2024-11-24 11:29 م

بوليفيا: الأقرب لفلسطين من الدول العربية

تبعد لاباز، عاصمة بوليفيا، عن غزة الفلسطينية، 12119 كيلومترا، ولكن حكومة تلك البلاد الواقعة في أقصى غرب قارة أمريكا اللاتينية، كانت الدولة الأولى التي تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
لم تكن بوليفيا، على أي حال، الدولة الوحيدة في قارة أمريكا الجنوبية التي تعبّر عن التضامن مع الفلسطينيين، وتدين الإجرام الإسرائيلي وتعلن تناقضها الواضح مع موقف الدول الغربية، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على وجه الخصوص، فقد قامت حكومات كولومبيا وتشيلي وفنزويلا باستدعاء سفرائها لدى دولة الاحتلال «للتشاور» وهي خطوة أقل حدة من قطع العلاقات الدبلوماسية وإن كانت تعبيراً قوياً عن الاحتجاج، ودليلاً على التوتر الحاد في العلاقات مع إسرائيل، كما طالبت دول أخرى في القارة، كالمكسيك والبرازيل، بوقف إطلاق النار.
يظهر هذا الاتجاه المناهض لإسرائيل ولمواقف أمريكا والدول الغربية بشكل واضح في تصريحات زعماء دول أمريكا اللاتينية، بدءا من الرئيس البوليفي، لويس آرسي، الذي قال إن بلاده ترفض «جرائم الحرب التي ترتكب في غزة» فيما وصف الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، نتائج هجمات دولة الاحتلال بأنها «مذبحة للشعب الفلسطيني» أما الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، فرأى أن «ما يحدث الآن هو جنون من رئيس وزراء إسرائيل الذي يريد محو قطاع غزة» وأن تنفيذ «حماس» هجوما ضد إسرائيل لا يعطيها الحق بـ«قتل ملايين الأبرياء».
يتجاوز الأمر في بلدان أمريكا اللاتينية المواقف الرسمية، فهذه المواقف تعبّر، بالأحرى، عن رأي عام شعبي مؤيد للفلسطينيين، وكان لافتا أن تعلن دول القارة، في اليوم نفسه الذي شنّت فيه فصائل المقاومة الفلسطينية عمليتها العسكرية في غلاف غزة، تشكيل لجنة تحضيرية لمناهضة الأبارتهايد الإسرائيلي على مستوى دول القارة، والتي ضمت أحزابا ونوابا في برلمانات معظم دول القارة، بينها المكسيك، والبرازيل، وتشيلي، وهندوراس، وكوبا، والأرجنتين، والأورغواي، وبيرو، وجمهورية الدومينيكان.
ورغم قوة بعض الجاليات العربية والفلسطينية، الكبيرة نسبيا، في بعض تلك البلدان، وارتباط المسألة الفلسطينية بتاريخ معقّد من النفوذ الأمريكي في القارة. أحد الأمثلة التاريخية اللافتة عن هذا كان موقف هايتي التي صوّتت ضد قرار التقسيم عام 1948، ثم عاد مندوبها للتصويت لصالحه والدموع في عينيه قائلا إنه يفعل ذلك «بتعليمات مباشرة من حكومته التي أمرته بالتصويت» بسبب الضغوط الاقتصادية الأمريكية الهائلة، كما وجدت إسرائيل تأييدا ضمن أغلب دول القارة خلال حرب 1967.
بدأ التغيّر في مواقف شعوب ودول أمريكا اللاتينية مع تصاعد العمل الفدائي في سبعينيات القرن الماضي، وحصل تحالف طبيعي بين الثورة الفلسطينية والحركات اليسارية المعادية لإسرائيل وأمريكا، كما مثّلت حرب 1973 نقطة تحوّل رئيسية في دول أمريكا اللاتينية، مع تزايد الوعي بعدالة القضية الفلسطينية، ونشاط الأقليات العربية، وازدياد المصالح الاقتصادية مع الدول العربية، وتصاعد نضال شعوب القارة ضد الهيمنة الأمريكية، وفشل السياسات الخارجية لواشنطن في بعض دول تلك القارة.
كانت بوليفيا واحدة من دول عديدة في أمريكا اللاتينية تسيطر عليها حكومات عسكرية توجهها المخابرات الأمريكية، كما هو حال كوستاريكا والدومينيكان والسلفادور وغواتيمالا وهوندوراس، وكانت، خلال تلك الحقبة، بالضرورة، من أشد الدول تأييدا لإسرائيل.
ما يقوله المثال البوليفي، عمليا، هو أن إنهاء النخب السياسية للتسلط العسكري المحلي والمخابراتي الأجنبي على مقدراتها، ينعكس إيجابا على استقلال قرارها السياسي والاقتصادي، ورؤيتها الإنسانية لقضايا الشعوب الأخرى.
… وهو ما يدفع، بقوة، للمقارنة بين أحوال البلدان العربية التي ينتمي الفلسطينيون إليها، وتلك الدول الأمريكية اللاتينية، وعلى المقارنة أن تتوجه إلى نظم الدول العربية التي تتناقض بشدة مع مصالح شعوبها، وهو ما يجعل بوليفيا، حسب قرارها الأخير، أقرب إلى الفلسطينيين من حكومات العرب.

(القدس العربي)