2024-11-25 11:32 ص

الحرب البرية على القطاع ستؤدي الى اشتعال نيران العداء لأمريكا

عندما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن في طريقه إلى إسرائيل، تصدر نبأ قصف المستشفى العربي الأهلي المعمداني في وسط غزة ومقتل مئات الفلسطينيين عناوين الأخبار، مما أدى إلى تعقيد الزيارة الرئاسية التي كانت محفوفة بالمخاطر بالفعل.

كما جاءت زيارة بايدن بعد أسبوع من التحركات الدبلوماسية المتواصلة لوزير خارجيته أنتوني بلينكن في المنطقة، في الوقت نفسه أدى الهجوم الذي نفذه مقاتلو حركة حماس الفلسطينية ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر الحالي والرد الإسرائيلي الكاسح عليه إلى استقطاب وانقسام الشعوب حول العالم، بما في ذلك داخل حرم الجامعات الأمريكية نفسها التي تشهد ظهور جيل جديد من الناخبين الأمريكيين الذين يعبرون عن آرائهم حاليا، بحسب المحللة البريطانية الدكتورة ليزلي فينجاموري، عميدة أكاديمية إليزابيث الثانية للقيادة في الشؤون الدولية، في تقرير نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” البريطاني.

وأضافت فينجاموري، مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين في “تشاتام هاوس”، أن كل هذه التطورات تفرض نفسها على الدبلوماسية الأمريكية التي ستحتاج إلى مخاطبة متلقين متعددين ومختلفين. وينبغي موازنة الدبلوماسية الأمريكية الهادئة للتأثير على طبيعة الرد الإسرائيلي على هجمات حماس بدبلوماسية أخرى تؤكد لحكومات المنطقة جدية التزام الولايات المتحدة بحماية المدنيين من طرفي الصراع.

وترى فينجاموري أن هذا أمر بالغ الصعوبة، لكن قدرة الولايات المتحدة على المساهمة في تحقيق السلام بالمنطقة تتوقف على ذلك. وستحتاج الولايات المتحدة إظهار قدرتها على العمل مع إسرائيل ومصر وغيرهما من الدول والمنظمات والحركات الفاعلة في المنطقة لكي تضمن وصول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في غزة.

وربما تزداد الحاجة إلى الدبلوماسية العامة الأمريكية لمنع اتساع نطاق الصراع. وفي الحقيقة، يتعرض الدعم الأمريكي لإسرائيل حاليا لضغط مكثف من جانب الرأي العام.

في الوقت نفسه، فإن الحرب البرية الإسرائيلية في غزة ستؤدي إلى مزيد من القتلى واشتعال نيران العداء لأمريكا في الخارج وانقسامات داخل الولايات المتحدة وزيادة الضغط على دول المنطقة العربية لاتخاذ خطوات تظهر دعمها للفلسطينيين.

وفي حين أصبحت الدبلوماسية العامة شديدة الأهمية، أصبحت أيضا أكثر صعوبة بعد قصف المستشفى الأهلي في غزة.

فالآثار الإنسانية لقصف المستشفى أدت إلى تعقيد زيارة بايدن. وعلى مدى الأسبوع الأول بعد هجوم حماس، أصدرت الولايات المتحدة سيلا من البيانات التي تؤكد الدعم غير المشروط لإسرائيل، في حين ظلت الاتصالات المباشرة المكثفة لبلينكن في المنطقة خارج دائرة التركيز.

وتقول فينجاموري إنه مع ذلك يمكن القول إن تغييرا ما طرأ على الموقف الأمريكي يوم الأحد الماضي، حيث دعا بايدن، في مقابلة مسجلة مع برنامج “60 دقيقة” التلفزيوني، إسرائيل إلى ضبط النفس وحماية المدنيين في غزة.

ورغم إعلان موقف الرئيس الأمريكي بهذا الشأن، إلا أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على إسرائيل على المدى القريب تبدو محدودة: فرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو حذر من أن رد بلاده على هجمات حماس “سيتردد صداه لأجيال عديدة”.

ومع جهود تشجيع إسرائيل على ضبط النفس، من المهم أن تحاول الولايات المتحدة ردع إيران وحزب الله عن التورط في المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين بشكل مباشر، وإقناع دول الخليج العربي بالعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

ومن المهم أيضا بالنسبة للولايات المتحدة ضمان استمرار التوافق الأمريكي الأوروبي، لآن أي شيء أقل من هذا ستكون له تأثيرات سلبية على مجالات مهمة بالنسبة للتعاون بين جانبي المحيط الأطلسي، وبخاصة أوكرانيا.

وتشير فينجاموري إلى أنه يتعين على إدارة بايدن مضاعفة جهود دبلوماسيتها العامة. وقد قال الرئيس الأمريكي إنه “غاضب وحزين بشدة” من تفجير المستشفى في غزة. وفي حين يتبادل الإسرائيليون والفلسطينيون الاتهامات بشأن المسؤولية عن التفجير، فعليه إدراك أن دعوات أمريكا لإسرائيل لحماية المدنيين سيكون تأثيرها أقوى على الرأي العام في المنطقة العربية إذا رأت شعوبها خطوات ملموسة من جانب واشنطن لحماية المدنيين.

في الوقت نفسه، فإن ضغوط المعسكر اليميني المتطرف للحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي من أجل تحويل المساعدات الأمريكية من أوكرانيا إلى إسرائيل، والاستقطاب الحزبي الراديكالي، ينسفان الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إقناع الرأي العام في الشرق الأوسط بأن إلزام إسرائيل بضبط النفس يمثل أولوية لإدارة بايدن.

كما تنسف الممارسات السياسية المثيرة للاضطراب من جانب أعضاء الكونغرس جهود بناء الجسور بين مختلف مكونات المجتمع الأمريكي المنقسم حول الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقبل أيام قليلة من هجوم حركة حماس على إسرائيل، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، إن “الشرق الأوسط الآن أهدأ من أي وقت مضى طوال 20 عاما”، مؤكدا قدرة الولايات المتحدة على تركيز أولوياتها الاستراتيجية خارج الشرق الأوسط.

وتضيف فينجاموري أن الحقيقة هي أن غرق أفغانستان في مستنقع الفوضى بعد انسحاب الولايات المتحدة منها في صيف 2021، والآن الهجمات التي نفذتها حركة حماس بعد سنوات من الهدوء تذكرنا بحقيقة أن ما نراه في المنطقة هو استقرار زائف. وكلتا الكارثتين في أفغانستان وغزة تؤكدان خطورة التفكير الثنائي بمعني “كل شيء أو لا شيء”؛ فالمطلوب من الولايات المتحدة صياغة دبلوماسية تمثل نقطة وسط بين الانسحاب والاحتلال، كما تؤكدان خطأ الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

كما أن هجمات حماس أعادت التذكير بأن مشكلات الشرق الأوسط مازالت هاجسا رئيسيا للولايات المتحدة؛ فالفلسطينيون يحتاجون لإقامة دولتهم المستقلة حتى يتحقق الاستقرار الحقيقي، ولا يمكن تجاهل هذه الحقيقة حتى النهاية.

وتقول فينجاموري إنه يتعين على إدارة بايدن العمل بجد لضمان استعادة أمن إسرائيل، ولمطالبة كل الأطراف بحماية المدنيين، ولإبقاء دول المنطقة ملتزمة بالعمل على استعادة السلام والاستقرار.