2024-11-30 07:31 ص

دلالات أزمة "خيمة حزب الله"

2023-07-15

في 21 حزيران/يونيو الماضي، أنشأ حزب الله اللبناني خيمتيْن في مزارع شبعا المحتلة، على الحدود مع فلسطين المحتلة، أزال إحداها وأبقى الأخرى. ومنذ ذلك الحين، ارتفع مستوى التوتر على الجبهة الشمالية بين حزب الله والعدو، وتبادل الطرفان التهديدات على نحو دفع مختلف الأطراف إلى الوساطة بهدف إنهاء الأزمة.

كشفت "أزمة الخيمة" التوتر المتصاعد على الجبهة الشمالية ولم تنشئه، لا سيما منذ أزمة حقل "كاريش"، منتصف العام 2022، وعملية "مجيدو" في آذار/مارس الماضي، مروراً بإطلاق نحو 30 صاروخاً في رمضان المنصرم في اتجاه مستوطنات العدو الشمالية، وإطلاق قذيفة مضادة للدروع قبل أيام، وبدء العدو بإنشاء سياج شائك وبناء جدار إسمنتي حول قرية الغجر، وهو ما عدّه لبنان "خرقاً خطيراً ومحاولة ضمّ القرية" إلى العدو، وهدد الحزب باسترداد القرية المحتلة.

مع تصاعد حدة التوترات بين الطرفين، تحولت مسألة الخيمة "الرمزية"، إلى مهدد باندلاع مواجهة عسكرية قد تمتد عدة أيام، ففي حال أقدم العدو على إزالة الخيمة بالقوة، سيرد الحزب عسكرياً، وستتجه الجبهة إلى مواجهة قد تبدأ محدودة وتحت السيطرة وقد تتدحرج لمواجهة واسعة، وهو ما قد لا يرغب فيه الطرفان حتى الآن.

يعتقد العدو أن سلوك حزب الله على الجبهة الشمالية بات أكثر جرأة، ومنذ عملية "مجيدو"، تقدّر الاستخبارات العسكرية (أمان) أن الحزب كان مستعداً لتحمّل تبعات العملية حتى لو أدت إلى الحرب، كما تقدّر مستويات مختلفة داخل العدو أن حالة الردع تجاه حزب الله تتأكّل بشكل كبير، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب واسعة، على الجبهة الشمالية، في ضوء قراءة الحزب للبيئتين الداخلية والخارجية للعدو.

فالحزب يراقب حالة الانقسام السياسي/الاجتماعي العميق والضعف الداخلي في مجتمع العدو، والخلافات بين الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو، وانتقادات المجتمع الدولي لسياسات "إسرائيل" الداخلية وتجاه القضية الفلسطينية التي تتبناها حكومة العدو الفاشية، والفشل العسكري للعدو في مواجهة المقاومة على الجبهة الفلسطينية، وارتفاع مستوى التنسيق بين محور المقاومة، ومساعي المحور لتثبيت معادلة وحدة الساحات، كما يعتقد الحزب أن العدو غير مستعد لمواجهة متعددة الجبهات، وأن قوات العدو البرية لا تتمتع بالكفاءة والدافعية القتالية مقارنة بقوات حزب الله، على الرغم من التفوق العسكري الهائل للعدو، القادر على إحداث تدمير هائل لمقدرات الدولة اللبنانية، فإن الحزب يدرك هشاشة الجبهة الداخلية للعدو، وضعف قدرتها على تحمّل الخسائر، على نحو يتجنب فيه العدو مواجهة واسعة وطويلة، كما يدرك الطرفان أن الحرب في حال اندلعت وتوسعت ستكون حرباً طاحنة ستسفر عن خسائر بشرية ومادية هائلة لكليهما، كذلك يخشى العدو أن تتحوّل المواجهة إلى حرب إقليمية شاملة بين محور المقاومة والعدو.

عكس تدخل إدارة جو بايدن ومتابعتها للأزمة، خشية أميركية من سيناريو التصعيد العسكري في المنطقة، الأمر الذي لا ترغب فيه الإدارة الأميركية، ويتعارض مع أجندتها وأولويات سياستها الخارجية، في ظل الانشغال الدولي بالحرب في أوكرانيا والتنافس الأميركي-الصيني وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية إلى الوساطة وتفعيل سريع ومباشر للأداة الدبلوماسية وإرسال مبعوث خاص لمتابعة الأزمة وطرح حل وسط يقضي بإنهاء إنشاء السياج حول قرية الغجر اللبنانية مقابل إزالة خيمة حزب الله. 

ترى أوساط العدو أن الردع الإسرائيلي يحتاج إلى ترميم على مختلف الجبهات، وأن سياسة العدو تجاه أزمة خيمة حزب الله هي امتداد للسياسات الخاطئة التي اتبعها العدو، وأدت إلى تأكّل الردع، وتحمّل حكومة نتنياهو، ائتلاف المعارضة وحكومته السابقة برئاسة يائير لابيد مسؤولية تأكّل الردع تجاه حزب الله، بسبب إذعانها لشروط الحزب في أزمة حقل "كاريش"، فيما تعتبر المعارضة أن فشل نتنياهو تجاه المقاومة الفلسطينية في غزة، لا سيما بعد معركة "سيف القدس"، حيث قامت المقاومة بقصف القدس المحتلة بالصواريخ، ونجحت في الربط بين الساحات وتثوير فلسطينيي الداخل وتثبيت معادلة القدس ومركزيتها في الصراع، وفرض قواعد اشتباك (قصف تل أبيب مقابل قصف الأبراج)، بعد إطلاق عشرات الصواريخ على قلب "تل أبيب"، أدى إلى اهتزاز صورة "إسرائيل" وتأكّل الردع وزيادة جرأة محور المقاومة وتحديه لـ "إسرائيل"، فيما تشير أوساط مقربة من المعارضة أن فشل العدو في حملته على جنين المحتلة، ومساعي نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية والحكومية، يدفعان إلى توتير مختلف الساحات.

إنّ تبادل الحزب والعدو التصريحات ذات النبرة الحادة، والتي أكّدا فيها استعدادهما لاستخدام القوة العسكرية والدخول في حرب طاحنة، في حال تمسك الطرف المقابل بموقفه، لا يعني أن سيناريو تطور أزمة خيمة حزب الله إلى اندلاع مواجهة عسكرية هو السيناريو المرجح، لكن كل طرف سيسعى للحصول على إنجاز بأقل الخسائر، في هذه المرحلة، على الأقل، على نحو لا نستبعد فيه سيناريو نجاح الجهود الدبلوماسية في حل الأزمة، أو إيجاد حل هادئ لها. وعلى الرغم من ذلك، وبصرف النظر عن مآلات الأزمة وسبل معالجتها، فإنها أكدت المؤكد، وهو أن "إسرائيل" فقدت قدرتها على الردع، وتتحوّل رويداً رويداً من "الدولة" التي لا تقهر إلى "الدولة" التي لا تنتصر، حتى ولو في "معركة" بمستوى "إزالة خيمة".

المصدر: الميادين نت