقناة 12 العبرية، اعتبرَ أن استعادة الأسرى حاجة إنسانية كبيرة، لكنها تخدم الأمن القومي، وتعزز ثقة الإسرائيليين بإسرائيل، مطالباً بوقف الحرب الآن، متماثلاً بذلك مع موقف عدد كبير من عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة.

ورغم محاولات الإسكات والتضليل، تتجه عائلات الأسرى الإسرائيليين لتصعيد الضغط على حكومة الاحتلال لوقف الحرب، بعدما باتوا يتفقون أن استمرارها لا يقرّب عودة أبنائهم، بل يهددهم بالموت، بعكس الرواية الإسرائيلية الرسمية. وبعدما باتوا يشككون بنوايا نتنياهو، المشتبه به (وهناك شكوك لدى البيت الأبيض أيضاً، حسب “هآرتس”) بخلط الحسابات والسعي لإطالة أمد الحرب، استبعاداً ليوم الحساب الذي ينتظره. فبعد فشل السابع من أكتوبر، فإن هذه الشبهات من شأنها زيادة تشكيك العائلات ومجمل الإسرائيليين بقدرة وأهلية حكومتهم على إدارة الحرب، وحسابات رئيسها عندما يتخذ قرارات تتعلق بمستقبلها.

الصحافة العبرية تكرّس تغطيات كثيرة لعائلات الأسرى
 ومن غير المستبعد أن تناصر الصحافة العبرية عائلات الأسرى مجدداً، كما حصل عشية الهدن وعمليات التبادل السابقة، فهي تتجاهل تقريباً جرائم الحرب داخل القطاع، لكنها بدأت تقدم أكثر من الماضي على طرح تساؤلات عن جدوى الحرب وصحة أولوياتها بعد وقف المفاوضات تبادل الأسرى. وربما تتزايد أعداد الإسرائيليين المؤيدين لموقف العائلات الداعي لوقف الحرب الآن، خاصة بحال زاد عدد الجنود القتلى والمصابين، وبحال بدت مؤشّرات باحتمال تورط الغزاة في أوحال غزة، وفي حرب استنزاف طويلة ومكلفة.

وهذا ما تلمّح له صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، بقولها إنه لا تبدو في الأفق نهاية للحرب. كما يقول الإذاعي البارز، في الإذاعة العبرية الرسمية ارييه غولان، اليوم: “أعتقد أننا سننتصر في نهاية المطاف، لكننا اليوم لا نرى نهاية الحرب، ولا نهاية الضيف والسنوار، وعودة الأسرى من غزة.. وحتى تأتي النهاية يبدو أن وجعاً كبيراً ينتظرنا“.

كذلك شكّك باحتمالات نجاح الحرب إسرائيلياً أيضاً المحللُ العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم، بقوله إن التقدير الأرجح هو أن الولايات المتحدة ستتيح لإسرائيل مواصلة الحرب لمدة شهر إضافي، وربما أكثر قليلاً، بحال لم تتعقّد المعارك”.

حالياً يتزايد العدد المعلن رسمياً للقتلى والمصابين في صفوف جيش الاحتلال، حيث أعلن، اليوم، عن مقتل جنديين إضافيين بعد الإعلان عن قتل عشرة جنود أمس. وكشف موقع “واينت” عن وجود 300 جندي إسرائيلي جريح في مستشفى واحد فقط ، هو مستشفى تل هشومير، والكثير منهم إصابته بالغة نتيجة استخدام صواريخ فلسطينية مضادة للدروع. كما يكشف “واينت”، اليوم، أن الجنود الإسرائيليين اصطدموا أمس داخل الشجاعية بخمسين عملية مقاومة، دون أن يشير لعدد الإصابات في جيش الاحتلال الإسرائيلي، علماً أن هذا يعلن عن خسائره بالقطارة، وبالتدريج، وبعد تمهيد وتخدير للإسرائيليين، تحاشياً للصدمات. وينقل “واينت” عن مصادر عسكرية قولها إن القتال الضاري في الشجاعية سيطول أياماً كثيرة.

عمليات تضليل حمساوية
وبعد شهرين من المعارك، ما زالت إسرائيل منشغلة جداً بـ “عملية طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر، وبالتساؤلات عن نجاح “حماس” بالحصول على معلومات في غاية الحساسية مسبقاً. وفي هذا المضمار زعمت صحيفة “واشنطن بوست”، اليوم، نقلاً عن مصدر إسرائيلي قوله إن “حماس” أعطت إسرائيل معلومات استخباراتية عن “الجهاد الإسلامي”، قبيل السابع من أكتوبر، كجزء من خطة تخدير إسرائيل قبل مباغتتها، وكأن “حماس” تريد التعاون مع إسرائيل، ولا تتفق مع توجهات “الجهاد”.

كما قالت اللواء في الاحتياط ميري آيزين لـ “واشنطن بوست” إن المظاهرات الحدودية، طيلة الأسابيع، قبيل السابع من أكتوبر، هي الأخرى جزء من عملية التخدير التي قامت بها “حماس”، وبواسطتها رغبت بتطبيع مشهد تواجد الغزيين في المناطق الحدودية، منوهة أن الجهات الإسرائيلية المعنية كانت موجهة لخطر الاقتحام من جهة جنوب لبنان نحو الجليل.

المصدر: القدس العربي