2024-11-25 12:54 م

اسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها رغم الدعم الامريكي السخي-مساعٍ حثيثة بحثاً عن مخارج و”صفقة كبرى” لوقف الحرب على غزة


 تزامناً مع استمرار الهدنة ودفعات تبادل الأسرى، ومع تقارير إعلامية تتحدث عن محاولات دبلوماسية متصاعدة لحياكة “صفقة كبرى” تشمل الإفراج الشامل عن كل الأسرى مقابل كل الأسرى، ووقف طويل للنار، تصعد القيادات الإسرائيلية تهديداتها باستئناف الحرب فور انتهاء أيام الهدنة وتوقف “حماس” عن الإفراج عن المحتجزين.

لكن التصعيد اللفظي على لسان سياسيين وعسكريين، وحتى إعلاميين، إسرائيليين يتحدثون بلهجة واحدة، وأحياناً بذات المصطلحات، ربما لا يعكس حقيقة موقف إسرائيل، في اليوم الرابع والخمسين من بدء الحرب على غزة.

إسرائيل ما زالت تقف أمام معضلة تزيدها حرجاً وتحدياً، ربما تكون غير مسبوقة، إذ هناك محفزات وحسابات متنوعة تدفعها لمواصلة الحرب أملاً بالاقتراب من أهدافها العالية المعلنة، وربما الظفر بصورة انتصار تتكئ عليها لوقفها.
وفي المقابل هناك محاذير وضغوط داخلية وخارجية واعتبارات مختلفة تدفع للاتجاه المعاكس، وفي كلا الحالتين الوقت يمضي بغير صالحها. من جهة واحدة تستصعب إسرائيل اتخاذ قرار بالاستنكاف عن توغّل بري في جنوب القطاع ومواصلة الحرب، لأن ذلك سيعود كيداً مرتداً على هيبتها وقوة ردعها وصورتها بعيون مواطنيها الممتلئين بالإرباك والخوف والشهوة بالانتقام، وبعيون أعدائها الذين يترقبونها، وبعضهم سبق أن وصف بيتها بأنه أوهى من بيت العنكبوت.

وقف الحرب الآن، ودون مكسب عسكري حقيقي عدا الدمار والتدمير، من شأنه أن يعود بالسلب على صورة ومستقبل الحكومة، لا على الدولة فقط، لا سيما أن شعبيتها بالحضيض أصلاً، وبعض أحزابها يهدد بتفكيكها إذا ما توقفت الحرب الآن دون تدمير “حماس”.

وهذا ما يدفع المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم، للقول إن حكومة الاحتلال الحالية لن تقبل ببقاء سلطة “حماس” لأسباب تتعلق بصورة الحكومة ومستقبلها السياسي. ومع ذلك يقول هارئيل إن إسرائيل اقتربت من الحائط، ومن لحظة الحقيقة في هذه الحرب، لافتاً إلى أن “حماس” أحرزت مكسباً عسكرياً في السابع من أكتوبر، وتتطلع لوقف دائم للنار، واستعادة كل الأسرى، ما سيعزز مكانتها. وفي المقابل يرى أنه على إسرائيل أن تتخذ قراراً حاسماً في الأيام القريبة؛ هل تستجيب للمقترحات التي تصلها خلسة أم لا في هذه الأيام.

ويخشى بعض المراقبين ممن يعرفون نتنياهو جيداً أنه ما زال متمسكاً بكرسي الرئاسة، ومصمّم على المصارعة من أجلها ويرغب ربما بإطالة أمد الحرب استبعاداً ليوم الحساب العسير الذي ينتظره والاحتجاجات الساخنة التي ستنشب مع انتهاء الحرب ولن تتوقف إلا بالإطاحة به، وفق عدد كبير من المراقبين المحليين.

ضغوط مضادة
في المقابل هناك عوامل ضغط داخلية وخارجية تدفع نحو الاتجاه المعاكس، اتجاه البحث عن مخرج الآن، أو بعد أسبوع، يحفظ لإسرائيل ماء وجهها، ويبقي حكومتها النازفة على قيد الحياة.

على الصعيد الداخلي؛ هناك تساؤلات عن قدرة الإسرائيليين على تحمّل ثمن استئناف الحرب من ناحية الخسائر البشرية، رغم أنهم كانوا معبأين جداً من أجلها بعد صدمة الضربة الموجعة، في السابع من أكتوبر. وما يزيد هذا السؤال صدقية أن التوغّل البري في جنوب القطاع سيكون أكثر خطورة نتيجة لأن المنطقة مزدحمة جداً بالسكان والنازحين إليها من شمال القطاع، ونتيجة أن “حماس” هناك تحتفظ بقدرات عسكرية كبيرة، وهناك من يقول إنها بعيدة جداً عن الانهيار أو الاستسلام، منهم رئيس حكومة إسرائيل ووزير أمنها الأسبق إيهود براك وغيره.

الضغوط الخارجية
كذلك لا بد أن إسرائيل تأخذ بالحسبان أن العالم يوشك على فقدان صبره بحال تجددت الحرب ومشاهد القتل والتدمير والتهجير، وأن ينعكس ذلك على مواقف حكومات غربية تغاضت حتى الآن عن المذابح بحق المدنيين داخل القطاع. وحتى في الولايات المتحدة يبدو أن موقفها بدأ يتغير، فالإدارة الأمريكية ما زالت تؤيد “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، ونزع قدرات حماس العسكرية والسلطوية”، لكنها، في المقابل، تحذر على شكل “توصيات”  تدعو فيها لتحاشي تكرار سيناريو قصف شمال القطاع بشكل عشوائي، وقتل مدنيين، وتوفير دخول كمية كبيرة من المساعدات الإنسانية، لهم علاوة على طرح تصوّر عن اليوم التالي للحرب، وتقديم أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية.

ويبدو أن هذه مهمة الزيارة الرابعة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي وصل ليلة أمس، وشارك في اجتماع الكابينيت الإسرائيلي، مثلما هي مهمة رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية وليام برنز الذي قدم للمنطقة بنفسه، والتقى عدة مرات رئيس الموساد ووزير المخابرات المصرية عباس كامل ومسؤولين قطريين في الدوحة. من غير المعقول أن ينشغل هؤلاء فقط بإتمام الهدنة والدفعات المتتالية من تبادل الأسرى، ومن المرجح جداً أنهم يتداولون فكرة للخروج من الحرب، والبحث عن سلم ينزل الطرفين، خاصة إسرائيل، عن شجرة عالية تسلقتها قبل 50 يوماً.

رافعات سرية وعلنية
نتنياهو، الذي يأخذ هذه الحسابات، وغيرها، يجد نفسه أمام معضلة قاسية عالقاً في لعبة “شد حبل” بين وزراء متطرفين ومؤسسة عسكرية ترغب بمواصلة الحرب لمسح عار السابع من أكتوبر، وربما هو شخصياً يميل مع هذا الطرف مقابل ضغط معاكس هو خارجي بالأساس من جهة الولايات المتحدة.

واشنطن، بعد نحو الشهرين على الحرب، تلاحظ أن إسرائيل لم تحقق الهدف، رغم الدعم السخي، الدبلوماسي والعسكري والمالي، وتضطر لمواصلة التدخل الفعال لحمايتها من أعدائها ومن نفسها، مثلما يواصل مسؤولوها الزيارات المكوكية للمنطقة، بما يذكّر بالزيارات المكوكية التي قام بها وزير خارجية أمريكي آخر هو هينري كيسنجر (من أصل يهودي كبلينكن) للمنطقة، عقب اندلاع حرب 1973، التي كانت أول حرب لم تنتصر بها إسرائيل أمام العرب.

بصفتها دولة عظمى، تنشغل الولايات المتحدة بمشاغل أخرى، منها داخلية وتتعلق بانتخابات الرئاسة القادمة، وباتت الحرب على غزة تثقل عليها أيضاً، وهذا واحد من حساباتها الحالية المتحفظة من تجديد الحرب، خاصة التوغّل البرّي. في حال لم يتمكّن المسؤولون الأمريكيون من إقناع حكومة نتنياهو بضرورة البحث عن مخرج لائق، ووجدوه يسعى للتغرير بهم أو تجاهل رغباتهم فمن غير المستبعد أن تلجأ إدارة بايدن للقيام بما قامت به إدارة براك أوباما، بعد 50 يوماً من حرب “الجرف الصامد” على غزة، عام 2014، حينما أوقفت شحن السلاح والذخائر ومنظومات القبة الحديدية. وفي حال لم ينفع هذا الضغط الناعم، من غير المستبعد أن تلوح واشنطن بعدم استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن لمنع اتخاذ قرارات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة. هذا ما يشير له رئيس الشاباك الأسبق عامي أيلون، الناشط منذ سنوات لتسوية الصراع مع الفلسطينيين عبر حل الدولتين.

في محاضرة، عبر تطبيق زووم، مع صحفيين وناشطين يهود وعرب، ليلة أمس، أوضح أيالون أن واشنطن منزعجة من رفض نتنياهو التداول في سؤال اليوم التالي، واستنكاف حكومته عن تقديم أي أفق سياسي للفلسطينيين. أيالون الذي أكد أن الشعبين وصلا إلى مفترق تاريخي فيه طريقان؛ إما الحرب الأهلية، وإما السلام برعاية أمريكية وعربية، على مبدأ مبادرة السلام السعودية، يدعو واشنطن لعدم الاكتفاء بتصريحات وخطابات، بل طرح برنامج حقيقي لتسوية الدولتين.

وكشف أيالون عن مؤتمر سيتم في أبو ظبي، الشهر القادم، بين 100 شخصية إسرائيلية و100 شخصية فلسطينية لإطلاق دعوة لاستخراج تسوية سياسية من هذه الحرب الدامية المروعة للطرفين.

 تسريبات عن تسوية محتملة
أيالون قال إن أحداً لا يعرف كيف تنتهي الحرب، لأن معضلة إسرائيل كبيرة، ويتوافق مع رؤية هارئيل بضرورة اتخاذ إسرائيل قراراً سريعاً مثلما يرى بضرورة أن يحسم الإسرائيليون أمرهم باستبدال حكومتهم، وبانتخاب حكومة مؤيدة لتسوية الدولتين، وإلا ستخسر إسرائيل الحرب في كل الحالات والسيناريوهات.

بداية تطبيع فكرة الحرب
ورغم كل ما ذكر، ورغم بدء تطبيع فكرة وقف الحرب لدى الإسرائيليين، مع استمرار الهدنة، ومع استمرار التسريبات عن مداولات سرية حولها، ويتم نفيها رسمياً ما زالت أوساط إسرائيلية واسعة تعارض وقف الحرب اليوم. ولذا من غير المستبعد أن تكون تهديدات نتنياهو وتأكيداته المطلقة المتجددة، أمس، بالعودة للقتال محاولة لمجاراة الشارع الإسرائيلي الذي بدأ يشهد انقساماً ونقاشاً حيال الحرب، وكذلك للضغط على “حماس” طمعاً بتليين مواقفها في أكثر من مسألة، وليس حصراً في موضوع تبادل الأسرى.

نتنياهو سيصطدم بحريق داخلي كبير يهدد أيضاً بسقوطه فوراً، بحال أوقف الحرب، لذلك من المرجّح أن يأتي المَخرج على شكل استئناف محدود ومحدد للقتال في جنوب القطاع، يستمر عشرة أيام، يطمع خلاله باصطياد مكسب يحسّن مواقعه، ويمكنّه من القرار بوقف الحرب.

وطبقاً لتقييمات مستشار الأمن الأسبق، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، ضمن حديث للإذاعة العبرية، اليوم، يمكن لإسرائيل وقف الحرب مقابل صفقة تشمل إطلاق كل الأسرى في الطرفين (الكل مقابل الكل)، مع إبقاء السيطرة على شمال القطاع، أو قسم منه، لفترة معينة دون الالتزام بعدم استئناف الحرب ضد “حماس”، بل العودة لها بعد سنة أو سنتين. وتعكس أقوال آيلاند هذه مسيرة تطبيع فكرة وقف الحرب وتعايش الإسرائيليين معها، من خلال سلم أمريكي عربي، لأنه كان من أشدّ وأبرز دعاة مواصلة الحرب حتى تحطيم “حماس”، وتخريب غزة بثمن قتل النساء والأطفال لكونهم أقارب “مخرّبي حماس”. ومثل هذا السلم سيمنح “حماس” مخرجاً أيضاً، فهي محاصرة عسكرياً من كل الجهات، ودون ظهير دبلوماسي عربي فعال، بعد 50 يوماً من حرب متوحشة غير مسبوقة في تاريخ الصراع، ألقت فيه إسرائيل عليها وعلى غزة نحو 40 ألف طن ديناميت، وقتلت وجرحت عشرات آلاف المدنيين المحاصرين بالموت بالقصف وانعدام الماء والغذاء وحبة الدواء.

المصدر/ القدس العربي