كتب أوري مشغاف، في صحيفة "هآرتس" منتقداً النقص الهائل لوجستيات، وعتاد "الجيش" الإسرائيلي وتجهيزاته، وهاجم من يدّعي أن مخازن "الجيش" المخصصة للطوارئ ممتلئة، ونعته بالكذب المستفز.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
في الصباح الباكر تلقيتُ رسالة من أستاذي ومعلمي، اللواء احتياط دافيد عِفري، أحد أعظم قادة سلاح الجو سابقاً، ونائب رئيس الأركان ومؤسس مجلس الأمن القومي.
"بتقديري، نحن نعمل وفق خطة مرسومة لنا، الحادثة المؤلمة الأخيرة ستقود إسرائيل إلى الرد بالدخول إلى غزة، وبعد ذلك عندما نكون متورطين عميقاً، سيبدأ حزب الله ويهودا والسامرة (الضفة). كتب عفري في الرسالة.
أضاف: "غزة هي الفخ الذي ندخله، غزة ليست تهديداً وجودياً، بل ويمكن التعامل معها من الجو، ومن خلال الضغط الاقتصادي. إذا دخلنا إلى غزة، فإن الفخ يمكن أن يسبب تهديداً وجودياً".
لقد فوجئت قليلاً. خاصة أنني خلال العام الماضي، أجريتُ سلسلة طويلة من المحادثات مع عفري، وهو برأيي نموذج للاتزان وبرودة الأعصاب والفهم الاستراتيجي. سألتُه: "ألن يكون تجنب الرد البري نقطة ضعف استراتيجية هائلة، بعد مذبحة شملت غزواً برياً، واحتلال القواعد والمستوطنات، والقتل الجماعي للمدنيين والجنود".
أجاب عفري: "التوغل البري صحيح فقط إذا بقيت هناك، وهي عقوبة استراتيجية من ناحية أخرى. التوغل البري والخروج لن يكون عقاباً أكثر مما يتحقق من الجو أو بالمدفعية، ولكن سيكون هناك الكثير من الإصابات ولا نعلم متى نخرج".
يقول كاتب المقال أوري مشغاف: "لستُ خبيراً في الاستراتيجية، ولكن خلال النهار توصلت إلى استنتاج مفاده أن عفري مصيب، وأنه لا يجب علينا دخول غزة الآن، ولكن لسبب تافه تماماً: الجيش الإسرائيلي ليس مجهزاً ولا مستعداً لوجستياً لعملية برية".
أسمحُ لنفسي بتحديد ذلك فقط، بسبب ما كرّستُ له طوال اليوم الأخير تقريباً (مع استراحة لبضع ساعات من النوم الكابوسي، حلمت خلالها أنني كنت أعزّي في ضابط قُتل يوم السبت في معارك البطولة واليأس في مستوطنات غلاف غزة).
ربما من أجل إيجاد معنىً للكارثة، وربما أيضاً من حاجة إنسانية للكبت، كرّستُ نفسي لإنشاء وتشغيل غرفة حرب افتراضية. حدث هذا بعد أن تلقيتُ عدة رسائل من مقاتلين وعائلاتهم حول النقص في المعدات القتالية والحماية. قررت أن أحاول المساعدة.
نشرتُ منشوراً على "فايسبوك" يحتوي على نص قصير وعنوان بريدي الإلكتروني، أطلب منهم (يقصد الجنود) الاتصال بي بشأن الاعتدة الناقصة من ناحية والاستعداد للتبرع من ناحية أخرى.
ثم بدأ الطوفان؛ وخلال الـ 24 ساعة الماضية، تلقيتُ عدداً لا يحصى من الرسائل، من وحدات مجندين ومقاتلين في النظامي والاحتياط، مع طلبات لاستكمال أعتدة غير متوفرة،العشرات من مختلف الأنواع، أعتدة حماية، أعتدة قتالية، ملابس حرارية، معدات طبية، مصابيح، بطاريات وغير ذلك الكثير.
الأكثر بروزاً، والأكثر إثارة للخوف، نقص الدروع. إنها أعتدة حماية شخصية أساسية منقذة للحياة. إن إرسال مقاتلين إلى المعركة من دونها يعني الحكم عليهم بالموت في حالة الإصابة.
في الصباح، عندما اكتشفتُ عمق المشكلة، تواصلت مع بروعي لامبرت، وهو جندي احتياطي في مكافحة الإرهاب وشيطان لوجستي أنشأ بنفسه غرفة حرب مماثلة تسمى "المساعدة الآن!".
خلال النهار، تمكن لامبرت من استقطاب بمتطوعين قاموا بدورهم ببناء قاعدة بيانات محوسبة وفعالة. لم تتوقف الاستفسارات عن التدفق.
أدركنا أن هناك بالفعل الآلاف من الدروع الناقصة، وأن المصنّعين في "إسرائيل" قد نفد مخزونهم. بدأنا البحث عنها في الولايات المتحدة والصين.
في مرحلة ما، اكتشفت أنني كنت أعمل مع حلقٍ مختنق وعيون دامعة، سألت إذا كنت في كابوس مرة أخرى، وإذا كان هذا يمكن أن يكون حقيقياً.
هل تستعد "إسرائيل" حقاً لغزو غزة، وفي الوقت نفسه محاربة حزب الله، عندما لا يكون لدى الجنود دروع ومصابيح؟ فيما وحدات احتياط بأكملها تنتشر على الحدود الشمالية ولم يقم أحد بتجهيز الجنود بملابس مناسبة للظروف الباردة والمناخ؟
ثم بدأت ترد طلبات الطعام الساخن. وحدات في القطاعين الجنوبي والشمالي سألت عما إذا كان يمكن تزويدها بطعام. اتصلت بالمطاعم التي أعرفها وبدأنا بنقل طعام إلى نقاط التجمع بمساعدة متطوعين. من وقت لآخر، كنت ألقي نظرة خاطفة على ملحقات الأخبار حول المعارك في غلاف غزة، وقوائم القتلى، والصليات الصاروخية، وزحف بيني غانتس المخزي والإجرامي إلى حكومة الإخفاق.
من وقت لآخر، جاءت طلباتٌ صغيرة ومحددة. لقد حطمت قلبي. والدة جندي طلبت حذاء مشاة مقاس 43. تحدثتُ مع ابنها واتضح أنه يعمل في قطاع جنين منذ عدة أيام مرتدياً حذاء رياضياً. كذلك طلَبَت شقيقة مقاتل في لواء غولاني قفازات قتالية نيابة عنه.
وحدة مدرعات احتياطية طلبت مولداً وموزّع كهرباء وغير ذلك الكثير، الكثير، الكثير.
إن استعداد وسخاء "شعب إسرائيل" أمر مثير، لكن لا ينبغي أن تكون اللوجستيات العسكرية من عمل متطوعين. ولا حتى من متبرعين.
في مرحلة ما، كتب لي الناس أن هذا النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي مثبط ويكشف ضعفنا للعدو. أشار لي البعض إلى أن الممثلين العسكريين يدّعون في الاستوديوهات أن وحدات مخازن الطوارئ ممتلئة، وأنه لا يوجد نقص في الأعتدة.
اسمحوا لي أن أقول بلطف أنه وفقاً لمئات المكالمات التي تلقيتها أمس على هاتفي وبريدي الإلكتروني، فإن هذا كذب محض.
لا أفهم إلى أين تذهب الميزانية السنوية للجيش الإسرائيلي بالمليارات. لا أفهم كيف وصلنا مرة أخرى إلى نقطة الافتتاح اللوجستية لحرب يوم الغفران (حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973) وحرب لبنان الثانية.
أقول شيئاً واحداً فقط لرؤساء "إسرائيل" والجيش: "لا تغامروا بالدخول إلى غزة طالما لم تزودوا مقاتلينا بدروع سيراميك".
المصدر: الميادين