لا شك أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي اليمينية المقبلة وبلديتها في القدس تتجه أكثر نحو تنفيذ سياساتها وبرنامجها لتهويد المدينة المحتلة بشكل كامل في عام 2023، بعدما أضافت مليار شيقل على ميزانية الاستيطان؛ ما يُنذر بخطر يتهدد مستقبل المدينة وهويتها الفلسطينية.
وتسعى حكومة الاحتلال إلى تكثيف التهويد على عدة مستويات، عبر اتباع سياسات وآليات واضحة، فبعد أن أحكمت القبضة على الشطر الغربي لمدينة القدس، وتم تهويده بشكل شبه كامل سرّعت جهودها نحو إنجاز خططها أيضًا في شطرها الشرقي.
ولم تتوقف عمليات التهويد منذ عام 1967، بل كانت تُنفذ بالتوازي مع رصد ميزانيات ضخمة جدًا، لأجل تنفيذ مخططاتها في المدينة المحتلة، تحت مسميات مختلفة، بهدف تهويد المعالم العربية والإسلامية وطمسها، وتهجير المقدسيين، وكذلك تهويد المسجد الأقصى المبارك.
وصادقت اللجنة المالية التابعة لبلدية الاحتلال على زيادة "ميزانية التطوير" في العام المقبل، لتصل إلى 6 مليارات شيقل، في زيادة وصلت إلى 20% مقارنة بالعام الجاري، كما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية.
وأوضحت أن الميزانية المذكورة هي الأعلى لبلدية الاحتلال في القدس على الإطلاق، وسيتم استغلال المبلغ في عدة مجالات، بينها التعليم و"الرفاه" وتخطيط المدينة والاحتياجات الأمنية.
وتضم الميزانية الجديدة خططًا استراتيجية لتعزيز البناء الاستيطاني في المدينة عبر منح الحوافز للمستثمرين وشق الطرق حول المدينة وداخلها، ضمن خطة شاملة لتعزيز الوجود اليهودي فيها، كما تشمل تطوير البنى التحتية، وتعزيز نظام الحماية عبر نشر المزيد من كاميرات المراقبة المتطورة، وخاصة في الأماكن العامة.
بسط السيطرة
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي يقول إن حكومة الاحتلال وبلديتها تسعى إلى تحقيق حلمها ومشروعها التهويدي في القدس، وردم الفجوة بين شطرها الشرقي والغربي، نظرًا لوجود فجوة كبيرة ناتجة عن سياستها العنصرية بحق المدينة، وخاصة قسمها الشرقي.
ويوضح الهدمي، في حديثه لوكالة "صفا"، أن بلدية الاحتلال مارست وما زالت سياسة عنصرية بحق القدس وأهلها، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بأنها "عاصمة موحدة لإسرائيل".
ولذلك "رأت بلدية الاحتلال أن من صالحها العمل على تطوير الجزء الشرقي وضمه فعليًا لسيادتها والتعامل معه على أنه جزء من عاصمتها، ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والاتفاقيات الدولية بشأن القدس".
ويشير إلى أن الاحتلال بدأ العمل بشكل واضح على ما يُسمى "تطوير البنية التحتية" في الجزء الشرقي وتهويده، كي ينسجم مع شطرها الغربي، وصولًا لاستكمال تهويدها وبسط السيطرة الكاملة عليها، ومحو هويتها العربية والإسلامية.
ويضيف أن "إقرار بلدية الاحتلال الميزانية الجديدة يعني أنها باتجاه تهويد القدس بالكامل، وتغيير ملامحها وطمس معالمها وآثارها وتاريخها، بالإضافة إلى تعويض ما تم إهماله خلال 55 عامًا من احتلال المدينة".
ويحذر الهدمي من خطورة رفع بلدية الاحتلال ميزانية تهويد المدينة، قائلًا: إن "الاحتلال يضرب بعرض الحائط القرارات الدولية والقانون الدولي وواقع القدس، ويفرض أمرًا جديدًا على الأرض، عبر إقرار هذه الميزانيات التي تهدف لإفقاد المدينة هويتها".
ويتابع أن "بلدية الاحتلال تريد أن تظهر للعالم أنها تعمل لأجل رفع مستوى المعيشة لدى المقدسيين، لكن في الحقيقية ما تقوم به على الأرض يستهدف مسح هوية المدينة والسيطرة على المقدسيين، وإظهار نفسها على أنها تُسيطر على مدينة موحدة متكاملة لا يمكن فصلها".
ولذلك سيعمل الاحتلال خلال العام المقبل، كما يؤكد الهدمي، على تنفيذ عشرات المشاريع التهويدية في القدس، سواء على مستوى "تطوير البنية التحتية"، أو غرس بؤر وأحياء استيطانية داخل القسم الشرقي منها، بغية تفتيت الأحياء المقدسية وفصلها عن بعضها.
جزر متناثرة
أما الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات فيقول لوكالة "صفا" إن إضافة بلدية الاحتلال مليار شيكل لميزانية العام 2023، تهدف لاستكمال العملية التهويدية في القدس وأسرلتها، وخاصة في شطرها الشرقي، سيُخصص جزء منها لـ"المراكز الجماهيرية"، كي تحل مكان الأندية والمؤسسات الفلسطينية.
ويضيف أن الميزانية الجديدة ستخصص أيضًا، لأسرلة العملية التعليمية، وبناء المزيد من البؤر والشوارع الاستيطانية في المدينة، وتعزيز الاستيطان، وكذلك تغيير البنية التحتية، وإقامة القطارات الخفيفة.
وفي 13 مايو/ أيار 2018، صادقت حكومة الاحتلال على خطّة بعنوان: "الخطّة الخمسية: تقليص الفجوات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتطوير الاقتصاديّ لشرقيّ القدس، 2018-2023".
ويوضح الكاتب المقدسي أن حكومة الاحتلال تُخصص كل الميزانيات في إطار الحفاظ على ما يسمونه "وحدة مدينة القدس، وأن تبقى موحدة غير قابلة للتجزئة، وأن تصبح عاصمة لكل يهود العالم".
وتخصيص بلدية الاحتلال هذه الميزانيات يعني- وفقًا لعبيدات- أن حكومة اليمين المتطرف المقبلة بصدد القيام بأعمال تغول على كل أبناء شعبنا في القدس، عبر مزيد من هدم وإخطارات المنازل، وتهويد حي الشيخ جراح وبلدة سلوان، وإقامة بؤر استيطانية ووصلها مع بعضها، لتطويق ما يسمى بـ"الحوض المقدس".
ويؤكد أن الاحتلال يعمل على إيجاد أطواق وكتل استيطانية تُحاصر المدينة، وتخترق أحياءها وبلداتها، لجعل كل بلدة وحدة اجتماعية مستقلة عن الأخرى، وبالتالي تحويل البلدات كافة إلى فسيفساء وجزر متناثرة، بما يُغير الواقع الجغرافي والديمغرافي للمدينة، ويُصبح نسبة الفلسطينيين 12%، والمستوطنين 88%.
ولهذه الميزانيات مخاطر كبيرة على المدينة، تستهدف تكريس أن "القدس عاصمة للاحتلال، وغير قابلة للتقسيم"، وإنهاء أي حل سياسي مستقبلًا يضعها على طاولة المفاوضات، وكذلك تغيير مشهدها الكلي، بحيث تبدو وكأنها مدينة يهودية توراتية مصطنعة، بدلًا من كونها عربية إسلامية، وفق عبيدات
المصدر; صفا نيوز