2024-11-24 10:23 م

سيناريوهات حول غزة شمالية وأخرى جنوبية-تزايد الشكوك الإسرائيلية حول جدوى الحرب..

تبدو احتمالات وقف الحرب على غزة، في يومها الستين، رهن عوامل ومؤثرات كثيرة داخلية وخارجية، مدنية وعسكرية، منها ما يرتبط بإسرائيل ودواخلها، ومنها ما يرتبط بغزة ومقاومتها، ومنها ما يتمثّل بالضغوط الخارجية، وبموقف البيت الأبيض.

إن قدرة غزة والمقاومة الفلسطينية على تحمّل هذا الجحيم من بين هذه العوامل، خاصة أن إسرائيل تصعّد نارها بشكل أكثر عنفاً وتوحشاً.

منذ تجديد الحرب، يوم الجمعة، تُضاعف إسرائيل مجهودها لحرق القطاع، في محاولة لحسم المعركة بالصدمة والترويع والكسر بالضربات الكبيرة المتتالية، كما تدلّل مشاهد الدمار وألسن اللهب.

 حتى الآن، ما زالت المقاومة الفلسطينية قادرة على مفاجأة إسرائيل بقدرتها على مواصلة القتال، واستهداف المدن الإسرائيلية بالصواريخ، كما حصل في بئر السبع، اليوم، وأمس، وعلى جبي ثمن موجع من الغزاة في شمال وجنوب القطاع، وكلما أبدت المقاومة قدرة على التصدي والمساس بالغزاة ترتفع قوة الضغوط الداخلية في إسرائيل.
يوماً إثر يوم، تتزايد أيضاً الأصوات الإسرائيلية المشككّة بجدوى واحتمالات الحرب من ناحية القدرة على حسمها بالنار المفرطة، فالمقاومة الفلسطينية داخل القطاع مؤمنة وتعمل وفق عقيدة وخطة مسبقة، وستقاتل حتى آخر رصاصة، كما يتوقع المحاضر في الشؤون الفلسطينية والشرق أوسطية في جامعة تل أبيب دكتور ميخائيل ميليشتاين، في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، كل صباح في الأيام الأخيرة، ضمن قراءة يومية للحرب. وهذا ما يؤكده بشكل مثابر، في الفترة الأخيرة، عدد من المراقبين والمحللين الإسرائيليين، منهم وأبرزهم ناحوم بارنياع، الذي يشكّك باحتمالات هذه الحرب، ونَقَلَ، يوم الجمعة الفائت، عن وزير يميني قوله إنه لا يوجد انتصار في هذه الحرب، حتى لو خرج السنوار مستسلماً رافعاً يديه، ومِن خلفه كل المخطوفين الإسرائيليين.

وينضم المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل لعدد من المراقبين الإسرائيليين ممن يحذّرون، بمستويات مختلفة، من أن “حماس” لن تنكسر، حتى لو نجحت إسرائيل بقتل السنوار، وهذا في المناسبة ما تدلل عليه ربما تجارب الماضي، فالحركة ازدادت قوة وصلابة بعد سلسلة اغتيالات قادتها، من أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهم، وهذا ما حصل مع “حزب الله” مع صعود حسن نصر الله، بدلاً من عباس موسوي الذي اغتالته إسرائيل في لبنان.

 غزة الشمالية وغزة الجنوبية
 في مقاله المنشور في “هآرتس”، اليوم، يوضح هارئيل أن السنوار هدفٌ رمزي وعملي، لكن من غير الواضح كيف ستصله إسرائيل، فيما تكشف صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن خطة إسرائيلية لإغراق الأنفاق بماء البحر عبر مضخات للإجهاز على قادة وجنود “حماس” أسفل غزة. وينبّه هارئيل لقدرة “حماس” على مواصلة إطلاق الصواريخ حتى الآن، وأنها لا تدع السلاح جانباً، رغم شراسة القصف.

ويرى الدكتور ميخائيل ميليشتاين، في حديث للإذاعة العبرية، صباح اليوم، الثلاثاء، أن التركّز الإسرائيلي بالسنوار هو أمر صحيح، لأن هذه ضربة رمزية ووظائفية، معلّلاً ذلك بالإشارة لكونه صانع القرار المركزي، وأكثر من قادة “حماس” في الخارج. ومع ذلك، يدعو ميليشتاين للحذر من التفاؤل المفرط بقوله إنه بعد قتل السنوار، وربما محمد الضيف، والإجهاز على تنظيم “حماس” لن تتوقف المقاومة. ويضيف: “بعد اغتيال الرنتيسي، في 2004، زادت المقاومة المسلحة، في رسالة تؤكد على أن الصمود قائم ومستمر.

وسئل ميليشتاين: ماذا مع مستقبل المفاوضات حول الأسرى في غزة بعد قتل السنوار؟ فأجاب: “سؤال مهم من سيكون خليفة السنوار، وربما يكون دور أكبر لقادة “حماس” في الخارج، خاصة أنها تتأثر بمواقف قطر، ما يعني تليين مواقف الحركة. ربما نتساءل هنا عن مدى جدية إسرائيل في حملتها البرّية، وعن مدى تصميمها على احتلال كل جنوب القطاع  فعلاً، وربما سنجد أنفسنا نتحدث لاحقاً عن غزة الشمالية تحت سيطرتنا، وعن غزة الجنوبية تحت سيطرة “حماس” مع مساعدات دولية.

يشار إلى أن جهات إسرائيلية أخرى سبق أن تحدثت، قبل أيام، عن سيناريو مشابه توقف فيه إسرائيل الحرب ضمن صفقة تبادل أسرى شاملة، مع اقتطاع مساحة من القطاع، وجعلها منطقة عازلة، دون الالتزام بوقف الحرب، والعودة لتسديد الحساب مع “حماس” لاحقاً، كما قال مستشار الأمن السابق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت”، وكما قال رئيس الموساد الأسبق تامير باردو للقناة 12 العبرية، في الليلة قبل الماضية.

المؤثرات الخارجية
 هارئيل، الذي يواصل التساؤل، بالتلميح هذه المرة، عن جدوى الحرب، يشير للعوامل الخارجية المؤثّرة (المرتبطة بالعامل المذكور الخاص بقدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود)، خاصة الإدارة الأمريكية التي تملك قدرة على وقف الحرب، يقول إن جو بايدن يرفض الدعوة لوقف الحرب، ولكن ليس مضموناً أن يتمسك بهذه الموقف إذا ما تورطّت إسرائيل أكثر في الحرب وطالت. رغم يأس أوساط عربية من جدوى الاحتجاج الشعبي في العواصم الغربية، والذي يفوق حجم وقوة الاحتجاجات في العواصم العربية، لكن من غير المستبعد أن يتجدّد بأكثر قوة وفاعلية بعد التوغّل الإسرائيلي في جنوب القطاع، والذي يبدو أكثر وحشية ودموية، بسبب الازدحام السكاني، والرغبة الإسرائيلية بحسم المواجهة بـ “الصدمة والترويع”، على الطريقة الأمريكية في الحرب على العراق، قبل 20 عاماً، وبأحزمة نار تجعل من القصف زلازل كبيرة، كما يؤكد بعض أهل غزة.

من المرجح أن تفضح مشاهد الكوارث على الأرض المزاعم الأمريكية والإسرائيلية بأن القصف عن بُعد في جنوب القطاع “محدّد وجراحي” ويتجنّب المدنيين، بما يكفي لتحريك الرأي العام الغربي وتغيير موقف الإدارة الأمريكية، خاصة أنها (وبايدن شخصياً يتعرّض لهبوط في شعبيته، وانفضاح مواقفه المؤيدة للمذابح بحق الغزيين) تتعرّض لانتقادات واسعة في العالم (وربما ضغوط من جهات عربية تشعر بالحرج، كمصر والأردن) وتنظر بريبة وشكوك حول نتنياهو ونواياه وحساباته، والذي تزداد التهم الإسرائيلية له بالانشغال بحسابات البقاء في الحكم، وبالتالي السعي لإطالة أمد الحرب استبعاداً ليوم الحساب العسير، وحفاظاً على حكومته من السقوط شبه الحتمي بعد نهاية الحرب.

الضغوط والمؤثّرات الداخلية
بيد أن استمرار الحرب من عدمه رهن تفاعلات إسرائيلية داخلية أيضاً لا تقل خطورة عن الموقف الأمريكي، أهمها يرتبط بتزايد المطالبات باستعادة الأسرى. من المفترض أن يلتقي، مساء اليوم، الثلاثاء، مندوبون عن عائلات الأسرى الإسرائيليين داخل قطاع غزة مع مجلس الحرب، من أجل إقناعه بتغيير موقفه نحو تجديد المفاوضات مع حركة “حماس” واستعادة كل المحتجزين.

في الماضي، قالت حكومة الاحتلال، في روايتها الرسمية، إن التوغّل البري يخدم هدفي الحرب: “تدمير حماس واستعادة المخطوفين”، داعيةً عائلات المحتجزين للصمت، ومنحها فرصة لفعل ذلك، ولكنها لم تحقق أياً من الهدفين، رغم مرور أكثر من شهر على الحرب المتوحشة، ما دفع العائلات مجدداً للخروج للشوارع والاحتجاج مطالبة باستعادة أعزائهم الآن. وهذا شقّ الطريق أمام إنجاز صفقة تبادل، في إطار هدنة لأسبوع بوساطة قطر ومصر، في اليوم الخامس والأربعين للحرب، بعدما نجحت العائلات بتجنيد وسائل الإعلام العبرية، وأوساط واسعة من الإسرائيليين لجانبها.

هذا الضغط الداخلي هو الدافع الحقيقي الأهم خلف تغيير قرار الحكومة الإسرائيلية، بعدما كانت ترفض فكرة الهدنة، ولاحقاً زعمت أن استعادة المخطوفين تمّت فقط بعد الضغط العسكري على “حماس”، فهل يتجدّد هذا الضغط الآن من أجل صفقة كبرى على مبدأ “الكل مقابل الكل”، حتى بثمن وقف الحرب دون تحقيق هدفيها المعلنين؟ بات واضحاً أن “حماس” لن ترضى بمفاوضات متجددة من أجل هدنة ليوم أو يومين، وتعتقد، وبحق، أن مواصلة التمسّك بكل مَن في قبضتها سينقل الضغط على الجانب الإسرائيلي حكومةً وشارعاً مما يخدم هدفها بوقف الحرب على غزة الآن.

تهرّب الكابنيت
من المتوقع أن لا يستجيب مجلس الحرب لمطلب العائلات، بجعل الإفراج عن كل المخطوفين والأسرى هدفاً يسبق تدمير “حماس” ضمن سلة الأهداف المعلنة، فحتى الآن الوزيران غانتس وايزنكوت هما الوحيدان المؤيدان لموقف العائلات، وبخلاف ما يُعلَن رسمياً، إسرائيل تبحث عن التغلّب على “حماس” حتى بثمن مقتل كل أسراها داخل القطاع. لكن هذه العائلات التي اختبرت بنفسها تجارب سابقة لن تلتزم الصمت، ومن المرجّح جداً أن تصعّد الاحتجاجات وتجنيد المزيد من الإسرائيليين والصحافة العبرية من أجل التوافق معها على ذلك، خاصة أنها تدرك أن هذا القصف البري العشوائي من شأنه قتل أقربائهم الأسرى. وبخلاف الأيام الأولى للحرب، لن تستجيب عائلات الأسرى الإسرائيليين لدعوات الكابنيت بالصمت والانتظار، وستجد دعواتها آذاناً مصغية أكثر في الشارع الإسرائيلي، وهذا ما يعكسه استطلاعا رأي جديدان يظهران أن أغلبية الإسرائيليين يؤيدون استعادة الأسرى، حتى بثمن وقف الحرب، كما أكد محرر الشؤون الدولية، والمعلق السياسي في القناة 12 العبرية نداف أيال، ليلة أمس.

وهذا انعكس أيضاً بدعوة رئيس الموساد الأسبق تامير باردو، الذي دعا، أمس الأول، في حديث للقناة المذكورة، لاستعادة كل الأسرى، حتى بثمن وقف الحرب، لأن ذلك يخدم هدفاً إنسانياً وهدفاً إستراتيجياً، فإبقاء هؤلاء كل يوم جديد يعني اقتراب الموت منهم، في ظل أزمة النار الواسعة، مثلما يستبطن رسالة سلبية للإسرائيليين، مفادها أن دولتهم لا تحميهم ولا تنقذهم عندما يقعون في الأسر. علاوة عن هذا الدور الضاغط لعائلات الأسرى من أجل وقف الحرب عملياً، والذي تناصره صحيفة “هآرتس”، في افتتاحيتها اليوم، إذ تؤدي عوامل داخلية أخرى دوراً مؤثّراً على مستقبل الحرب على غزة، منها قدرة تحمّل الإسرائيليين للخسائر المترتبة على استمرار الحرب، من ناحية مقتل الجنود، واستمرار نزوح 220 ألف إسرائيلي عن بيوتهم، باتوا يبدون تململاً. ومن ناحية الأثمان الاقتصادية فهذه كلها من شأنها أن تتفاعل أكثر، وتؤثّر على مستقبل الحرب، وتحول دون إطالة أمدها بدوافع مختلفة، بخلاف شهوة نتنياهو وزمرته.

المصدر: القدس العربي