2024-11-23 06:33 م

ماذا بعد توسع الصين وروسيا في إفريقيا؟

2023-07-15

الة استقطاب غير مسبوقة يمر بها العالم في الوقت الراهن، في ظل احتدام الصراع بين الغرب وروسيا من جانب والولايات المتحدة والصين من جانب آخر، ما أدى لتعزيز الصين وروسيا تحالفهما معاً ونشر نفوذهما في مناطق جديدة بالعالم في مقدمتها القارة الإفريقية، إذ يعد تكتل مجموعة “بريكس” من أبرز مظاهر تعزيز النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا، خاصة وأن المجموعة تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وأيضا جنوب إفريقيا.

تسعى موسكو وبكين كلاً منهما على حدة على تشكيل تحالفات جديدة داخل إفريقيا، من خلال توطيد العلاقة مع حكومات الدول والتوسع في الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية، الأمر الذي يفسر ترحيب مجموعة بريكس بانضمام دول جديدة لها، في ضوء استمرار رغبة التكتل في إصدار عملة موحدة وتوسع أعمال المجموعة في دعم الدول غير الأعضاء في خطوات التنمية.

دوافع روسيا والصين

تٌعزز موسكو وبكين  وجودهما في إفريقيا لتحقيق  الأهداف التالية:

مواجهة التحالف الغربي

تبحث الصين وروسيا معاً على مواجهة التحالف الغربي بتشكيل تحالف موازي، بهدف إحداث تغييرات جيوسياسية والتصدي للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، لذا تستعد روسيا للقمة الروسية الإفريقية الثانية المقرر انعقادها في نهاية يوليو 2023 لمناقشة التداعيات الاقتصادية للحرب وجائحة كورونا والتغير المناخي.

انعقدت القمة الروسية الإفريقية الأولى في سوتشي الروسية في 24 أكتوبر 2019،، وتناولت التعاون السياسي والأمني والاقتصادي بين موسكو وإفريقيا، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مليارات الدولارات لعدد من الاستثمارات في دول إفريقية.

وتشبه هذه القمة قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي التي انعقدت في 3 سبتمبر 2018، وكانت بمثابة البداية الحقيقية لأن تصبح الصين شريكاً تجارياً وإنمائياً للقارة الإفريقية، وربما أثارت هذه الخطوة انتباه موسكو وقتها إلى هذه المنطقة، بإرسال مستشارين عسكريين لدول إفريقيا الوسطى رغم الوجود الفرنسي هناك آنذاك. أمن دولي ـ مجموعة “بريكس” مساعي إلى عالم متعدد الأقطاب

نظام عالمي جديد

تجد بكين وموسكو أن الفرصة سانحة الآن لإعادة تشكيل النظام العالمي، خاصة بعد دخول الصين كمنافس رئيسي للولايات المتحدة في قطاعات التكنولوجيا وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي إضافة إلى مجال الفضاء، ما انعكس إيجابياً على وضعها الاقتصادي عالمياً، وبالمثل تطمح روسيا إلى إعادة تشكيل النظام الدولي وجعله متعدد الأقطاب بالتركيز على التحالفات الجديدة والتوسع في التسلح التقليدي والنووي، لذا تتوافق المصالح بين الجانبين الروسي والصيني لمواجهة الجانب الأمريكي.

الاتجاه نحو الشرق

تستغل الصين وروسيا ظهور توجه إفريقي في توطيد العلاقة مع الشرق بدلاً من الغرب، وتدعمان ضم دول إفريقية جديدة إلى مجموعة بريكس. وتتوسع الاستثمارات الصينية في إفريقية عبر مشروعات البنية التحتية وبناء القدرات، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الحزام والطريق، ومبادرة الأمن العالمي، والمشاركة الأمنية الإقليمية لنشر نموذج الحوكمة الصيني في الجزء الجنوبي من العالم.

ودعت روسيا مؤخراً إلى إصدار عملة موحدة لمجموعة بريكس، من أجل مواجهة هيمنة الدولار عالمياً، بالتزامن مع دعوة دول أخرى للانضمام للمجموعة في ضوء بحثها عن داعمين أمام العقوبات الغربية، خاصة بعد طرح خطة ” بريكس بلس” في قمة بريكس 2017 التي ترمي لضم أعضاء جدد وهم بالأساس في القارة الإفريقية.

توطيد العلاقة مع جنوب إفريقيا
تعد جنوب إفريقيا بوابة روسيا والصين لتوسيع النفوذ في القارة الإفريقية، لاسيما وأنها عضواً في مجموعة بريكس وتربطها علاقات قوية بالدولتين، ومن المتوقع أن تستضيف مدينة جوهانسبرغ الجنوب إفريقية قمة بريكس المقبلة في أغسطس 2023، وتأتي أهمية هذه القمة لتناولها قضية توسيع التكتل وطرح فكرة إيجاد عملة بديلة للدولار الأمريكي في تعاملات دول بريكس.

انضمام جنوب إفريقيا للبريكس منذ (2010) عاد بالفائدة عليها باستضافة القمة (10) للمجموعة في جوهانسبرغ، وتناولت القمة إقامة تعاون اقتصادي في ضوء بيئة اقتصادية عالمية متغيرة، وتدريجياً باتت جنوب إفريقيا جاذبة للاستثمارات لدورها الفعال في التكتل حيث يمثل اقتصادها نحو (3%) من اقتصاد المجموعة، ومع انقسام العالم حول أزمة الطاقة المندلعة جراء الحرب الأوكرانية، توجهت بعض الدول الأوروبية إليها كأحد المصادر البديلة للسوق الروسي في الطاقة.

رغم أن جنوب إفريقيا ضيفا أساسياً في قمم مجموعة السبع، إلا أن الأمر لم يمنع من إقامة علاقات قوية مع موسكو وبكين، حتى بعد تفاقم الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا وتصاعد حدة التوترات بين واشنطن وبكين في ملفات عدة، وعلى هذا النحو توجهت الحليفتان روسيا والصين نحو الجنوب وتحديداً جنوب إفريقيا، وتتمثل الاستثمارات الروسية في جنوب إفريقيا في مجالات توليد الطاقة واستخراج اليورانيوم.أمن دولي ـ هل تؤدي الحرب الأوكرانية إلى تشكيل الصين وروسيا محوراً عسكرياً؟

التوسع الاقتصادي
روسيا

تنظر روسيا إلى إفريقيا كأرض الفرص لتقوية عملتها والتفاوض مع دول القارة بشأن التجارة بالعملات الوطنية، بهدف تدويل الروبل الروسي ومنحه صفة دولية في التعاملات وتقليل اعتمادها على الدولار بشكل تدريجي تحسباً لأي عقوبات غربية جديدة على الشركات والأصول الروسية.

توسعت روسيا في التعاون الاقتصادي مع إفريقيا في قطاعات الطاقة والتعدين والتكنولوجيا الرقمية، وتطوير البنية التحتية إضافة إلى الزراعة والتعليم، ووصل التبادل التجاري بينهما إلى (20) مليار دولار خلال 2018، وعقب تزايد أعباء إفريقيا جراء تداعيات جائحة كورونا وتغيرات المناخ والحرب الأوكرانية، ألغت موسكو (20) مليار دولار من الديون المستحقة على عدد من دول القارة.

في الوقت نفسه عززت التعاون مع الجزائر في الطاقة وتسليح جيشها، ووقعت اتفاقية شراكة استراتيجية مع المغرب، وفي موزمبيق تنتج شركتان تابعتان لـ ” روس نفط” الغاز ويقدر بنحو (2.2) تريليون متر مكعب، ووصل التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا جنوب الصحراء إلى (3) مليارات دولار.

تخطط موسكو في زامبيا إلى إنشاء مركز للطاقة الذرية والتكنولوجيا والعلوم، وفي الغابون تركز على تطوير البنية التحتية للغاز والنفط، وإنتاج الألومنيوم في غينيا باستثمارات تبلغ (300) مليون دولار.

تستثمر في مجال المعادن بمبلغ يتخطى مليار دولار في الغابون وموزمبيق وجنوب إفريقيا، وتصل استثمارات شركة ” غاز بروم” الروسية في إفريقيا إلى (500) مليون دولار، وتبلغ استثمارات شركة ” لوك أويل” الروسية للنفط مليار دولار في غرب إفريقيا.

ركزت روسيا اهتمامها على زيادة التبادل التجاري مع مصر، الذي أصبح يمثل ثلث التبادل التجاري بين روسيا وإفريقيا، وتتعاون في مشروع منطقة اقتصادية صناعية بقناة السويس بتكلفة تصل لـ (7) مليارات دولار، ومشروع المحطة النووية في الضبعة بتكلفة (25) مليار دولار.

الصين

حققت الصين طفرة غير مسبوقة في العلاقات مع إفريقيا في وقت قصير، ما جعلها أهم شريك تجاري لها ووصل التبادل التجاري إلى (187) مليار دولار وبلغت الاستثمارات الصينية (2.9) مليار دولار في 2020، حيث تم بناء (25) منطقة صينية للتعاون التجاري والاقتصادي في (16) دولة بالقارة الإفريقية، ما ساهم في جذب (623) شركة بحجم استثمارات (7.3) مليار دولار وتوفير نحو (46) ألف فرصة عمل بالقارة.

ارتكز التعاون بين الصين وإفريقيا على إنشاء المجمعات الصناعية عبر تفعيل توصيات منتدى” التعاون الصيني الإفريقي” الذي بدأ في 2000، وتنفيذا لوعود الرئيس الصيني شي جينبينغ، حيث أعلن في سبتمبر 2018 تقديم عشرات المليارات من الدولار لتمويل مشروعات التنمية في إفريقيا، لذا تتجه التوقعات إلى تحقيق بكين أرباح من هذه الاستثمارات قد تصل إلى (440) مليار دولار بحلول 2025 وهي زيادة تقدر بنحو (144%) عن حجم الأرباح الحالية.أمن دولي ـ ما تأثير مجموعة “البريكس” على النظام الدولي؟

حيث تتراوح عدد الشركات الصينية العاملة في إفريقيا ما بين (100- 250) شركة، وترتكز في جنوب إفريقيا وإثيوبيا وأيضاً زامبيا وأنغولا.

تداعيات التوسع الصيني الروسي
أثار النفوذ الصيني والروسي في القارة الإفريقية مخاوف لدى الغرب، خاصة عقب انحسار النفوذ الفرنسي في إفريقيا الفترة الأخيرة، لانتقاد بعض الحكومات الإفريقية للوجود الفرنسي في بلدانهم وتراجع الاستثمارات الفرنسية هناك، ما دفع الولايات المتحدة لتنتهج نفس نهج روسيا والصين في إقامة فعاليات مشتركة ورصد أموال لتنمية القارة الإفريقية.

أقُيمت القمة الأمريكية الإفريقية في 13 ديسمبر 2022 ، لتؤكد واشنطن على موقفها الداعم للقارة برصد نحو (55) مليار دولار لمشروعات التنمية في الرعاية الصحية ومجال الفضاء، والإشارة إلى دعم حصولها على مقعد في مجلس الأمن وتمثيل داخل قمة مجموعة العشرين، إضافة إلى توقيع اتفاقيات أرتميس مع رواندا ونيجيريا.

تقييم وقراءة مستقبلية
– يشير النفوذ الروسي في إفريقيا إلى حاجة موسكو الملحة، إلى تشكيل تحالفات اقتصادية لمواجهة العقوبات الغربية وسيطرة الدولار عالمياً، لا سيما وأنه متحكم رئيسي في تسوية النزاعات السياسية والاقتصادية على مدار عقود، كما أن الوجود الصيني في القارة نفسها يفسر رغبة بكين، في إيجاد أسواق جديدة للاستثمارات وتعزيز تفوقها الاقتصادي أمام واشنطن، وفي المقابل تتسارع الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة على تدشين مشروعات تنمية مماثلة.

– مع استمرار الصراع الروسي الغربي والتوتر الصيني الأمريكي، تستمر حالة المنافسة على التواجد داخل إفريقيا عبر التحالفات وإقامة فعاليات مشتركة والمشروعات التجارية من جانب روسيا والصين والولايات المتحدة، ما يصب في بعض الأحيان في صالح القارة الإفريقية في دعم مشروعات التنمية، لاسيما وأن بعض البلدان الإفريقية تعاني من صراعات وتحديات اقتصادية واجتماعية.

– بحكم التفوق الاقتصادي لبكين تمتلك نفوذ أكثر من حليفتها موسكو في إفريقيا، عبر المشروعات والتوسع الصناعي، ما يعني أن التوسع الروسي الصيني داخل القارة الإفريقية ستقوده الصين، وهو الأمر الذي يزيد مخاوف واشنطن من الطموح الاقتصادي الصيني وينذر بحالة استقطاب دولية غير مسبوقة داخل القارة.

– تكتل بريكس سوف يمثل تحالف منافس للتحالف الغربي خلال السنوات المقبلة، إذ تسعى روسيا والصين لضم دول جديدة وترغب دول إفريقية أيضاً في الالتحاق بهذا التكتل الاقتصادي، في ظل تصاعد رغبة بعض البلدان الإفريقية للاتجاه نحو الشرق بدلاً من الغرب.

– تمثل قمة بريكس المقبلة نقطة فارقة في العلاقات بين إفريقيا وروسيا والصين، خاصة في حال نجاح القمة في اتخاذ قرارات اقتصادية تتعلق بإصدار عملة موحدة للتكتل أو تدشين مبادرات مع دول إفريقية غير أعضاء بالمجموعة، ما ينعكس بشكل مباشر على ملامح النظام العالمي المرحلة المقبلة.

– نتائج قمة بريكس المقبلة وحجم المشروعات الصينية والروسية المتوقعة في إفريقيا، سيتحدد على أساسها شكل خطة التوسع الغربي بقيادة واشنطن في القارة نفسها، بهدف تحجيم وجود بكين وموسكو هناك وإيجاد موطئ قدم من جديد في هذه المنطقة.

– من المتوقع أن تلعب القارة الإفريقية دوراً مهماً وحاسماً في تكتل بريكس وفي تقوية التحالف الروسي الصيني، نظراً لأن القارة غنية بالموارد الطبيعية من مصادر الطاقة والمحاصيل الزراعية، لذا تصبح نقطة جاذبة للاستثمارات من قبل الدول الكبرى السنوات القادمة.

رابط مختصر.https://www.europarabct.com/?p=89232 

*جميع الحقوق محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

الهوامش

التنافسية مع الصين تدفع الغرب نحو “نهج جديد” للوصول إلى دول الجنوب
https://bit.ly/3PBoTlY

الصين تخطط للتوسع.. لماذا تريد إيران و3 دول عربية الانضمام إلى بريكس؟
https://bit.ly/3PBlofq

التوسع في السوق الأفريقية.. هكذا تخطط روسيا لمواجهة العقوبات وهيمنة الدولار
https://bit.ly/3CWgfHa

China-Russia Cooperation in Africa and the Middle East
https://bit.ly/44nqMaa

هل تسعى الصين وروسيا لبسط نفوذهما في أفريقيا وما مصلحة دول القارة في التقارب مع القوى الكبرى؟
https://bit.ly/431Yh0x

المصدر: المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب