2024-11-25 10:46 م

عملية مجدو.. الدلالات الأمنية وسيناريوهات التوظيف

2023-03-20

في قراءة المشهد بعد عملية مجدو، فإنَّ حال التكتم والتضخيم، ومن ثم التوظيف، هي خطة إسرائيلية مقصودة كنوع من الضغط على الشارع الإسرائيلي المنتفض في وجه نتنياهو.

بعد أيام من التعتيم الإعلامي، كشفت "إسرائيل" معلومات عن منفّذ عملية مجدو بعد تفجير عبوة ناسفة قرب مفترق مجدو أدت إلى إصابة مستوطن إسرائيلي في الشمال الفلسطيني المحتل، لكنَّ هذا الحدث لاقى تضخيماً إسرائيلياً كبيراً جعل بنيامين نتنياهو يقلّص فترة زيارته الخارجية لبرلين إلى يوم واحد فقط، ويأمر وزيره سموتريتش بالعودة أيضاً من زيارة كانت مقررة للولايات المتحدة الأميركية.

وانشغلت المستويات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية بمحاولة فكّ لغز المنفذ وكيفية دخوله عبر الحدود الشمالية إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما رجَّحت القناة الإسرائيلية الـ12، وفق تقديراتها، أنّ تفجير العبوة الناسفة في مجدو كان عملية مشتركة بين حزب الله اللبناني وحماس في لبنان، فيما قال المراسل العسكري لإذاعة "جيش" الاحتلال دورون كدوش إن "حماس لديها تشكيلات عسكرية في لبنان يقودها الرجل الثاني في الحركة صالح العاروري، ومن غير المستبعد انتماء المنفذ إلى أحدها".

تساؤلات مهمة تطرح نفسها بعد هذه التطورات المفاجئة حول الهدف الإسرائيلي من التكتم على الأمر أولاً، ثم تضخيمه وتوظيفه بهذه الطريقة: هل لمثل هذا الحدث ارتباط بالأزمة الداخلية غير المسبوقة في "إسرائيل"؟ وهل يستدعي الحدث اختصار نتنياهو جولته الأوروبية والعودة، وأَمْر الوزير سموتريتش بالعودة ووقف زيارته للولايات المتحدة الأميركية؟ وماذا عن مدلولات حادثة التفجير في العقل الأمني الإسرائيلي؟

الافتراض القائم في المؤسَّسة الأمنية الإسرائيلية مفاده أنّ كل عملية تحدث على طول الحدود الشمالية تمر بموافقة من حزب الله، والتحقق من علاقة المنفذ بحزب الله يعني بالنسبة إلى "إسرائيل" اشتراك الحزب بهجوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يستوجب رداً إسرائيلياً، وهو أمر قد يقود إلى تصعيد كبير على الجبهة الشمالية، وبالتالي اتخاذ مثل هذا القرار لن يكون أمراً سهلاً بالنسبة إلى نتنياهو الذي يعاني وحكومته أزمة أمنية وسياسية حقيقية وسط تصاعد حالة الاستقطاب والاحتراب السياسي والتظاهرات احتجاجاً على الانقلاب القضائي المزمع تمريره.

في قراءة المشهد بعد عملية مجدو، فإنَّ حال التكتم والتضخيم، ومن ثم التوظيف، هي خطة إسرائيلية مقصودة كنوع من الضغط على الشارع الإسرائيلي المنتفض في وجه نتنياهو، في وقت تعيش حكومة الائتلاف اليمني المتطرف أزمة داخلية خانقة، تسببت بإحداث انقسام عمودي وأفقي يشكل تهديداً لمستقبل وجود الكيان الإسرائيلي وتركيبته التي أصبحت تعيش الانقسام والتشرذم وتطفو عليها الصراعات غير المسبوقة.

وبناءً عليه، يمكن قراءة الأهداف والدلالات والمآرب الكامنة وراء التضخيم والتوظيف الإسرائيلي على الشكل الآتي:

- تركيز الإعلام الإسرائيلي على تداعيات عملية مفترق مجدو لم يكن عبثياً بالمطلق، بل إنه يعكس زيادة حجم التهديدات الأمنية في "إسرائيل"، في وقت عجزت وفشلت في إيجاد حلّ لعقدة العمليات الفردية وانتشار ظاهرة العبوات التفجيرية الجانبية التي بدأت تنتشر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يسجّل فشلاً إسرائيلياً كبيراً في إحباطها، رغم الادعاءات الإسرائيلية بامتلاكها أجهزة قدرات تكنولوجية قادرة على إيجاد حل لمثل هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة.

- طبيعة الحدث خطرة جداً بالنسبة إلى الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، لكون المتسلل اجتاز مسافة كبيرة وهو مجهّز بالسلاح والعتاد، وعاد إلى المسافة ذاتها قرب الحدود الشمالية، حيث تم اكتشافه وقتله على مقربة من الحدود.

هذا الأمر يكشف إخفاقاً واضحاً للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، ويسبب لها حرجاً شديداً أمام الجمهور الإسرائيلي، إضافةً إلى ما يفرضه هذا الحدث من سيناريوهات أكثر خطورة يمكن أن تقع وتتكرر في المستقبل على هذا النحو انطلاقاً من الجبهة الشمالية، في ظل معادلات الردع القائمة التي فرضتها المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي ما زالت قائمة حتى اللحظة.

- كُشف عن الحدث في وقت تمرّ حكومة نتنياهو بعلاقات متوترة مع الإدارة الأميركية، كما أن نتنياهو لم يُدع حتى اللحظة لزيارة البيت الأبيض، وهو لا يريد لأيِّ وزير أن يسبقه إلى واشنطن قبل دعوته رسمياً. ينسحب هذا الأمر على بعض العواصم الأوروبية التي وجهت عواصمها انتقادات واضحة وصريحة إلى الائتلاف اليميني بزعامة نتنياهو على خلفية الانقلاب القضائي المتوقع.

- جاء الإعلان عن عملية مجدو في وقت تم التوقيع على اتفاق لعودة العلاقات السعودية مع إيران برعاية صينية، وهذا بحد ذاته يقلل من القيمة الإستراتيجية لـ"إسرائيل" التي كانت تطمح إلى تطبيع قريب مع السعودية أو أي من الدول العربية، وهو ما كان سيشكّل إنقاذاً لنتنياهو وحكومته التي تمر في أزمة سياسية خانقة.

- زعمت الأوساط الإسرائيلية أن الدافع الرئيس لاختصار زيارة نتنياهو إلى برلين ولندن هو التطور الأمني الخطر في مجدو، لكنَّ الحقيقة تكمن في حجم العلاقات المتوترة التي برزت في الآونة الأخيرة مع التجمعات اليهودية في العالم الغربي. وللمرة الأولى، تجتمع غالبية ممثلي هذه التجمعات، ومعها المهاجرون الإسرائيليون الجدد، على التظاهر وانتقاد الانقلاب القضائي والقانوني المزمع تمريره.

- استثمار الموضوع سياسياً والضغط على القوى المتصارعة في الساحة الإسرائيلية، سواء كانت من الائتلاف الحاكم أو المعارضة، ومن الناحية الأمنية، في وقت صدرت تصريحات واضحة عن جنرالات سابقين، مثل عاموس يادلين، الذي دعا نتنياهو إلى النزول عن الشجرة، واصفاً الوضع الأمني الإسرائيلي بأن يمر بأسوأ حالاته.

ثمة مقاربة أخرى يمكن قراءتها لحدث مجدو أمام حال التضخيم الإعلامي والأمني الكبيرة هي تلافي فضائح حكومة نتنياهو وأزمتها الحقيقية التي تتعمق يوماً بعد يوم، وربما التمهيد لأحد المسارين وتوظيفهما وفق الآتي:

المسار الأول: تمرير القوانين المزمع تعديلها بما يصبّ في مصلحة حكومة نتنياهو والتمسك بالوزراء الفاشيين بن غفير وسموتريتش وإطلاق العنان لهما للتغول أكثر على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 في إطار مخطط حسم الصراع بالقوة مع الشعب الفلسطيني. هذه المسألة تندرج ضمن المحددات الثابتة لحكومة نتنياهو.

المسار الثاني: التحضير لسيناريو استعداد نتنياهو لمعركة مواجهة مع الصهيونية الدينية بهدف إخراجهم من الحكومة والتأسيس لتحالف جديد مع قوى يمنية أخرى. هذا الأمر يستدعي استعداداً أمنياً في وقت تمتلك القوى الفاشية ميليشيات مسلحة، ولديها امتدادات قوية داخل مؤسسة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي.

تحت ضغط المخاطر الأمنية وتوظيف حدث مجدو، ربما أصبحت هناك رغبة كبيرة لدى نتنياهو في مغادرة مربع المراوحة والانتقال إلى مربع حسم رزمة القوانين المزمع تغييرها، والتي مررها بالقراءة الأولى في الكنيست الإسرائيلي قبل أيام. هذا هو الأمر نفسه الذي يشكّل حرجاً شديداً للمعارضة الإسرائيلية التي ما زالت تصمّم على النزول والاحتكام إلى الشارع وتصارع من أجل البقاء.

المصدر: الميادين