2024-11-25 06:49 م

إيران - الغرب: حرب متعدّدة الجبهات

2022-11-25

ترتفع حدّة المواجهة بين إيران والمحور الغربي، على خلفيّة تورُّط الأخير في الاضطرابات المستمرّة في هذا البلد، سعياً إلى تأجيجها، ومن ثمّ زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية. ويجلّي هذا الاتجاه، حشْد الدول الغربية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة، الموارد والوسائل الملائمة في سبيل تغيير سلوك إيران، أو بمعنى أدقّ تغيير نظامها؛ وهو هدف أَظهرت التجربة التاريخية أنه غاية للاستراتيجية الكبرى للقوى الغربية منذ عقود، إذ تمظهر خصوصاً في سياسة «الضغوط القصوى» التي ورثتها إدارة جو بايدن، فيما لم تَعُد تبدي اهتماماً بإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة». لكن إيران، من جهتها، تأخذ في الحسبان الدور الغربي في تأزيم ساحتها الداخلية، ولا شكّ في أن ردّها يَحتمل، إلى جانب خطوات أخرى مِن مِثل تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، الذهاب بعيداً في التحلُّل من بنود الاتفاق النووي


سلسلة تطوّرات، في الأيّام الأخيرة، تؤشّر إلى ارتفاع حدّة المواجهة بين إيران والمحور الغربي، على خلفيّة التوّرط العلني للمحور المذكور في الأحداث الجارية في هذا البلد، والسعي إلى تأجيجها لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وإضعافها قَدْر المستطاع. قد تكون إحدى ميزات النقاشات الاستراتيجية المستمرّة في الولايات المتحدة، قائدة المحور الغربي بلا منازع في صراعه مع دول كروسيا والصين وإيران، هو جهْرها بالمخطّطات الواجب اعتمادها حيال هذه الدول، والتي كثيراً ما تتحوّل إلى خريطة طريق لسياسات المحور. ما يجري في إيران هو نموذج من ما تَقدّم، حيث تتطابق سياسات القوى الغربية بمجملها مع اقتراحات وتوصيات مجموعة من مراكز الدراسات الأميركية أساساً، أو الخبراء، والتي انطلقت جميعها من قناعة مفادها بأن الرهان على تغيير «سلوك الجمهورية الإسلامية»، أي في الواقع تخلّيها عن ثوابتها وقبولها الإذعان لشروط وإملاءات واشنطن، هو رهان عقيم، وأن المطلوب هو تهيئة الظروف المناسِبة لـ«تغيير نظامها»، عبر حشْد الموارد واستخدام الوسائل الملائمة لذلك.


«الثورة الإيرانية القادمة»، لإريك أيدلمان، المستشار الأوّل السابق في «معهد الدفاع عن الديموقراطية، وراي تكية، المعارض الإيراني المقيم في الولايات المتحدة، المنشورة على موقع «فورين أفيرز»، في أيار 2020، هي، على سبيل المثال لا الحصر، إحدى الدراسات التي تضمَّنت توصيات تَظهر بصماتها على السياسات الغربية الراهنة تجاه إيران. ما يجدر ذكْره هو أن «معهد دراسات الديموقراطية»، واجهة وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، وفقاً لتعبير مديرتها، لعب دوراً حاسماً في بلورة سياسة «الضغوط القصوى» التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ضدّ طهران، كما تفاخر رئيسه، مارك دوبوفيتس، عندما أقرّ بأنه أَرسل كتاب «الانتصار. الاستراتيجية السرّية لإدارة ريغان التي أَسقطت الاتحاد السوفياتي» لبيتر شوايتزر، إلى مايك بومبيو، أيّام كان الأخير مديراً للاستخبارات المركزية، واقترح عليه استلهام هذه الاستراتيجية في المجابهة مع طهران. احتلّ هدف إثارة انقسامات داخلية اجتماعية - سياسية وإثنية وطائفية موقعاً مركزيّاً بين أهداف «الضغوط القصوى»، وهي في الحقيقة حرب هجينة فعليّة شُنّت على هذا البلد. وعلى رغم تغيُّر الإدارة في واشنطن، وإظهار جو بايدن وفريقه، في بداية عهدهم، رغبةً في التوصّل إلى حلٍّ تفاوضي مع إيران يسمح بالعودة إلى التزام الجميع بالاتفاق حول برنامجها النووي، فإن ما أثبتته وقائع جولات التفاوض العديدة حول هذا الملفّ، ورفْض واشنطن رفْع العقوبات والحصار الخانق المفروضَين على الجمهورية الإسلامية، عنى عمليّاً استمرار «الضغوط القصوى» ومفاعيلها على الداخل الإيراني. وبمجرّد انفجار موجة الاحتجاجات وأعمال الشغب والعمليات الإرهابية الراهنة، انقلبت الحمائم الأميركية والأوروبية إلى صقور، ولم يَعُد إحياء الاتفاق النووي وارداً على جدول أعمالهم، ليحلّ «دعم المنتفضين لأجل الديموقراطية وحقوق الإنسان في إيران» في مكانه.

أظهرت التجربة التاريخية أن إسقاط النظام الإسلامي في إيران هو غاية للاستراتيجية الكبرى للقوى الغربية منذ عقود، وأن موافقة «أجنحتها المعتدلة» على الاتفاق النووي معه، انطلقت من فرضيّة أن ما سينجم عنه من تطبيع للعلاقات السياسية والاقتصادية مع طهران، سيُطلق ديناميات داخلية شبيهة بـ«البريسترويكا» تؤدّي إلى انقسامات في نظامها، ومن ثمّ إلى انهياره. فالغاية النهائية لـ«الغرب الجماعي»، بجميع أجنحته، وفي القلْب منه المنظومة الصهيونية، هي إسقاط النظام الإسلامي بما يمثّله من توجّهات مناهضة للهيمنة الإمبريالية، وإنْ اختلفت في ما بينها على التكتيكات الكفيلة بتحقيق ذلك. هذا ما يفسّر إجماع هذه الأجنحة الحالي ضدّ إيران واندفاعها في حملة مسعورة يشارك فيها مسؤولوها السياسيون ووسائل إعلامها، إضافة طبعاً إلى أجهزتها الأمنية المتورّطة ميدانيّاً في عمليات زعزعة الاستقرار الدائرة اليوم. مَن الذي يَدعم المجموعات الانفصالية الكردية المتمركزة في كردستان العراق، والتي تضطلع بدور مركزي في المجابهة الراهنة؟ السؤال نفسه مطروح بالنسبة إلى هوية الجهات المساندة لـ«جيش العدل» البلوشي؟ مَن الذي يعمل على اختراع «رموز» للمحتجّين الإيرانيين، على غرار مسيح أحمدي نجاد، صديقة بومبيو، في سياق مسعى لبناء إطار تمثيلي «لإيران المستقبل» هو بمثابة استنساخ لتجربتَي المجلسَين «الوطنيَّين» الليبي والسوري؟ واشنطن وأتباعها من الأوروبيين هم مَن يتولّى «قيادة الأوركسترا»، ولا شكّ في أن الردّ الإيراني سيأخذ ذلك في الاعتبار.


التصدّي للمجموعات المسلّحة التي صعّدت من هجماتها على القوى الأمنية، وكذلك على مؤسّسات الدولة، يقع ضمن أولويّات السلطات الإيرانية. أنشطُ هذه المجموعات، هي التنظيمات الانفصالية الكردية، كـ«الحزب الديموقراطي الكردستاني» في إيران، وحركة «كوملة» و«حزب بيجاك»، التي تتّخذ من إقليم كردستان العراق قاعدة خلفيّة بكلّ ما للكلمة من معنى، حيث تمتلك معسكرات للتدريب ومراكز عسكرية. القصف الإيراني المتكرّر على هذه المواقع، والتلويح بإمكانية شنّ هجوم برّي لتدميرها، يندرجان في إطار سياسة تصفية أدوات المخطَّط الغربي. الأمر نفسه ينسحب على الجهد الأمني في الداخل الإيراني لكشْف وتحييد الشبكات المنظَّمة التي تدير عمليات التخريب والقتل. غير أن تلك الخطوات لن تكفي لردْع الجهات الغربية عن المضيّ في حربها الهجينة. الغرب المنحدر يبحث عن انتصارات يأمل في أن تتيح تجديد هيمنته، فيخوض حرباً بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا، وحرباً هجينة ضدّ إيران. هو مَن بادر إلى توسيع دائرة المجابهة مع خصومه، ومن المنطقي أن يتعاون هؤلاء للتصدّي له. إنْ صحّت المعلومات التي أوردتها «واشنطن بوست» عن اتفاق بين إيران وروسيا لإنشاء مصانع للمسيّرات في الأخيرة، فإنّ مثل هذا الأمر سيعزّز من قدرتها على مجابهة الحرب الغربية عليها. قرار القوى الغربية بفتح أكثر من جبهة، ولو بالوكالة، يفسح المجال لتعظيم أكلافها في أكثر من ساحة اشتباك. حركات المقاومة معنيّة أيضاً بمنع الاستفراد بإيران، ومواقع تواجد قوات الاحتلال الأميركي في بلدان المنطقة هي أهداف مشروعة في سياق الحرب الراهنة. تعظيم أكلاف سياسات الحرب والعدوان والتخريب والتدمير هي وحدها الكفيلة بحمْل أصحابها على العدول عنها.

بيروت - عرب جورنال