2024-11-25 04:33 م

تجمع أطباء فلسطين في أوروبا مستعد للتدخل في غزة

فرض الواقع المأساوي للقطاع الصحي في غزة نفسه على الفلسطينيين داخل وخارج وطنهم، في وقت يبدو جلياً أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي القطاعات الأكثر أهمية للشعب الفلسطيني يندرج ضمن الخطط التي وضعها لحربه الشرسة وغير الإنسانية التي تتجاهل كل تحذيرات المؤسسات الدولية المستندة إلى القوانين الدولية التي يفترض أن تراعي وتأخذ في الاعتبار أوضاع المدنيين وظروفهم في مناطق الصراعات والنزاعات. ويتعمّد الاحتلال قصف المستشفيات بالقذائف والصواريخ والقنابل، وارتكاب مذابح فيها وفي محيطها، كما حصل في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من خلال قصف المستشفى المعمداني، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخص.
وفيما أخرجت العمليات العسكرية للاحتلال، خلال الشهر الأول من العدوان فقط، 16 مستشفى و32 مركزاً صحياً عن الخدمة، ودمّرت سيارات إسعاف، وقتلت أكثر من 160 من عاملي الكوادر الصحية من أطباء وممرضين ومسعفين، وقطعت الاتصالات وتسببت في نفاد الوقود، أطلق تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا (بالميد)، على هامش ورشة نظمها، نداءً عاجلاً بعنوان "أنقذوا إنسانيتكم ومستشفيات غزة من الكارثة قبل فوات الأوان".
ويتحدث طبيب الطوارئ والإنعاش في مستشفى "جنوب فرانسيليان" بالعاصمة الفرنسية باريس، طارق شكشك، الذي يتحدر من خانيونس بقطاع غزة، لـ"العربي الجديد" عن أن خطوة "بالميد" ومسؤولين وأعضاء آخرين في الجسم الطبي في أوروبا "هدفت إلى دعم ومساندة الأطباء الفلسطينيين على الأرض لمواجهة مصاعب العمل تحت التهديد والقصف والتعامل مع الشحّ في الموارد. من هنا أقيمت ورشة عمل وندوة بالتعاون مع البروفيسور بيتي رافائيل، الطبيب المتخصص في كيفية التعامل مع الإصابات في وقت الحروب، ومع الحالات الصعبة في ظل أوضاع عمل معقدة وخطرة تفرضها الإمكانات الشحيحة".

في الانتظار
ويشير عضو الهيئة الإغاثية في تجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، الدكتور محمد سالم، في حديثه لـ"لعربي الجديد"، إلى أن "التجمّع وفرّ 15 طبيباً في فرنسا لدعم القطاع الصحي في غزة في شكل عاجل، وقدّم إلى الجانبين الإسرائيلي والمصري قائمة بأسماء هؤلاء الأطباء المتطوعين لتقديم العون للقطاع الصحي في غزة. وهؤلاء لا يزالون ينتظرون الحصول على الموافقات المطلوبة من الجانبين الإسرائيلي والمصري للانتقال فوراً إلى القطاع، بعدما أكملوا استعدادات التزوّد بالمعدات اللازمة في وقت الحرب".
ويُخبر أيضاً أن "منظمة الصحة العالمية دربت بالتعاون مع بالميد، في السنوات السابقة، مئات من الأطباء الفلسطينيين من غزة والضفة ولبنان للعمل في ظروف النزاعات والحروب، علماً أن الوضع المأساوي الحالي في غزة يتطلب الكثير من الدعم والمساندة، خصوصاً أنها تعاني إلى جانب الحرب الحالي من التأثيرات السلبية لفرض حصار طويل جداً عليها".
ويؤكد الدكتور رفائيل أن "الأطباء الفلسطينيين في أوروبا لا تنقصهم الإرادة لتنفيذ واجب مساعدة زملائهم وشعبهم، إذ نجحوا بسرعة في تأمين جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي لإدخاله إلى القطاع المحاصر، إلى جانب مواد طبية ضرورية لإجراء العمليات الجراحية في زمن الحروب التي تتطلب تكثيف الجهود، وتوفير كل ما يلزم لمساعدة الناس والجرحى على الشفاء، خصوصاً الأطفال".
ويشرح المسؤول العلمي في "بالميد" الدكتور نزار بدران، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الورشة ركزت على التعامل مع الحالات الصعبة في الحرب، والعمل وسط ظروف بالغة الصعوبة مماثلة للأوضاع الاستثنائية في غزة".

ويشدد على أن "وفد الأطباء الذي من المقرر أن يغادر فرنسا سيترأسه البروفيسور رافائيل. وإذا تعذّر الحصول على موافقة الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن ننشئ نقطة طبية في منطقة رفح على الحدود بالتنسيق مع السلطات المصرية".
يُضيف: "صحيح أن 15 طبيباً تسجلوا في الدفعة الأولى، لكن قائمة المتطوعين في بالميد لبدء رفد القطاع الصحي بغزة بالمساعدات الطبية والجراحية المباشرة تضم 100 طبيب من السويد والنرويج وألمانيا وبريطانيا وفرنسا".
ويختم الدكتور بدران بالقول إن "بالميد نشرت إعلاناً لطلب متطوعين من الأطباء من ذوي الخبرة لتنسيق خدمات التطبيب عن بعد مع أطباء في غزة، وإدارة الحالات السريرية المعقدة، ومنها جراحة الأوعية الدموية والعظام والدماغ والمخ والأعصاب، إلى جانب الحالات الخاصة بالحروق وطب الأطفال والتوليد وعلم الأورام، الأشعة، جراحة الدماغ والمخ والأعصاب. ولا يزال باب التطوع مفتوحاً باعتبار أن المشروع متوسط إلى طويل الأجل في غزة وفلسطين عموماً".

تكذيب المزاعم الإسرائيلية
وينشط تجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، منذ تأسيسه عام 2008، بفعّالية لمحاولة رفد القطاع الصحي في فلسطين بالخبرات والمتطوعين. ويعتبر القائمون على التجمّع أن أنشطتهم تهدف إلى تعزيز صمود المؤسسات الصحية الفلسطينية، ودعم رسالتها الإنسانية والعلمية.

ويشيد التجمّع بالطبيب النرويجي كمادتس غيلبرت الذي ينتظر عند معبر رفح للدخول مجدداً إلى قطاع غزة، خصوصاً أنه يعرف منذ سنوات تفاصيل العمل في مستشفى الشفاء الذي يرفض الأطباء الفلسطينيون في أوروبا الروايات الإسرائيلية عن استخدامه كمقر عسكري، علماً أن غيلبرت صوّر بنفسه كل أقسام مستشفى الشفاء لدحض المزاعم الإسرائيلية الزائفة".
وأخيراً وصفت منظمة الصحة العالمية بعدما تفقد وفد تابع لها مستشفى الشفاء بأنه "منطقة موت" بعدما غادره نحو 2500 من النازحين والمرضى والموظفين. وذكرت أن المزيد من الفرق ستحاول الوصول إلى مستشفى الشفاء في الأيام المقبلة، في مسعى لإجلاء المرضى إلى جنوبي غزة، حيث تكتظ المستشفيات هناك أيضاً.
ويعتبر تجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا أن تعاونه مع أطباء أوروبيين يدحض كل المزاعم التي يقدمها الاحتلال عن القطاع الصحي في قطاع غزة، ويرون أن "العمليات العسكرية تستهدف أسس الحياة في القطاع، وتهجير الشعب الفلسطيني بعدما تحوّلت كثير من المستشفيات إلى مراكز لإيواء عشرات آلاف النازحين والمهجرين الهاربين من القصف".
ويواصل التجمّع تأمين مستلزمات طبية كبيرة، ورفد القطاعات الصحية في غزة بخبرات، والمساهمة بأي طريقة ممكنة في إجراء العمليات الجراحية داخل فلسطين، خصوصاً لجرحى الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.

أيضاً جمع تجمّع أطباء فلسطين في أوروبا، بالتعاون مع جمعيات عربية وفرنسية محلية، تبرعات طبية ومادية. وقد وصلت بعضها إلى شمالي قطاع غزة خصوصاَ التبرعات المالية والغذائية.
ويقول الدكتور أشرف جنيدي لـ"العربي الجديد" إنه جرى "شراء سيارتي إسعاف في انتظار الحصول على إذن دخول من السلطات المصرية"، مشيراً إلى أن "الوضع مختلف هذه المرة بالنسبة إلى عمل الأطباء من خارج قطاع غزة. وإذا فتح معبر رفح يمكن مثلاً مضاعفة أعداد سيارات الإسعاف والمواد الطبية".

إلى المحكمة الدولية
وعلى صعيد منفصل قدم تجمّع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا، بالتعاون مع محامين دوليين، شكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد الجرائم التي يرتكبها الاحتلال عبر قصف المستشفيات وقتل الأطباء الفلسطينيين في قطاع غزة، واستهداف الكوادر وسيارات الإسعاف، وتعمّد حصار المستشفيات وترهيب القطاع الصحي، وحرمان المرضى من حقوقهم الأساسية في تلقي العلاج. ويؤكد التجمّع أن هذه الممارسات تندرج في خانة جرائم الحرب التي يجب أن تنظر المحكمة الجنائية الدولية فيها.
ويقول شكشك لدى سؤاله عن شعوره كطبيب يراقب تدهور القطاع الصحي في غزة: "أشعر بالخيانة. كنت في صدد العودة إلى غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحجزت طائرة مع زوجتي وطفلي، وسبق أن عدت إلى خانيونس عام 2013، وبقيت سبعة أشهر، لكن اليوم يساورني شعور مختلف ممزوج بالحسرة والقهر، إذ يجب أن أكون بين أهلي، وأساهم في إنقاذ حياتهم. وحالياً لا أتلذذ بشيء في باريس، وأنام وأصحو وأنا مصاب بدهشة الخذلان الإنساني والأخلاقي".