2024-11-27 02:33 م

ساعات شاقة وتفاصيل صادمة-نشر الكواليس السرية للمفاوضات المعقدة التي قادت لـ”صفقة الرهائن” بين إسرائيل وحماس

بعد فترة وجيزة من احتجاز مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس “رهائن” خلال هجوم مباغت على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول تواصلت حكومة قطر مع البيت الأبيض وأبلغتهم بطلب تشكيل فريق مصغر من المستشارين للمشاركة في جهود تهدف إلى التوصل لاتفاق لإطلاق سراح المحتجزين.

وأسفر هذا العمل، الذي بدأ في الأيام التي أعقبت احتجاز الرهائن، عن نتائج أخيرا مع الإعلان عن صفقة تبادل بوساطة قطر ومصر ووافقت عليها إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.

وتضمنت الجهود السرية مشاركة دبلوماسية مكثفة من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أجرى عددا من المحادثات العاجلة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأسابيع التي سبقت الصفقة.

كما تضمنت ساعات من المفاوضات المضنية التي شارك فيها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونائبه جون فاينر، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط بريت ماكجورك، وآخرون.

وقدم اثنان من المسؤولين المشاركين في المفاوضات تفاصيل مستفيضة عن الجهد الذي أفضى إلى اتفاق سيتم بموجبه إطلاق سراح 50 رهينة مقابل 150 معتقلا فلسطينيا خلال فترة توقف مؤقت للقتال مدتها أربعة أيام.

وأوضح المسؤولان أنه بُعيد السابع من أكتوبر تشرين الأول، اتصلت قطر، التي تضطلع منذ فترة طويلة بجهود وساطة في المنطقة المضطربة، بالبيت الأبيض وبجعبتها معلومات حساسة تتعلق بالرهائن وإمكانية إطلاق سراحهم. وطلب القطريون تشكيل فريق مصغر أطلقوا عليه اسم “الخلية” للعمل على هذه القضية بصورة سرية مع الإسرائيليين.

وأعطى سوليفان توجيهات لماكجورك ومسؤول آخر في مجلس الأمن القومي هو جوش جيلتزر لتشكيل الفريق. وذكر المسؤولان أن ذلك تم دون إبلاغ الوكالات الأمريكية الأخرى ذات الصلة لأن قطر وإسرائيل طالبتا بالسرية التامة وأن يقتصر الاطلاع على الأمر على عدد قليل من الأشخاص.

وظل ماكجورك، وهو دبلوماسي محنك يتمتع بخبرة واسعة في الشرق الأوسط، يجري اتصالات صباح كل يوم مع رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وكان يبلغ سوليفان بالتفاصيل ويتم إطلاع بايدن يوميا على التطورات.

ووقف بايدن بشكل مباشر على المعاناة التي خلفتها عملية حماس عندما عقد اجتماعا مطولا مفعما بالمشاعر في 13 أكتوبر تشرين الأول مع عائلات أمريكيين إما محتجزين أو مجهولي المصير.

وبعد أيام، سافر بايدن إلى تل أبيب لإجراء محادثات مع نتنياهو في 18 أكتوبر تشرين الأول. وقال المسؤول إن تأمين إطلاق سراح الرهائن كان محورا أساسيا في مناقشاته مع نتنياهو وحكومة الطوارئ الإسرائيلية، إضافة إلى المساعدات الإنسانية.

وبعد خمسة أيام، في 23 أكتوبر تشرين الأول، ساعدت جهود فريق البيت الأبيض في إطلاق سراح الرهينتين الأمريكيتين ناتالي ويهوديت رعنان.

ومن على مقربة من مكتب سوليفان بالجناح الغربي، تابع ماكجورك وسوليفان وفاينر لحظة بلحظة الرحلة الصعبة التي قطعتها الرهينتان واستمرت عدة ساعات للخروج من غزة.

وقال المسؤولان إن عودة الأمريكيتين أكدت إمكانية تحرير الرهائن وأعطت الثقة لبايدن في أن قطر يمكنها إنجاز ذلك من خلال الفريق المصغر الذي تم تشكيله.

ومن هنا بدأت عملية مكثفة هدفها إخراج المزيد من الرهائن. وبدأ بيرنز يتحدث بشكل متكرر مع مدير الموساد دافيد برنياع.

وقال المسؤولان إن بايدن رأى فرصة للإفراج عن عدد كبير من الرهائن وإن التوصل إلى اتفاق بشأن المعتقلين هو السبيل الواقعي الوحيد لضمان وقف القتال.

وفي 24 أكتوبر تشرين الأول، وبينما كانت إسرائيل تستعد لشن هجوم بري على غزة، تلقى الجانب الأمريكي أنباء عن موافقة حماس على بنود اتفاق لإطلاق سراح النساء والأطفال، وهو ما يعني هدنة وتأخير الغزو البري.

وناقش مسؤولون أمريكيون مع إسرائيليين ما إذا كان ينبغي تأجيل الهجوم البري أم لا.

وقال الإسرائيليون إن البنود ليست محددة بما يكفي لتأخير الهجوم البري، إذ لا يوجد دليل على أن الرهائن على قيد الحياة. وقالت حماس إنها لا تستطيع تحديد من هم المحتجزين حتى بدء هدنة في القتال.

واعتبر الأمريكيون والإسرائيليون موقف حماس مخادعا. وقال المسؤول إن خطة الغزو الإسرائيلية خضعت للتعديل لدعم الهدنة إذا تم التوصل إلى اتفاق.

ودخل بايدن على مدى الأسابيع الثلاثة التالية في محادثات تفصيلية تناولت المقترحات حول احتمال تبادل الجانبين إطلاق سراح محتجزين. وطُلب من حماس قوائم بالرهائن الذين تحتجزهم ومعلومات عن هوياتهم وضمانات لإطلاق سراحهم.

وقال مسؤولون إن العملية كانت طويلة ومرهقة وكان الاتصال صعبا وكان لا بد من نقل الرسائل من الدوحة أو القاهرة إلى غزة والعكس.

وذكر المسؤولون أن بايدن أجرى مكالمة هاتفية لم يُكشف عنها من قبل مع رئيس الوزراء القطري عندما بدأت الأمور تتبلور.

وبموجب الاتفاق الذي كان في طور التشكل، تقرر إطلاق سراح النساء والأطفال الرهائن في مرحلة أولى، إلى جانب الإفراج عن سجناء فلسطينيين في المقابل.

وأصر الإسرائيليون على أن تطلق حماس سراح جميع النساء والأطفال في هذه المرحلة. ووافق الجانب الأمريكي، وطالب من خلال قطر بما يثبت أن النساء والأطفال الذين تحتجزهم حماس على قيد الحياة أو معلومات عن هوياتهم.

وقالت حماس إنها يمكن أن تطلق سراح 50 في المرحلة الأولى، لكنها رفضت تقديم قائمة بالمعايير. وفي التاسع من نوفمبر تشرين الثاني، التقى بيرنز في الدوحة مع أمير قطر وبرنياع لبحث نصوص الاتفاق الوليد.

وكانت العقبة الرئيسية في تلك المرحلة هي أن حماس لم تحدد بوضوح من تحتجزهم.

وبعد ثلاثة أيام، اتصل بايدن بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وطلب معرفة الأسماء أو معلومات واضحة عن هوية الرهائن الخمسين، منها عمر ونوع وجنسية كل منهم. وقال المسؤول إنه بدون هذه المعلومات، لم يكن هناك أساس للمضي قدما.

وبعد وقت قصير من مكالمة بايدن، قدمت حماس تفاصيل عن الرهائن الخمسين الذين قالت إنه سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من أي اتفاق.

وحث بايدن نتنياهو في مكالمة هاتفية يوم 14 نوفمبر تشرين الثاني على القبول بالاتفاق، ووافق نتنياهو.

والتقى ماكجورك بنتنياهو في نفس اليوم في إسرائيل. وقال أحد المسؤولين إن نتنياهو، بعد خروجه من الاجتماع، أمسك بذراع ماكجورك وقال “نحن بحاجة إلى هذا الاتفاق” وحث بايدن على التواصل مع أمير قطر فيما يتعلق بالشروط النهائية.

وتعثرت المحادثات مع انقطاع الاتصالات في غزة.

وعندما استؤنفت، كان بايدن في سان فرانسيسكو لحضور قمة لدول منطقة آسيا والمحيط الهادي. وقال المسؤولون إنه اتصل بأمير قطر وقال له إن هذه هي الفرصة الأخيرة، وتعهد الأمير بممارسة الضغط لإبرام الاتفاق.

وقال أحد المسؤولين “أصر الرئيس على ضرورة إتمام الاتفاق الآن. فقد انقضى الوقت”.

وفي 18 نوفمبر تشرين الثاني، التقى ماكجورك في الدوحة برئيس الوزراء القطري. وجرى الاتصال ببيرنز بعد أن تحدث مع الموساد. وتناول الاجتماع آخر ما تبقى من ثغرات من أجل التوصل إلى اتفاق.

وكان الاتفاق حتى هذه اللحظة على إطلاق سراح النساء والأطفال في المرحلة الأولى، لكن مع توقعات بإطلاق سراح آخرين في المستقبل وإعادة جميع الرهائن إلى عائلاتهم.

والتقى ماكجورك بالقاهرة في صباح اليوم التالي مع رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل. ونقلت تقارير عن قادة حماس في غزة أنهم قبلوا تقريبا جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في اليوم السابق بالدوحة.

وقال المسؤولون إنه لم تتبق سوى قضية واحدة مرتبطة بعدد الرهائن الذين سيتم إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى والشكل النهائي للاتفاق.

وأعقبت ذلك موجة من الاتصالات الأخرى، وتم التوصل إلى الاتفاق في النهاية.

المصدر: رأي اليوم