2024-11-25 10:39 م

إسرائيل تدرس الهجوم البرّي: الأولوية لـ«محو العار»

لم تستفِق إسرائيل بعد، من صدمة «طوفان الأقصى» الذي ستحفر نتائجه عميقاً وطويلاً في الوعي الجمعي للإسرائيليين، قادة وجمهوراً. وإذا كان إحصاء الخسائر البشرية والمادية المباشرة هو الشغل الشاغل للعديد من أجهزة دولة الاحتلال ومستوطنيها حالياً، فإن أصحاب القرار يبدون منهمكين بشاغل آخر: محاولة تقدير الخسارة الإستراتيجية المتمثّلة في تهشّم صورة الاقتدار والمنعة، لدى الأعداء والأصدقاء على السواء، كما في كيفية استعادة هذه المكانة المتضعضِعة. ولا يكاد الأخذ والردّ في هذا السياق ينقطعان، بهدف تحديد ما يمكن فعله، وتقليص حجم الخسارة، تحت طائلة تفشّي مفعول الهزيمة على نحوٍ لن يكون من الممكن محوُه.
ويأتي هذا بينما ينتظر الإسرائيليون، فضلاً عن محاسبة الفاشلين من ساسة وعسكر، أن يكون الردّ قاصماً، وأن لا يقلّ عن اجتثاث حركة «حماس» وبقيّة فصائل المقاومة، وأن يمعن جيشهم قتلاً وتدميراً من دون مراعاة أيّ ضوابط، وبلا تمييز بين مدني وعسكري، وأن يدفِّع «العدو» الثمن أضعافاً مضاعفة، عمّا مُنيت به إسرائيل. والواقع أن ما ينتظره الجمهور يتمنّاه القادة أيضاً، ولكنّ الرغبة شيء والقدرة شيء آخر؛ إذ ثمّة عراقيل وكوابح كثيرة من شأنها تعقيد حسابات العدو، وربّما فرملة خطواته في غير اتّجاه. ومن هنا، تُطرح أسئلة كثيرة، في مقدّمها: هل تكتفي إسرائيل بالحرب عن بعد؟ وعبر سلاح الجو تحديداً؟ تبدو النتيجة التي يمكن تحقيقها عبر هذه الإستراتيجية المُفعّلة الآن، وبقوة، محدودة، وغير قادرة على الاستجابة لأيّ سقف ممّا ينتظره الإسرائيليون، كما على تلبية أيّ من الأهداف الموضوعة على طاولة القرار.
وعليه، هل تضطرّ تل أبيب لإضافة خيار التوغّل البرّي وإعادة احتلال قطاع غزة؟ وهل هي الآن في طور الانتهاء من تحقيق جهوزيتها لتنفيذ هذا الخيار؟ قد يَظهر ذلك محبَّذاً نظرياً، وبوصفه الطريق الإلزامي لتحقيق الهدف الأهمّ، ولكنّه خيارٌ مكلف جدّاً، ولربّما يتسبّب بمضاعفة آثار الكارثة الحاصلة إلى الآن. وبالتالي، هل تلجأ إسرائيل إلى ردّ مركّب من القصف والقتل والتدمير من جهة، وما أمكن من توغّلات برية من جهة أخرى، بما يحقّق نظرية «الأرض المحروقة» في غزة؟ قد يكون الأخير أسهل الطرق وأقلّها كلفة، والكفيل بتعويض جزء معتدّ به من الخسارة الإستراتيجية، لكنه أيضاً لا يلبّي «المطلوب» قياساً إلى الاجتياح البرّي الكامل.

كيفما اتّفق، فالواضح أن جزءاً رئيساً من قرارات الردّ قد تتحكّم به مشاعر ما بعد الصدمة، ما سيقود دولة الاحتلال ربّما إلى عملية برّية، أو في حدّ أدنى، خيارات برّية بسقوف متغيّرة وفقاً للظروف، علماً أن الخيار البري، الموسّع أو المحدود أو ما بينهما، مؤجّل إلى حين أن ينهي سلاح الجو مَهمّة التمهيد له، ميدانياً، عبر تدمير ما أمكن من مناطق مدنية في القطاع. وهو تدمير يحظى بتغطية أميركية، سياسياً وإعلامياً ولوجستياً واستخبارياً وعسكرياً (في هذا المجال الأخير، قد يتطوّر الأمر إلى مستويات قتالية مباشرة)، إلى الحدّ الذي تبدو معه إسرائيل وكأنها تقوم بالمَهمّة لحساب أميركا، أكثر من كونها مَهمّة خاصة بها، فيما الهدفان متساوقان جداً.
وفي خضمّ ذلك، تبدو شهية إسرائيل مفتوحة لإنجاز أكبر قدر من الأهداف، لا في قطاع غزة فحسب، بل وأيضاً على مستوى ساحات محور المقاومة كلها. كما لم يعُد التفكير بالمخرج السياسي ذا أهمية، إذ الأولوية الآن لاستعادة مستوى الردع الذي كانت تعتقد إسرائيل بوجوده، وتفرضه على الآخرين، الأمر الذي يعني أن الحرب مطلوبة لذاتها، مع أكبر قدر من القتل والتدمير، والسعي إلى كسر «تابوهات» سابقة من بينها الخشية من الخيارات البرية. كذلك، لا تولي تل أبيب أي أهمية لليوم الذي يلي الحرب، التي ترى أنها كلّما توحّشت، كانت أكثر ملاءمة لمصلحتها.
مع ذلك، يبدو أن دروس وعبر حرب عام 2006 في مواجهة «حزب الله»، تلقي بظلالها على المعلن من الأهداف الإسرائيلية، إذ من يراقب التصريحات الإسرائيلية لرأس الهرم السياسي، إلى الآن، يتلمّس أن بنيامين نتنياهو يتجنّب الحديث عن أهداف كاملة - على رغم المبالغات التي ترد في تصريحاته - من مثل اجتثاث «حماس» من غزة، وإسقاط حكمها فيه. وعليه، يسود قدرٌ من الضبابية واللايقين بخصوص ما يمكن أن يُنجَز إسرائيلياً، فيما عامل الوقت يسمح للمتغيّرات والكوابح بالدخول على الخطّ، والحدّ من الأهداف الإسرائيلية. وإذ يبدو أكيداً أن الحرب حُسمت نتيجتها يوم السبت الماضي، بهزيمة إسرائيل على المستويات كافة، فإن ما تسعى إليه الأخيرة راهناً ليس سوى تغيير صورة الهزيمة التي تلقّتها، وهو ما لا يبدو محسوماً النجاح فيه.