بقلم: ناصر قنديل
رغم كل الضجيج الهادف لإحراج محور المقاومة بالسؤال عن دوره في حرب غزة، فقد مضى المحور بخطواته، كما رسمها لربط أمن غزة والحرب عليها، بالأمن الإقليميّ ثم بالأمن الدوليّ، وفيما كانت مشاركة حزب الله عبر جبهة لبنان على صلة مباشرة بتوازنات الحرب وآليات التحكم بمساراتها، وفتح الطريق واحتمالاتها المفتوحة، فإن ما فعلته المقاومة العراقيّة كان ربط حرب غزة بالأمن الإقليمي، عبر فتح ملف القواعد الأميركية في سورية والعراق من بوابة الردّ على الدعم الأميركي لكيان الاحتلال، ورسم معادلة وقف العمليّات رهناً بوقف العدوان، لكن الأميركي الذي يُدير الحرب على غزة يتلقى الرسالة ومضمونها أن التفاوض على صيغة وقف الحرب على غزة بات مرتبطاً بالتفاوض على مستقبل الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق.
قام أنصار الله منذ الأيام الأولى للحرب على غزة بإعلان موقف الانخراط في الحرب، وترجمته بعد مظاهرات شعبية حاشدة بإطلاق طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية نحو أهداف إسرائيلية كان الأميركيّون مَن كشف عنها، بالإشارة إلى اعتراضها من المدمّرات الأميركية، ما جعل الأميركي شريكاً في معادلة اليمن و»إسرائيل»، ثم قامت واشنطن باستنفار حلفائها العرب، خصوصاً مصر والسعودية للقيام بمهمة اعتراض الصواريخ والمسيّرات اليمنية، فجعلهم شركاء في معادلة اليمن و»إسرائيل»، وهكذا تبلور المشهد، أن معادلة اليمن و»إسرائيل» صارت جزءاً من الأمن الدولي والإقليمي وأمن الطاقة. فاليمن بسبب التعقيدات التي تعترض صواريخه مجبَّر على رفع المعادلة إلى مرتبة أعلى، وهو لا يبادر لتصعيد بوجه السعودية بربط ممرات النفط بالحرب على غزة، وقد بادرت السعودية لاعتراض الصواريخ اليمنيّة، وهو لا يبادر إلى التصعيد بوجه مصر بربط نشاط قناة السويس بالحرب على غزة، وقد بادرت مصر لاعتراض الصواريخ اليمنية.
ذهب اليمن إلى احتجاز باخرة «إسرائيلية» في باب المندب بعدما أعلن السيد عبد الملك الحوثي العزم على فعل ذلك، والعملية التي تمّ تنفيذها باقتدار وحرفيّة، تعني أن مصير الممرّ المائي الأشدّ أهميّة في المنطقة، أصبح مرتبطاً بقوة بمصير الحرب على غزة. فالقضيّة ليست قضية سفينة إسرائيلية، بل قضيّة الإشارة الى إقفال الممرّ المائيّ الأهم أمام الملاحة الدولية وأمن الطاقة. فمن باب المندب تعبر كل تجارة الصين والهند إلى البحر المتوسط، وخصوصاً إلى أوروبا، ومن باب المندب يعبر النفط والغاز العربيان الى أوروبا بعد توقف موارد الطاقة الروسية. وما جرى بالباخرة الإسرائيلية كافٍ لدب الذعر في الأسواق التجارية، وفي شركات التأمين، وفتح الباب لتوقعات قاتمة حول فرص المرور عبر هذا الممر الحساس، ما لم يتمّ التوصل للتفاهم مع أنصار الله، وشرط التفاهم الوحيد وقف العدوان على غزة.
الإسرائيلي أعجز من أن يتولى معالجة الملف المستجدّ، فتلك مهمة الأميركي. والأميركي لا يريد التورط في المزيد من الحروب الفاشلة، فماذا سيفعل بالردع الذي قال إنه جاء به إلى المنطقة لمنع توسيع نطاق الحرب. وها هي تتوسّع فيسقط الردع حكماً، والأميركي يواجه وضعاً لا يُحسَد عليه، من انقسام حادّ داخلياً ينتج غالبية مؤيّدة للحق الفلسطيني، فلا يبقى أمام الأميركي إلا…
المصدر: جريدة البناء