2024-11-21 03:32 م

اقتراح غيورا آيلاند الوحشي بشأن غزة: شرٌّ على مرأى من الجميع

جدعون ليفي

غيورا آيلاند هو أحد "الضباط المفكّرين" الذين تدرّجوا في الجيش الإسرائيلي. يتمتع بالدماثة والطلاقة. وسلوكه ينمّ عن اعتدال ومنطق سليم. كانت مهنته العسكرية محطّ إعجاب، رئيساً للعمليات والتخطيط العسكري ورئيساً لهئية الأمن القومي. تستقطبه المقابلات الصحافية بانتظام، وتشيد به الحركة العمالية. هو ليس غامضاً وجاهلاً مثل الجنرال أمير أفيفي، وليس متعطشاً للدماء مثل إيتامار بن غفير. هو في الوسط، حيث يقف اليمين المعتدل.

لم يكن آيلاند على ما يرام حين ألّف كتاباً عن معاناته، وفكرته قائمة على أنّ الأوبئة في غزة مفيدة لإسرائيل. كما كتب هذا الأسبوع في يديعوت أحرونوت: "في نهاية المطاف، فإن الأوبئة الشديدة في جنوب القطاع ستجعل النصر قريباً وتقلل من الوفيات بين جنود الجيش الإسرائيلي، وما علينا سوى أن ننتظر حتى تصاب بنات قادة حماس بالطاعون فننتصر".

لم يذكر آيلاند تفاصيل عن الأوبئة التي يوصي بها - أهو الطاعون أو الكوليرا، أو ربما مزيج من الجدري والإيدز، وربما أيضاً المجاعة لمليوني شخص. وعد بالنصر الإسرائيلي بأسعار شبه مجانية، وأكد: "لا، هذه ليست قسوة لغاية القسوة"، كما لو أن أحداً يعتقد خلاف ذلك. بل إنه لطف وإنسانية نادرين، ولن يؤديا إلا إلى إنقاذ حياة البشر.

آيلاند، في دور الأم تيريزا، ضابط ورجل نبيل في الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، قدّم اقتراحاً نازياً ولم تهبّ أي عاصفة. في المقابل، أي شخص ينسب الإبادة الجماعية إلى إسرائيل هو في نهاية المطاف معادٍ للسامية. لنتخيل فقط جنرالاً أوروبياً يقترح تجويع شعب، أو قتله بالوباء – وخصوصاً إن فعل ذلك مع اليهود، على سبيل المثال. لنتخيل نشر الطاعون لأنه سيعزز المجهود الحربي. كل شيء مباح في الحرب، والآن يمكن اقتراح أي شيء وكل شيء حلمنا به ولم نجرؤ على طرحه أبداً. لقد انقلبت الصوابية السياسية رأساً على عقب. يمكن لأي شخص أن يكون مائير كاهانا، ولا يمكن لأحد أن يكون إنساناً. لا بأس إذاً أن نقترح الإبادة الجماعية، ولكن من الخطأ أن نشفق على أطفال غزة. لا بأس باقتراح التطهير العرقي، لكن من الخطأ أن نُصدم من معاقبة غزة.

لم يعد ما سبق تجسيداً لتيار اليمين فقط، بل صار الاتجاه السائد. عضو الكنيست رام بن باراك من حزب "يش عتيد" ، يؤيد "الترانسفير الطوعي"، وتؤيده أيضاً الوزيرة المعتدلة جيلا غامليل. وقالت وزارة الخارجية إنها لا تمثل الحكومة. نعم، هو موقفها وليس موقف الحكومة فقط.

لقد أصبحت الوحشية عين الصواب، وقد اخترقت الشيطانية المنتمين الى "الوسط" وحتى يسار "الوسط". حرب أخرى أو اثنتين، والجميع سيصبح كاهانا.

بالكاد كدنا نتعافى من وحشية حماس، حتى غمرنا كل هذا الخير - ليس فقط من قبل اليمين المتطرف والمستوطنين، بل من قلب من يمثلون الوسط في إسرائيل.

يبدو أن هناك قسوة مروعة وقسوة مقبولة/ صحيحة. حماس "حيوانات"، ولكن اقتراح نشر الوباء مشروع. لا بدّ أنّ أحد أخطر الأحداث التي ستولد في هذه الحرب يتكشف أمام أعيننا: توحيد الشر وقوننته والتطبيع معه.

لقد نشأ هذا الشر من التجاهل غير المعقول واللامبالاة المرَضية في إسرائيل تجاه ما يحدث اليوم في غزة. الصحافيون الأجانب الذين يأتون إلى هنا لا يصدقون أعينهم: معاناة غزة غير موجودة. إسرائيل لم تقتل آلاف الأطفال، ولم تطرد مليون شخص من منازلهم. لقد خرجت تضحيات غزّة تماماً عن الصورة، وهي لم تختف من الخطاب العام فحسب، بل حتى من الأخبار اليومية. والوحيدة في العالم، شاشة التلفزيون الإسرائيلي، تقول أننا لم نقتل الأطفال. ووفق وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي لم يرتكب في هذه الحرب ولو جريمة حرب صغيرة واحدة.

إنّ المجتمع الذي يتجاهل الحقيقة ولا يبالي بمعاناة الشعب الذي أعلن عليه الحرب، يستولد طفرات أخلاقية مثل آيلاند. يمكن التأكيد أنه يعتقد أن اقتراحه ليس مداناً بأي شكل من الأشكال، وأنّ كل ما فعله هو تقديم اقتراح معقول يخدم مصلحة إسرائيل. وعلى أية حال، ما هو الاعتبار الآخر الموجود، غير مصلحة إسرائيل؟ القانون الدولي للضعفاء، والأخلاق للفلاسفة، والإنسانية للقلوب النازفة. وحقاً، ما المشكلة في انتشار الطاعون في غزة؟ شيء واحد فقط: يمكن أن يصيب إسرائيل أيضاً. وهذا ما حدث بالفعل.

• المصدر: صحيفة هآرتز 23- 11- 2023
ترجمة السفير اللبنانية