2024-11-30 04:41 ص

خرافتان: العالم العربي والعالم الاسلامي

كتب نبيه البرجي

على مدى نحو قرن من الغباء، ترعرعنا، كما تترعرع الألواح الخشبية، بين خرافتين : العالم العربي والعالم الاسلامي. عالمان افتراضيان، كانا ويبقيان، هكذا، الى يوم القيامة، اذا كان هناك، فعلاً، من قيامة، ولم يقفل الله أبوابه في وجهنا بعدما ضاق ذرعاً بنا...

بدا كما لو أن يوشع بن نون قام من قبره ليأخذ شكل بنيامين نتنياهو وهو يصرخ بنا "اما أن تبقوا تحت أقدامنا أو ندوس قبوركم باقدامنا". حيال ما يحدث في غزة، وفي فلسطين، وحتى على امتداد الخريطة العربية، ألسنا الجثث الناطقة التي لم تدرك، يوماً، أن الله وهبنا الحياة ؟ منذ أن ولدنا ونحن رهائن تلك الايديولوجيا الجنائزية التي لم تفرّق البتة بين صناعة الحياة وصناعة الموت.

الآن، والقاذفات الاسرائيلية تطحن عيون الأطفال في غزة، أين العالم العربي (يا أحمد أبو الغيط)، وأين العالم الاسلامي (يا شيخ الأزهر). ذاك الركام البشري الرث. متى كنا الدول ولم نكن مضارب القبائل و... القبائل؟

اذاً، من يقطن في تلك الأبراج العالية، ويطل علينا من هناك، كما لو أنه يطل من السماء؟ برتارد لويس رأى فينا قطعان الماعز وتساق بالعصا، أياً كانت تلك العصا...

هكذا حلّت الأراكيل، بكل بهائها، محل تلك الأعداد الهائلة من الدبابات، والطائرات. مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد بيل كلينتون، قالت "جنودنا لم يوجدوا للاسترخاء في الثكنات". يا سيدتي، الملايين من جنودنا وضباطنا وجدوا لحماية ساقي شهرزاد.

ما صدمنا أن كل تلك القامات، بالعباءات الفاخرة، وبالثروات المترامية، لا مكان ولا مكانة، لهم في العالم الذي كله ضدنا. الأميركيون، والفرنسيون، والانكليز، والألمان، والايطاليون، وقد أنتجوا كل ذلك التراث الفلسفي، أعلنوا دعمهم لنتنياهو، كما لو أنهم، بتلك الضمائر الميتة، تناسوا ما فعله بهم أدولف هتلر.

الهند صدمتنا بموقفها (أين جواهر لال نهرو بل أين المهاتما غاندي؟). الصين تنين من ورق بعدما رددنا، طويلاً، وصف ماوتسي تونغ لأميركا بنمر من ورق.

ما يفعله رئيس وزراء اسرائيل، ودون أن يرف جفن لما يدعى "المجتمع الدولي"، لم يفعله الفوهرر ولا هولاكو، ولا حتى حملة الحطب في جهنم. لا بأس فقهاؤنا فرشوا أمامنا، كضحايا، الطريق الى الجنة بالورود. ما نراه يا اصحاب الفضيلة الطريق وقد فرشت بالورود الى جهنم.

لا موطئ قدم لنا في القرن، وحتى بين أقدام آلهة القرن. سواء كنا على شاكلة براميل النفط أم كنا على شاكلة سراويل القناصل. استطراداً، لا مكان لنا في التاريخ. متى توقف العرب عن قتل العرب. من أجل هذا وذاك يسفك العرب دماء العرب، وأزمنة العرب. دعونا نسال اين السلطان العثماني في هذه اللحظة بعدما راهن على أن يرتدي عمامة الخلافة داخل الجامع الأموي في دمشق ؟

هذا ما فعله أصدقاؤنا الأميركيون بنا : اما اسرائيل أو ايران. ولطالما ناشدنا الايرانيين، وناشدنا الأتراك، أن أي صراع جيوسياسي في المنطقة، أكان بخلفية ايديولوجية أم بخلفية تاريخية، لا يخدم سوى الاله الأميركي.

الاله المتوجس من تداعيات الحرب في الشرق الأوسط (هل حقاً قيل للاسرائيليين اياكم والصدام مع "حزب الله"، أي اياكم واجتياح غزة؟). لكن أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار حتى الموت، بعدما أبيدت أحياء بمن فيها ـ وهنا تتجلى ألوهية يهوه ـ الذي قد يكون من دعا جو بايدن لارسال اسطوله الى المتوسط لكي يحمي برابرة القرن. ايها الحجاج بن يوسف، قم من قبرك واقطع رؤوسنا التي اينعت، ولم تكن، ولن تكون، بالرؤوس البشرية!

الآن، اسرائيل العارية، اجل العارية، حتى بالترسانة النووية، والا لماذا تختال حاملة الطائرات "يو. اس. جيرالد فورد" على تخومها؟

الذين حطموا أنف تيودور هرتزل، وهو في العالم الآخر، هم من لايجدون الخبز، احياناً، للعشاء. لكن الأميركيين والاسرائيليين لا يستيغون سوى أكلة الكافيار.

نصيحتنا للعرب، اذا كان هناك فعلاً عرباً، أن يبيعوا ترساناتهم الصدئة (بتريليونات الدولارات) ليشتروا بثمنها العصي والحجارة..

مستقبل فلسطين، مستقبلنا، يصنعه هؤلاء. حملة العصي والحجارة!!

عن (الديــار) اللبنانية