تدخل الحرب على غزة يومها الثلاثين وسط تكثيف للقصف الوحشي الذي تشنه قوات الاحتلال ضد المدنيين في القطاع، والذي أسفر حتى صباح اليوم 5/11/2023 عن استشهاد نحو 10000 شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين.
ونجحت المقاومة الفلسطينية حتى الآن، في التصدي بشراسة لمحاولة التوغل البري الإسرائيلي داخل القطاع، مكبدة المحتل خسائر في الأرواح والعتاد، حيث تمكنت من قتل 345 جنديًا إسرائيليًا، وأصابت مئات آخرين.
ويكرر مسؤولو جيش الاحتلال أن الحرب صعبة أمام مقاومة شرسة تمتلك قدرات تسليحية جيدة وتكتيكات قتالية غير مسبوقة، أجهضت كافة القدرات والإمكانيات التسليحية والتكنولوجية المتطورة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي، ليبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن للمقاومة الصمود والبقاء في ساحة المواجهة خاصة بعد تصريح وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت بأن الحرب قد تستغرق عامًا كاملًا إن لم يحقق الكيان أهدافه كاملة؟
إمكانيات المقاومة التسليحية
لاشك أن المقاومة حين خططت لشن عملية بحجم طوفان الأقصى، كانت على دراية كاملة بمقتضياتها ومتطلباتها وأبعادها، وربما تداعياتها، وهو ما يتضح بشكل كبير عبر تصريحات قادمة حماس، الذين أكدوا أن الطوفان لم تكن عملية مفاجئة ولا رد فعل ولا اعتباطية، ومن ثم وضعت لها الخطط وجٌهز لها بشكل كامل على مدار عامين.
ومنطقيًا وضعت المقاومة في اعتبارها أثناء قيامها بالعملية أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تتمكن من تزويد ترسانتها التسليحية، في ضوء الحصار المتوقع وتضييق الخناق المحكم من الاحتلال والجيران في آن واحد، وبالتالي أعدت العدة لأن تمتلك ما يكفيها من الأسلحة لإكمال الحرب.
المدة الزمنية للحرب واحتمالية إطالة أمدها كان أحد المحاور الأساسية التي وضعتها المقاومة في الاعتبار وهو ما أكد عليه رئيس حماس في قطاع غزة يحيى السنوار حين أوضح ان الحركة مستعدة لمعركة طويلة وإلى سقف زمني قد يمتد إلى 6 أشهر على الأقل وفق ما نقلت عنه أوساط مقربة.
ليست هناك تقديرات دقيقة ولا تفصيلية عن القدرة التسليحية لحماس وبقية فصائل المقاومة، إلا أن السنوار أكد على وجود مخزون استراتيجي من الذخائر والأسلحة والصواريخ القادرة على إصابة أهداف في العمق الإسرائيلي يكفيها لعدة أشهر، فيما كشفت مصادر مقربة من الحركة أن ما استنزف حتى الآن بعد مرور شهر كامل من الحرب لا يتجاوز 10% فقط من إمكانيات المقاومة التسليحية، ما يعني أنها قادرة على الصمود لعشرة أشهر كاملة دون تزويدها بأي عتاد تسليحي.
5 أسباب لبقاء المقاومة
الأداء العام للمقاومة حتى اليوم، من حيث الكم (عدد الرشقات والصواريخ والأسلحة المستخدمة) ومن حيث الكيف ( تحديد الأهداف بدقة والتحرك وفق خطة ممنهجة) يشير إلى دراستها للمعركة بشكل جيد وقدرتها على الاستمرار لأطول فترة ممكنة.
هذا الأداء أثار الكثير من التساؤلات حول قدرتها على المضي قدمًا في هذا المسار لفترات طويلة، خاصة بعدما أغلق الباب نهائيًا أمام أي محاولات للتزود بالأسلحة، ناهيك عن مخطط تجفيف المنابع الذي تمارسه قوات الاحتلال لاستنفاذ المخزون التسليحي.
المحلل الإسرائيلي المتخصص في شئون الطيران، نيتسان سادان، يرى أن حماس قادرة على الاستمرار في قصف الداخل الإسرائيلي بالصواريخ والبقاء في المعركة لفترات طويلة رغم ضراوة القصف الموجه ضد القطاع، مرجعًا ذلك في تحليل نشره بموقع “واي نت” العبري ونقلته وكالة “الأناضول” إلى 5 أسباب رئيسية.
قال المحلل الإسرائيلي نيتسان سادان، المتخصص بشؤون الطيران، في تحليل بموقع واي نت الإخباري الإسرائيلي، إن هناك 5 أسباب تجعل حركة حماس قادرة على الاستمرار بإطلاق الصواريخ من غزة، رغم ضراوة القصف الإسرائيلي.
وكتب سادان في تحليل بموقع “واي نت” الإخباري الإسرائيلي، السبت: “هناك خمسة أسباب تجعل الأعداء قادرين على مواصلة إطلاق الصواريخ كل يوم وكل ليلة، على الرغم من تساقط القنابل على قطاع غزة”.
أولا: الموقع.. تنتشر صواريخ حماس على مساحات شاسعة في القطاع، وبالتالي يصعب تتبعها وتطويقها بشكل كامل، إذ يتطلب ذلك جهدًا لا تتحمله دولة الاحتلال في الوقت الراهن، خاصة بعد الفشل رغم مرور شهر كامل من التوصل لمداخل ومخارج شبكة الأنفاق التي تستخدمها الحركة في إطلاق الصواريخ وحركة مقاتليها.
ثانيًا: نظام التحكم في الصواريخ.. فهذا النظام يعمل بشكل مستقل عن أنظمة القيادة والسيطرة، وبالتالي من الصعب الهيمنة عليه إذا ما نجح الاحتلال في السيطرة على قيادة العمليات في المقاومة، فالمقاتلين يحتاجون فقط إلى أمر وجهاز التحكم عن بُعد الخاص بقاذفة الصواريخ، وبالتالي إطلاق النار بسهولة، بجانب أن الصواريخ لا تحتاج إلى تحديد جهة التصويب، فهي معدة بشكل مسبق على اتجاهات بعينها، وبالتالي حتى إذا تم تصفية كبار القادة فإن المقاتلين العاديين في الحركة بإمكانهم إطلاق النار في أي وقت
ثالثا: سياسة إدارة النار.. إذ تنتهج حماس سياسة محددة في إطلاق النار، تراعي فيها عنصر الوقت والزمن واحتمالية إطالة أمد الحرب، فهي لا تطلق صاروخًا عشوائيًا، ولا تستهلك رصاصة دون هدف محدد، حفاظًا على ترسانتها التسليحية، إيمانا منها أنها حين قامت بعملية الطوفان ستدخل في حرب طويلة الأمد مع جيش الاحتلال ولن تحصل على أي تعزيزات، وعليه تستخدم أسلحتها بحكمة حتى نهاية المعركة.
رابعا: العلاقات العامة.. تسير حماس عبر جهازها الإعلامي بشكل مدروس وبعناية، حيث تصدر صورة للعالم بأنها قادرة على التصدي والمواجهة والاستمرار، ولديها القدرة الكاملة على الحفاظ على فكرة “المقاومة السنية المسلحة” وهو ما يعطيها زخمًا ويجبر الجميع على أن يقيمها بمنظور مختلف يضع ألف اعتبار قبل التهور أو التوغل بشكل عشوائي.
خامسا: استنزاف الجيش الإسرائيلي.. تلعب حماس وفصائل المقاومة على وتر استنزاف قدرات وإمكانيات جيش الاحتلال، حيث التورط في العملية البرية التي تحتاج إلى إمكانيات كبيرة، ورغم الدعم المقدم من التحالف الغربي إلا أن كلفة الحرب باهظة للغاية، وهو ما تحاول المقاومة تعزيزه من خلال تحركاتها الممنهجة ونشاطها المتنوع الذي يجهد جيش الاحتلال ويدفعه جبرًا نحو زيادة الفاتورة مهما كان حجمها.
هل يصمد الكيان المحتل؟
لم تكن حماس والمقاومة وحدها المتأثرة باحتمالية إطالة أمد الحرب، فجيش الاحتلال هو الآخر لا يقل تأثرًا، لاسيما بعدما تجرع خسائر لم يشهدها منذ عام 1948، حيث سقوط أكثر من 1600 قتيل، من بينهم 345 جندي وضابط، فضلًا عن آلاف الجرحى وعشرات الأسرى، بجانب تدمير المئات من العربات والمدرعات والدبابات المتطورة، علاوة على الحرب النفسية التي يتعرض لها سكان الأراضي المحتلة في الداخل الإسرائيلي، ما دفع أكثر من نصف مليون منهم لسكن الخيام وترك منازلهم هربًا بحياتهم من صواريخ المقاومة.
وبعيدًا عن تصريحات غالانت بشأن استعداد جيشه الاستمرار في الحرب لعام كامل، وهي التصريحات التي يستهدف بها إحباط نفسية المقاومة ومغازلة الرأي العام الإسرائيلي ومحاولة طمأنته بعد الخسائر التي أوقعتها المقاومة في صفوف مقاتليه، فالكيان لا يتحمل بأي حال من الأحوال مواصلة حرب مطولة بنفس الأداء والكفاءة.
رهان تل أبيب على الدعم الغربي على طول الخط والحصول على شيك على بياض من عواصم أوروبا والولايات المتحدة، رهان وإن كان ملائم حاليًا لكن مع مرور الوقت سيتضاءل، وهو ما بدا يلوح في الأفق من خلال نبرة التغير النسبي في خطابات فرنسا وألمانيا وربما بريطانيا إلى حد ما، ولم يبقى إلا الموقف الأمريكي على موقفه المتشدد الذي ما إن لان حتى عاد وتشدد، ولذلك أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية واعتبارات انتخابية يضعها بايدن في حساباته.
الضغط الشعبي الذي يمارسه الرأي العام العالمي في معظم دول العالم من خلال التظاهرات التي لا تتوقف، حتى أمام منزل رئيس حكومة الاحتلال، قد لا تتحمله باريس وبرلين ولندن، رغم مواقفهما الرسمية الداعمة للكيان المحتل، ومع مرور الوقت يتوقع إنفراجة ومرونة بنسب متفاوتة بشأن المواقف الرسمية إزاء الجرائم الوحشية التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة والتي وضعت العالم في مأزق صعب وأحرجت الجميع في اختبار الإنسانية والمبادئ الصعب.
من هنا، فإن عامل الوقت والصمود لأطول فترة ممكنة قد يكون التحدي الأكبر أمام المقاومة الفلسطينية، خاصة بعدما نفض الجميع يديه من دعمها عسكريًا وسياسيًا، لكن الأداء العام طيلة شهر كامل من المواجهات يشير إلى أن الخطوات مدروسة وأن السيناريو لم يكن مفاجئًا لقادة المقاومة التي تسير بتحركات دقيقة تحقق بها نجاحات ملموسة على أرض الميدان، ما أثار استفزاز المحتل الذي لم يجد أمامه سوى استهداف المدنيين والأطفال والنساء في المشافي والمدارس وداخل سيارات الإسعاف لتحقيق أي انتصار زائف يداري به فشله في مواجهة مقاتلي المقاومة.
نون بوست