2024-11-27 10:44 م

عام صعب على العرب: أنين الفقر والبطالة

2022-12-29

يتأهب الشارع العربي لاستقبال العام الجديد بمزيد من تدهور الأوضاع المعيشية، وسط توقعات بتواصل موجات الغلاء وتوسع فجوة الفقر وتفاقم البطالة وتهاوي العملات.

وفي الوقت الذي حاولت فيه دول تخفيف الأوجاع الحياتية عبر زيادة الأجور، مثل الجزائر، اتجهت دول أخرى إلى تقليص الدعم، مثل مصر، لمواجهة أزمتها المالية الخانقة.
وتصاعد غضب الشارع في المنطقة لدرجة تهديد منظمات عمالية باحتلال الشوارع في مواجهة السلطة كما حدث في تونس، أما الدول التي تعاني من الاضطرابات، ومنها اليمن، فلم يجد المواطنون سوى جيوب فارغة وسط غلاء فاحش.

حكومة مصر ترفع أسعار السلع المدعمة خلال أيام
يستعد المصريون لعام جديد من الصعوبات المعيشية، إذ بادرت الحكومة باتخاذ قرار جديد بزيادة أسعار السلع التموينية المدعمة خلال الأسبوع المقبل، في ظل خطة تستهدف تقليص الدعم، الأمر الذي يزيد أعباءهم الحياتية.

وأرسلت وزارة التموين قائمة بأسعار السلع التموينية الجديدة على بطاقات الدعم العيني في محلات البقالة والمكلفين بتوزيع السلع التموينية، والتي ستصرف بحد أقصى لأربعة أفراد على البطاقات المُصدرة حديثاً.


وعلى سبيل المثال رفعت الوزارة سعر السكر من 10.5 جنيهات إلى 14 جنيهاً، وزيت الخليط 600 غرام للعبوة، من 24 إلى 30 جنيهاً، والأرز المعبأ من 11 إلى 14 جنيهاً (الدولار = نحو 24.7 جنيهاً).

وتشمل قائمة الأسعار المتزايدة 40 سلعة، تدفع بها وزارة التموين، ليحدد حامل بطاقة الدعم أولوية احتياجاته من المشتريات، أي في حدود 50 جنيهاً لكلّ فرد بالأسرة.

وجاء القرار المفاجئ من الوزارة في وقت تشن فيه حملة موسعة بالأسواق لمواجهة ما تسميه "حملات مكبرة لملاحقة المحتكرين للسلع بالأسواق، والتصدي لجشع التجار".

وقال وزير التموين المصري على المصيلحي، في بيان صحافي، إن الوزارة حددت أسعاراً إرشادية للسلع الأساسية بالأسواق، كالسكر والزيوت والدقيق.
وسمحت شعبة القصابين لمحلات الجزارة برفع أسعار اللحوم البلدية، بمبلغ يتراوح ما بين 10 و20 جنيهاً للكيلوغرام بالمناطق الشعبية، بعد الارتفاع الشديد في تكلفة الأعلاف.

وبدأ بيع كيلوغرام اللحوم الحمراء اعتباراً من أمس الثلاثاء بسعر 190 جنيهاً بدلاً من 170 جنيهاً، وزادت أسعار اللحم الضاني (الضأن) من 180 إلى 200 جنيه للكيلوغرام.

وأشار مساعد وزير التموين إبراهيم عشماوي، في بيان، أول من أمس، إلى استقرار أرصدة الدولة من السلع الغذائية، وكفايتها لمدد تتراوح ما بين 5 إلى 12 شهرا، بخاصة اللحوم الحمراء الحية التي تكفي لمدة 12 شهراً والدواجن المجمدة، وذلك لمواجهة احتياجات المواطنين لخمسة أشهر.

وكشفت ملامح موازنة العام المالي 2022-2023، التي أصدرها وزير المالية المصري محمد معيط، هذا الأسبوع، عن توجه لخفض مخصصات الدعم للسلع التموينية، فسره محللون بأنه جاء متوافقاً مع اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على تخفيض ميزانية الدعم العيني للسلع، والتوجه نحو الدعم النقدي الذي سيصرف للعائلات والأفراد الأكثر فقراً.

ويؤكد المحللون أنّ رفع أسعار السلع التموينية جاء متناقضاً مع حركة التراجع العالمية في أسعار القمح والزيوت والسلع الأساسية، بعدما شهدت حالة من الارتفاعات الكبيرة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط الماضي، إثر التزام الطرفين المتحاربين بتأمين سريان تصدير السلع للدول، وخاصة الفقيرة المتضررة من الحرب، والتي تأتي مصر على قمتها، باعتبارها أكبر مستوردي القمح والزيوت من الطرفين.

ويرجع خبراء اقتصاد ارتفاع الأسعار محلياً، إلى تراجع سعر الجنيه، وشح الدولار الذي تحتاجه الدولة والموردون، لدفع قيمة الواردات.

وقرر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي منح أولية للإفراج عن السلع الاستراتيجية، ومكونات التصنيع الغذائي، والأدوية، ومستلزمات الإنتاج، لاحتواء أزمة ارتفاع الأسعار المتصاعدة بشكل يومي.

وكشف بيان لمجلس الوزراء عن تخصيص 300 مليون دولار للإفراج عن سلع قيمتها 5 مليارات دولار الشهر الحالي، منوها بوجود بضائع أخرى متراكمة في الموانئ قيمتها 9.5 مليارات دولار، تحتاج إلى مزيد من الدولارات لإخراجها من الجمارك.

وقفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى 19.2% خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من 16.3% في أكتوبر/ تشرين الأول السابق له، ليسجل أعلى مستوياته في خمس سنوات، في ظل أزمة عملة خانقة، تسببت في ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه بأكثر من 50% خلال العام الحالي فقط، بينما بقيت العملة الخضراء عزيزة على أغلب الراغبين في شرائها بمصر.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في مصر، مؤخراً، أنّ التضخم الشهري في البلاد سجل 2.5% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقارنة بالشهر السابق له.

اليمنيون على أعتاب عام جديد من التردي المعيشي: جيوب فارغة

يستبعد المواطن الخمسيني قائد العزعزي، أن يحمل عام 2023، أي جديد لتحسين أوضاع اليمنيين بعد عام يصفه وكثيرون بالأصعب والأقسى على كافة المستويات منذ بدء الحرب والنزاع في البلاد العام 2015.

يقول العزعزي، من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، ويعيل أسرة مكونة من تسعة أفراد، لـ"العربي الجديد"، إن "المجتمع الدولي والأمم المتحدة تخلوا عنا وتركونا لسلطات يصفها بالجشعة تستبد بنا وتمعن في تجويعنا وإفقارنا".

يتفق معه كلاً من حسن الكينعي من سكان حجة، وياسر عواس من الحديدة، شمال غرب اليمن، على صعوبة وتردي أوضاعهم المعيشية، مؤكدين في حديثهما لـ"العربي الجديد"، تطلعهما في العام الجديد لاستعادة مصادر العيش التي افتقدها المواطنون هذا العام.

ويطوي اليمنيون عاما لا يختلف عن سابقيه منذ بدء الحرب في عام 2015، وسط توسع فجوة الفقر والجوع والبطالة وتمدد الأزمة الإنسانية لتشمل معظم السكان في البلاد حيث شهد الربع الأخير انسداد أفاق الحلول السلمية التي بدأت بالظهور لأول مرة بعد أكثر من سبع سنوات مع إبرام اتفاق الهدنة في إبريل/ نيسان الماضي والذي ساهم في تراجع المواجهات العسكرية وبدء سريان حلول جزئية لبعض الأزمات الاقتصادية العالقة لتتوقف في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 2022.

ناشط اجتماعي من مدينة شبوة جنوب اليمن، فهيم العولقي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن سكان محافظة شبوة كانوا الأكثر تضرراً ومعاناة في عام 2022، بعد استحواذ المحافظة على الجزء الأكبر من الأحداث والتوترات في اليمن عقب سنوات من الاستقرار النسبي وما ألقت به من تبعات ساهمت في تأزيم الأوضاع المعيشية وتدهور الخدمات العامة خصوصاً الكهرباء.

وشهد عام 2022، تدهور متواصل للخدمات العامة في معظم المناطق والمحافظات اليمنية وانهيار مصادر الدخل وسبل العيش وتنامي كارثي لمخاطر الأزمات الاقتصادية خصوصاً الدولية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

في هذا السياق، استطلعت "العربي الجديد"، آراء عدد من سكان وتجار وخبراء اقتصاد وناشطين اجتماعيين في مدن ومناطق يمنية، وكان انعدام سبل العيش وتلاشي السيولة في مقدمة الأزمات التي أكدوا أنهم يعانون منها.

ويعد الغلاء وتراجع فرص التشغيل المعضلتين الأساسيتين اللتين تواجهان المواطنين إلى جانب عدم انتظام صرف رواتب الموظفين المدنيين الذين يتطلع جزء كبير منهم إلى أن يحمل عام 2023، أي بوادر أو مؤشرات لحلها بما يساهم في تحسين الأوضاع المعيشية المتردية وارتفاع عدد السكان الذين يعانون جراء انهيار الأمن الغذائي إلى نحو 20 مليون شخص منهم 17 مليونا بحاجة ماسة للمساعدات الإغاثية.

ويشير الخبير في وزارة الزراعة والري كمال القرمي، إلى أن الزراعة في اليمن مقبلة على عام سيكون، حسب وصفه، كارثيا على أهم قطاع إنتاجي وتشغيلي في البلاد بسبب تكالب عوامل عديدة كالأزمة الناتجة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، فضلاً عن الجفاف والتغيرات المناخية.

وعلى الرغم من محدودية فترة الهدنة "سته شهور" وعدم وجود أي مسوحات أو دراسات أو أعمال تحليلية لنتائجها وآثارها على مجمل المكونات والفئات في اليمن وعلى أداء القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هناك العديد من المؤشرات الإيجابية التي حملتها كتوفير أكثر من 1.4 مليون طن من المشتقات النفطية المختلفة وبما يفوق ثلاثة أضعاف الكمية التي دخلت عبر ميناء الحديدة في عام 2021، وتشغيل أكثر من 60 رحلة تجارية من مطار صنعاء الدولي إلى العاصمة الأردنية عمّان نقلت أكثر من 35 ألف مسافر.

ناشط اجتماعي من مدينة شبوة جنوب اليمن، فهيم العولقي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن سكان محافظة شبوة كانوا الأكثر تضرراً ومعاناة في عام 2022


ترصد "العربي الجديد"، في هذا الصدد، نحو سبع جرعات سعرية في الوقود شملت معظم المناطق اليمنية في العام 2022، تراجع أسعار صفيحة البنزين الواحدة بسعة 20 لتراً الأسبوع الماضي إلى 10 آلاف ريال من 12 ألف ريال نتيجة لاتفاق الهدنة بين أطراف الصراع والذي سهل مرور سفن الوقود التي تغذي مناطق سيطرة الحوثيين.

وبينما لم يكن هناك أي تحسن في سعر صرف العملة المحلية التي استمرت بالاضطراب، ارتفعت حدة أزمة الجبايات المفروضة من قبل السلطات المتعددة في البلاد، إذ يكشف رصد "العر بي الجديد"، عن حلولها في المرتبة الثانية في قائمة الأسباب التي أدت إلى زيادة أسعار الغذاء في اليمن في العام 2022، بعد أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا بنسبة تزيد على 50%.

يلفت التاجر، عبد الباقي الحداد، إلى أن العام 2022، شهد أكبر ركود في الأسواق اليمنية في ظل تفاقم التحديات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا وما فرضته من قيود على الاستيراد وعديد المتغيرات في الأسواق العالمية وتصدير القمح والحبوب والغذاء وارتفاع تكاليف التوريد بأكثر من 60%، إضافة إلى أزمات النقل التجاري المحلي والجبايات وتأثيرها الكبير على تجار اليمن.

يرى تجار ورواد مشروعات وأصحاب أنشطة اقتصادية أن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين إلى جانب كونها حق إنساني أصيل لفئة واسعة من الشعب اليمني، فإنها تمثل أحد مصادر الطلب الكلي في الاقتصاد اليمني ولها دور كبير في إنعاش الحركة التجارية والاقتصادية والاستثمارية، وبالتالي زيادة مستويات التشغيل وتوظيف الأيدي العاملة.

وفي هذا السياق، يعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، علي سيف كليب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أزمة انعدام السيولة لدى غالبية اليمنيين أهم المشاكل التي حملها عام 2022، وستلقي بتبعاتها على العام الجديد 2023، وذلك مع استمرار أزمة رواتب الموظفين المدنيين بدون حل للعام السادس على التوالي، وفقدان الكثير لمصادر عيشهم ودخولهم، إضافة إلى انكماش الاقتصاد الوطني بشكل كبير ومؤثر.

وحسب البنك الدولي في تقرير حديث، فإن انكماش الاقتصاد اليمني وصل إلى أكثر من 40% منذ عام 2015، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

وخلص التقرير الصادر منتصف عام 2022، إلى اشتداد المصاعب التي يواجهها اليمنيون بعد نحو أكثر من سبع سنوات على الصراع الدائر في البلاد، حيث تفاقمت الأزمة الإنسانية التي تمر بها البلاد، وهي بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات التي شهدها العالم وفقاً للأمم المتحدة، إضافة إلى نزوح أكثر من 3.6 ملايين يمني، وتدهور إمكانية حصول المدنيين على الخدمات الأساسية وسبل كسب العيش.

 
سورية: أزمة الطاقة تتحول إلى عطش وجوع
تفاقمت أزمة شح الطاقة في سورية، والممتدة منذ الشهر الفائت، لتطاول قطع المياه عن ريف دمشق، بحسب تصريحات مدير مؤسسة المياه بالعاصمة السورية، محمد عصام الطباع، منتصف الاسبوع الجاري.
كما رفعت الأزمة من أسعار السلع والمنتجات الاستهلاكية بأكثر من 30% بحسب تصريحات عضو لجنة تجار ومصدري الخضر والفواكه في دمشق، محمد العقاد، ليأتي توقف النقل لكبرى الشركات السورية قبل أيام قليلة، على ما تبقى من قطاعات إنتاجية وخدمية، بعد أن طاولت آثار نفاد المحروقات، قطاعات الزراعة والصناعة وأدخلت البلاد في دوامة أزمات.

اضطراب الأسواق
"شلل تام اليوم بعد توقف النقل"، هكذا وصف التاجر، مأمون الريّس، من دمشق واقع الأسواق بمناطق سيطرة نظام بشار الأسد، كاشفاً خلال اتصال مع "العربي الجديد" إعلان أكبر ثلاث شركات نقل برى بسورية (الأهلية، السراج والقدموس) التوقف عن العمل لعدم توفر المازوت والبنزين.
وأشار التاجر السوري إلى أن توقف النقل البري "يعني عدم وصول العمال للمنشآت وتعطل وصول البضائع والسلع للأسواق"، مضيفاً أن "إيجار السيارة الخاصة، من مدينة حمص وسط سورية إلى العاصمة دمشق (نحو 150 كلم) وصل إلى 800 ألف ليرة سورية (الدولار = نحو 6200 ليرة)، فماذا يمكن أن يحقق التاجر أو الصناعي من أرباح بعد أجور النقل؟". وأوضح أن الأسعار ارتفعت أكثر من 30% بعد رفع أسعار البنزين والمازوت.
وكشف الريّس لـ"العربي الجديد" أن سبب توقف التجار وبعض المنشآت الصناعية، عن الاستيراد هو توقف المصرف المركزي "كلياً" عن تمويل المستوردات أو منح قطع أجنبي للتجار.
وحول تحويل ثمن البضائع بالليرة ولشركات الصرافة حصراً، يجيب الريّس أن ختم إجازة الاستيراد من وزارة التجارة لا يتم، إلا بعد تحويل ثمن البضاعة بالليرة ووفق سعر الدولار بالسوق، الأمر الذي دفع التجار، إلى وقف الاستيراد.
وتطابقت الآراء حول "شلل الاقتصاد السوري"، إذ يؤكد أكثر من مصدر لـ"العربي الجديد" وصول الوضع الاقتصادي والمعيشي داخل سورية "إلى مرحلة العدم" بواقع ارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء لأكثر من 22 ساعة يومياً، وندرة المحروقات ما أوصل سعر ليتر المازوت بالسوق السوداء لنحو 10 آلاف ليرة في حين تعدى سعر ليتر البنزين 13 ألفاً.
وليس توقف أكبر شركات نقل بري داخلي بسورية أو تهاوي سعر صرف الليرة إلى الأدنى بتاريخ سورية "هو كامل المشهد" بل هناك مؤشرات، يصفها الاقتصادي السوري، محمود حسين، بالأخطر منذ عام 2011.
وأشار إلى تمدد عطلة الأعياد وإغلاق المؤسسات الحكومية، لعدم توفر المشتقات النفطية والكهرباء، فهذا برأيه "مؤشر ينذر لما بعده".
والقصة هذه المرة، ليست فجوة بين الدخل والإنفاق، بل شلل للأسواق بعد توقف منشآت صناعية وخدمية وانعدام القدرة الشرائية للسوريين حسب حسين.

ارتفاع الأسعار
بدّل قرار حكومة بشار الأسد، الأسبوع الماضي، برفع سعر البنزين من 2500 إلى 4900 ليرة لليتر ورفع سعر ليتر المازوت إلى 3000 ليرة، من معادلة تكاليف الإنتاج والسعر النهائي للمواد والسلع الغذائية والاستهلاكية.
وبلغ سعر كيلو البندورة "طماطم" بدمشق نحو 2500 ليرة وارتفع سعر كيلو البطاطا والخيار إلى 3500 ليرة. وسجلت اللحوم رغم تراجع المبيعات نحو 50 ألف ليرة للخروف و25 ألفاً لشرائح الدجاج.
ويقول الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم، إن لم نتوقف عند "كوراث سوء التغذية" جراء ارتفاع الأسعار وعجز المستهلك السوري، نسأل أولاً عن سبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية بواقع تراجع سعرها العالمي.
وكشف لـ"العربي الجديد" أن الشحنات النفطية الإيرانية لم تزل تدخل الأراضي السورية، لكنها تدخل ليتم تكرير النفط الخام إلى مشتقات وتعاود الخروج والتصدير من الموانئ السورية. وأضاف: "يبقى جزء من حمولة البواخر تتحكم به الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد أو تعطى لشركة قاطرجي وباسل شوكت لتباع بالسوق بضعفي السعر الرسمي".
وفي حين يصف الجاسم قرارات حكومة الأسد بـ"المتخبطة" التي لا تنظر سوى لتحصيل الأموال من جيوب المواطنين، يرى أن المشتقات النفطية هي عصب الاقتصاد غير مستبعد مزيداً من الشلل والأزمات، ليأتي "إضراب" شركات النقل الإثنين الماضي، نتيجة عدم توفر المحروقات، ضربة إضافية للاقتصاد السوري.

شلل النقل
يجمع سوريون أن تعطيل النقل العام وتوقف النقل الداخلي بين المحافظات، سيزيد من حدة الأزمة وانعكاساتها على العمل العام والاقتصاد الكلي، متوقعين تدخلاً حكومياً سريعاً "بشكل أو بآخر"، لأن الهروب وزيادة أيام العطل الأسبوعية أو عطل الأعياد، لن تحل الأزمة.
وحسب مصادر خاصة من دمشق، يعاني أصحاب السيارات من خسائر تتجاوز نصف مليون ليرة شهرياً، نتيجة تأخر رسائل استلام مخصصات البنزين واضطرارهم لشراء البنزين والمازوت من السوق السوداء.
وتؤكد المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد" تأخر وصول رسائل البنزين المدعوم من الحكومة للسيارات العامة إلى 12 يوماً بدلاً من 6 أيام، في حين بلغ التأخير 22 يوماً بدلاً من 10 أيام لأصحاب السيارات الخاصة.
وطاولت أزمة شح وغلاء الوقود الشاحنات المحملة من مرفأ طرطوس والمتوقفة عند مكتب الدور منذ أيام تنتظر المازوت بحسب ما نشرت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام الإثنين الماضي.
ويقول مدير مكتب تنظيم نقل البضائع بطرطوس، محمد عبد الرحمن، خلال تصريحات أول من أمس، إن المشكلة كبيرة فعلاً، مشيراً إلى وجود نحو سبعمائة شاحنة محملة بمختلف المواد للقطاعين العام والخاص وكلها تنتظر مادة المازوت والكمية التي تأتي إلى محطة المكتب قليلة مقارنة بالكميات التي تحتاجها الشاحنات المحملة والتي لا تقل عن 240 ألف ليتر وأنهم يعطون الأولوية بتعبئتها للشاحنات المحملة بالقمح.
بدوره، أكد محافظ طرطوس عبد الحليم خليل مخاطبة وزير النفط قائلا: "وجهنا كتاباً للوزارة لشرح الواقع وطلب زيادة للمازوت لتعبئة هذه الشاحنات وتعبئة شاحنات أخرى يتم تحميلها في المرفأ حالياً".

حصار الزراعة
تبقى الزراعة أهم عوامل قوة الاقتصاد السوري، كما يقول المهندس، يحيى تناري، لكن أزمة المحروقات بالتزامن مع مشاكل البذور ستؤثر على موسم الحبوب للعام المقبل، كما تلحق بالفلاحين الآن، خسائر فادحة جراء تشغيل المولدات والآلات الزراعية وارتفاع أجور العمال والنقل.
ولا يستبعد المهندس الزراعي خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إحجام بعض المزارعين عن استئجار الأراضي، لأن تكاليف الإنتاج، من ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والمحروقات، يجعل العمل الزراعي "مقامرة" بواقع تحديد الأسعار وإلزام الفلاحين على تسليم المحاصيل للمؤسسات الحكومية.
وفي حين يحذر المتخصص السوري من انهيار الإنتاج الحيواني نظراً لحاجة مزارع الدجاج للتدفئة وتراجع إنتاج الزراعة المحمية "بيوت بلاستيكية" نظراً لحاجة البيت الواحد إلى 1500 ليتر مازوت بالموسم، يضيف تناري أن الحكومة السورية، بقرارات الانسحاب من دعم المحروقات، تدفع المزارعين للخسائر، بدل من أن تدعم الإنتاج الزراعي لتأمين حاجة البلاد، خاصة من القمح بعد التراجع الكبير من نحو 4 ملايين طن إلى نحو 1.5 مليون.
بالمقابل، لم يستبعد عضو مجلس الشعب زهير تيناوي، رفع سعر مادة الخبز بعد زيادة سعر المازوت المدعوم المخصص للمخابز، مشيرا خلال تصريحات الإثنين الماضي، إلى ضرورة تعديل الرواتب والأجور للعاملين في الدولة من أجل تحسين الوضع المعيشي للمواطن الذي أصبح حالياً غير مقبول أبداً.

توقف آلات الإنتاج
تجلت أزمة ندرة المحروقات، بشكلها الأكبر على المنشآت الصناعية، بحسب ما يؤكد الصناعي السوري، محمد طيب العلو، لـ"العربي الجديد" لأن شراء المازوت بسعر 10 آلاف ليرة، لتشغيل الآلات أو الكهرباء بالمنشآت، سيرفع من تكاليف الإنتاج ويفقد السلعة السورية القدرة على المنافسة بالخارج أو وجود مستهلك محلي.
ويضيف العلو لـ"العربي الجديد" أن أزمة شح المشتقات النفطية أثرت على وصول المواد الأولية الداخلية بالإنتاج من مرفأ طرطوس، مشيراً إلى ما وصفه بتدمير ممنهج للصناعة وتهجير لما تبقى في سورية، بعد المعيقات والملاحقات والإتاوات، لتأتي المشتقات النفطية وقطع الكهرباء، كنهاية للصناعة السورية.
وكان الصناعي برهان عبود قد أكد خلال حديث سابق لـ"العربي الجديد" أن حكومة بشار الأسد لم تسلم المازوت للصناعيين وفق سعر 2500 ليرة، مضيفاً أن ظروف العمل "سيئة للغاية".

الليرة حبل مشنقة
يبقى تدهور العملة السورية ربما، السبب الرئيس بتعرية الاقتصاد ومفاقمة معيشة السوريين، بعد أن هوت إلى أدنى قاع لها منذ 11 عاماً، مسجلة 6200 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، في حين لم يزد سعر صرف العملة الأميركية عن 50 ليرة قبل عام 2011.
ولم تجد حكومة الأسد التي توقفت عن التدخل المباشر بالسوق لوقف انهيار العملة الوطنية، سوى الملاحقات الأمنية للمتعاملين بغير الليرة، لتوقف، بحسب بيان وزارة الداخلية يوم الاحد الماضي، المتعاملين بالعملات الأجنبية، تطبيقاً لمراسيم نظام الأسد الصادرة عام 2020 بتجريم كل من يتعامل بغير العملة السورية.
ويرى المحلل المالي علي الشامي أن سياسة الملاحقة ستزيد من تدهور سعر الليرة وتحول دون وصول الحوالات الخارجية بالعملات الرئيسية لداخل سورية، بل ستذهب الحوالات، وهي ما تبقى للسوريين والاقتصاد برأيه، إلى أسواق الدول المجاورة وتعود بالليرة، ما يزيد التضخم وتهاوي سعر الصرف.
ويضيف الشامي لـ"العربي الجديد" أن قراري الرقابة على تمويل المستوردات "1070 و1071" ضربة أخرى للصناعة والتجارة والعملة الوطنية، لأن رجال الأعمال بالنهاية، سيذهبون للسوق لتأمين القطع الأجنبي لتسديد ثمن مستورداتهم، الأمر الذي يزيد الطلب على الدولار ويعيق عمليات الإنتاج.
ولا يستبعد الشامي استمرار تهاوي سعر صرف العملة السورية مقابل الدولار، والتي برأيه، لم يعد ما يسندها أو يدعمها، لا تجارة ولا احتياطي أجنبي لدى البنك المركزي ولا حتى قبول من المكتنزين.


المصدر/ العربي الجديد