اتساع رقعة وبشاعة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، يثبت أن المسألة تعدت الانتقام من هجوم المقاومة يوم السابع من أكتوبر الجارى، إلى محاولة إنهاء القضية الفلسطينية من جذورها، ورمى كرة اللهب فى حجر دول الجوار، وتحديدا مصر والأردن.
فمنذ أسبوعين، حولت غارات جيش الاحتلال المتواصلة على مدار الساعة، قطاع غزة إلى مدينة أنقاض، حيث دمر العدوان أحياء كاملة على رؤوس ساكنيها، وأصبحت شوارع القطاع حمامات دم لا تجف، وأضحى أطفاله الأبرياء «بنك أهداف» لآلة الدمار الصهيونية، ومدارسه ومستشفياته تحولت إلى مقابر جماعية للمئات من الفلسطينيين، الذين تصوروا أنها ملاذ آمن لا يمكن أن تتطاله قنابل وقذائف الكراهية والحقد الإسرائيلية.
هذا العدوان غير المسبوق فى تاريخ المواجهات بين الاحتلال وغزة، فضلا عن الحصار الشامل الذى فرضه الاحتلال على غزة، ومنعه الماء والدواء والغذاء والوقود عن الفلسطينيين، حظى بدعم ومباركة وضوء أخضر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، تحت زعم الدفاع عن النفس، بل إن رئيسها لم يخجل من ترديد الروايات الكاذبة لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى، ما سهل للأخير التوغل أكثر فى الدم الفلسطينى.
لم تكتف واشنطن بالدعم الدبلوماسى والسياسى للمجازر الإسرائيلية، عبر إفشال أى قرار فى مجلس الأمن يدين العدوان على غزة، بل أظهرت نفسها كشريك أساسى فى تنفيذ هذه الجرائم ضد المدنيين والأبرياء فى القطاع، حيث زودت جيش الاحتلال بالمعدات والتجهيزات العسكرية المتطورة، وقدمت له عشرات المليارات من الدولارات، وأرسلت بوارجها الحربية قرابة سواحله حماية ودعما ومساندة له حال توسع رقعة الصراع.
هذا الدعم الأمريكى لا يستهدف فقط، مساعدة جيش الاحتلال على استعادة كرامته التى أهينت يوم السابع من أكتوبر على يد المقاومين الفلسطينيين، ولكن تصفية القضية الفلسطينية تماما، عبر تدمير قطاع غزة وتهجير سكانه إلى مصر، وهو ما أكده مسئولون ومحللون إسرائيليون وأمريكيون، تحدثوا صراحة عن هذا السيناريو، ومنهم جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق، الذى قال لقناة «سكاى نيوز عربية» إنه «يجب إعادة الحكم فى غزة إلى مصر كما كان فى السابق، وكذلك بعض الأراضى الأخرى إلى الأردن.. فحماس ستدمر من قبل إسرائيل وحينها ستتدخل القيادة الفلسطينية لإدارة غزة وتعمل مع الحكومة المصرية لإيجاد طريقة لإدماج سكان غزة فى الاقتصاد المصرى».
يعتقد من يقف وراء مقترح تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، أن ممارسة المزيد من الضغوط على القاهرة، وإغراءها ببعض المزايا الاقتصادية، مثل «تصفير ديونها» وزيادة الاستثمارات الأجنبية، يمكن أن يدفعها للقبول به، لكنهم غير مدركين لحجم الرفض الرسمى والشعبى للتفريط فى شبر واحد من الأرض المصرية مهما كانت الظروف والإغراءات.
السؤال الآن.. كيف يمكن لمصر التصدى لمخطط تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة إلى سيناء؟ الوقوف فى وجه هذا المخطط الكبير، يعتمد أولا وأخيرا على تماسك الجبهة الداخلية، وتنحية أى خلافات وتجاذبات سياسية لمواجهة الخطر المحدق، وهو ما ظهر جليا خلال الأيام الماضية التى خرج فيها المصريون بجميع مشاربهم، سواء كانوا طلاب جامعات أو نقابيين أو مواطنين عاديين إلى الشوراع، للتعبير عن رفضهم للمجازر التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى ضد الفلسطينيين فى غزة، ومساندتهم ودعمهم لهم من أجل التمسك والبقاء على أرضهم، وكذلك لتأييد القيادة السياسية المصرية فى الخطوات التى يمكن أن تتخذها، للحفاظ على أمن مصر القومى وحماية أرضها وحدودها، حتى لو وصل الأمر إلى حد استخدام القوة العسكرية.
كذلك يجب العمل على إدخال المساعدات الإنسانية بكثرة إلى القطاع المحاصر، من أجل تمكين المواطنين الفلسطينيين من الصمود فى وجه آلة الحرب الإسرائيلية، والتغلب على الأوضاع الكارثية التى فرضها الاحتلال عليهم، وسط هذا التجاهل والتواطؤ الدولى المشبوه والمفضوح.
أيضا ضرورة العمل على بناء جبهة عربية وإقليمية ودولية للوقوف فى وجه هذا المخطط الذى يستهدف تغيير خرائط المنطقة، وجرها إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهو ما يمكن أن يتحقق خلال قمة القاهرة الدولية للسلام، التى ستعقد اليوم فى العاصمة الإدارية، بمشاركة دولية واسعة وسط تأكيد حضور زعماء كل من قطر وتركيا واليونان وفلسطين والإمارات والبحرين والكويت والسعودية والعراق وإيطاليا وقبرص إضافة إلى سكرتير عام الأمم المتحدة.
أخيرا، ينبغى على الدولة المصرية توجيه رسائل أكثر وضوحا للأطراف الدولية والإقليمية الداعمة لفكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مفادها أنها لن تقبل تحت أى ظرف بتصفية القضية الفلسطينية على حساب سيادتها وأرضها، وأنها لن تسمح لإسرائيل بإلقاء كرة اللهب فى حجرها، وأن مصر لديها من الإرادة والعزيمة والأوراق التى يمكن أن تغير قواعد اللعبة فى المنطقة.
خالد سيد أحمد, الشروق نيوز
آراء ومقالات
-
محمد لافي
2024-11-18حظر "الأونروا" والخطة الإسرائيلية لليوم التالي للحرب
-
بثينة شعبان
2024-11-18استكمال المــهــمــة!!!
-
نبيه البرجي
2024-11-16سقط وفي قلبه صورة نصرالله
-
د. خيام الزعبي
2024-11-15الأسد.. رسالة دعم لفلسطين ولبنان في وجه العدوان
-
حسن نافعة
2024-11-15هل تتحول القمم العربية والإسلامية إلى سرادقات للعزاء؟
-
عريب الرنتاوي
2024-11-15حماس والدوحة... هدأةٌ مؤقتةٌ للزوبعة قبل ثورانها من جديد
-
ابراهيم ابراش
2024-11-12كفى استهتاراً بعقولنا يا أولي أمرنا