ناصيف حتي28/11/2023 سبعة أسابيع ونصف مرت على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والسياسة الإسرائيلية أسيرة للأهداف التى وضعتها الحكومة غداة «الصدمة» المتعددة الأبعاد التى شكلها هجوم حماس بمختلف تداعياته البشرية والعسكرية والأمنية والسياسية على «الدولة القلعة» التى لا تقهر. إسرائيل اليوم أسيرة الأهداف ذات السقف المرتفع التى أعلنت عنها فى اليوم الأول للحرب والتى يمكن تلخيصها فى القضاء كليا على حماس والسيطرة الأمنية على غزة على أن تدير القطاع، تحت سيف رقابتها وتحت سقف رؤيتها الأمنية، سلطة سياسية ـ إدارية. سلطة مركبة قد تكون فلسطينية أو عربية دولية. وكان واضحا منذ البداية وتكرس الأمر مع كل يوم يمضى أن ذلك بمثابة هدف غير واقعى كليا. تعزز هذا التوجه الهوية العقائدية والسياسية للائتلاف الحاكم من أحزاب دينية أصولية متشددة تحظى بالطبع بالدعم من اليمين المتشدد التقليدى الذى يمثله بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة. سياسة «الهدن المتكررة» هو أكبر تنازل يمكن أن تقدمه الحكومة وقد اضطرت للقبول بهدنة «ممتدة» لأيام أربعة (ثم صارت ستة أيام)، كبديل عن «هدن الساعات»، والقابلة للتمديد وللتكرار لاحقا للإفراج عن الأسرى عند حماس ضمن سياسة تبادل الأسرى. أكثر من وزير فى الحكومة الحالية هدد بالانسحاب من الحكومة فيما لو لم تستأنف حربها ضد حماس وفى طليعة هؤلاء إيتمار بن غفير وزير الأمن القومى. الأمر الذى يهدد الحكومة بالسقوط وما ينتج عن ذلك من شلل سياسى. *** خيار السيطرة الأمنية بعد التخلص الكلى من حماس، كما أشرنا سابقا أثبت أنه غير واقعى وغير ممكن التحقيق. الخيار الآخر الذى حاولت الحكومة الإسرائيلية فرضه فى بداية الحرب، هو خيار التهجير، بإخراج نسبة كبيرة من سكان غزة من القطاع، وإقامة مخيمات لاجئين تحت عنوان المؤقت الذى يدوم فى حقيقة الأمر على الأراضى المصرية، وهو أمر مرفوض بشكل واضح وحازم من طرف مصر وكذلك الفلسطينيين بالطبع وغير قابل للتحقيق. تخفيض جديد للهدف الإسرائيلى، دون الإعلان عنه رسميا بالطبع، يتمثل بمحاولة السيطرة على شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد طرد السكان والتخلص من حماس فى تلك المنطقة، ودفع السكان نحو جنوب القطاع، أمر أيضا غير قابل للتحقيق لأسباب عسكرية بشكل خاص.
معادلة أخذت تستقر فى الحرب الإسرائيلية على غزة قوامها عدم القدرة على تحقيق الأهداف التى وضعت فى البداية وتغيرت نحو تخفيضها دون المس بجوهرها كما أشرنا. ذلك قد يدفع إسرائيل للدخول فى حرب ممتدة مفتوحة فى الزمان. حرب قد تشهد تصعيدا وتخفيضا فى القتال ضد القطاع لتحقيق الأمن حسب المفهوم الإسرائيلى والمستحيل التحقيق كما اتضح منذ اليوم الأول للحرب. ومن غير المستبعد أن يزداد التوتر فى الضفة الغربية وترتفع وتيرته كما يدل على ذلك تكرار أحداث الاعتداءات من طرف المستوطنين بدعم من القوى العسكرية والأمنية الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين بغية محاصرتهم والعمل على تهجيرهم لاحقا. منطقة جنين وجوارها صار يسميها البعض بغزة الصغيرة. وإذا لم تتوقف الحرب القائمة فى غزة فمن غير المستبعد أن تنطلق انتفاضة فى الضفة الغربية قد لا تكون سلمية، فى ظل تزايد حدة سياسة التهويد التى تتبعها إسرائيل، على صعيدى الجغرافيا والديمغرافيا لاستكمال ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، تحت عنوان بناء «إسرائيل الكبرى». هدف لم يكن غائبا عند الحكومات السابقة. ولكن مع الحكومة الحالية صار معلنا والعمل لتحقيقه ناشطا ومتسارعا فى ظل موازين القوى القائمة وصمت دولى فاضح ومستمر رغم ضرب إسرائيل بعرض الحائط لكافة القرارات الدولية وبالأخص قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. توسع النزاع نحو الضفة، ولو بشكل مختلف عن غزة، واستمراره فيما لو حصل قد يهدد بالتوسع إلى نزاع إقليمى. نزاع قد يصل أولا إلى لبنان، وذلك برغم الاهتمام الدولى الواسع بإبقاء لبنان خارج النزاع وبرغم الاستمرار فى الحفاظ على قواعد الاشتباك القائمة والتى شهدت تصعيدا متوازنا ثلاثى الأبعاد فى الجغرافيا والأهداف وطبيعة القوة النارية دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة. *** التوصل إلى الوقف الكلى للقتال هو الهدف الواقعى والأخلاقى الوحيد الذى يمنع من الانزلاق نحو الحرب المفتوحة وذات التداعيات الكبيرة على كافة الأصعدة وعلى الجميع. هدف ترفضه بشكل قاطع الحكومة الإسرائيلية وتستند إلى «تفهم» غربى باعتبار أن حربها المفتوحة بالأهداف والزمان والجغرافيا هى عمل دفاعى، وهذا بالطبع منطق مناقض بشكل كلى للواقع وللقوانين والقرارات الدولية ذات الصلة. بداية التغيير فى المواقف الغربية، بدأت بالظهور ولو بشكل بطىء. مواقف مختلفة في ما بينها فى درجة الدعم لإسرائيل وتراجع ولو طفيف لهذا الدعم من جهة ومواقف لدول ولو عددها أقل، تعارض بشدة الحرب الإسرائيلية من جهة أخرى، وتدعو لوقف إطلاق النار. انسداد الأفق أمام الحل الإسرائيلى الإلغائى للشعب الفلسطينى كشعب له حقوقه الوطنية كما تدل على ذلك التطورات اليومية، وازدياد ضغط الرأى العام خاصة فى الدول المؤيدة لإسرائيل، ومخاطر الذهاب نحو المجهول الذى يهدد مصالح الجميع فى الإقليم الشرق أوسطى وخارجه القريب والأبعد، إلى جانب ضرورة قيام انخراط ناشط ومتصاعد من قبل الأطراف العربية والإقليمية المؤثرة وضمن صيغ مختلفة من الاتصال والتواصل مع القوى الدولية الفاعلة، كلها عناصر تساعد وتدفع نحو التوصل لتحقيق هدف وقف القتال كليا. وبعد ذلك من الضرورى أن يجرى العمل لإحياء مسار مفاوضات السلام. مسار أمامه الكثير من العقبات والصعوبات ولكنه أكثر من ضرورى لإنقاذ المنطقة من الحروب والصراعات المترابطة والمتداخلة. تلك التى يدفع ثمنها الجميع فى أوقات وأشكال وأثمان مختلفة. السلام العادل، برغم الصعوبات العديدة أمام بلوغه كما أشرنا، يحقق الاستقرار والازدهار أما الحرب فتعد بمزيد من الدمار والسياسات الإسرائيلية خير دليل على ذلك.
المصدر: ١٨٠ بوست