لم يشفع لها زيها المدرسي وحقيبتها الطفولية حين أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار عليها أثناء مغادرتها مدرستها في حي الشيخ جرّاح وسط مدينة القدس المحتلة في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015.
أربع عشرة رصاصة اخترقت جسدها الضعيف وهشمت عظام كتفها ويدها اليسرى، وتُركت تنزف لأكثر من 60 دقيقة دون تقديم الإسعاف العاجل لها، في جريمة مكتملة الأركان، وتعمّد واضح من جنود الاحتلال لقتلها وإهمال علاجها وصولًا لاعتقالها.
ممثلة الأسيرات وزهرةُ السجون الجريحة مرح باكير (23 عامًا)، من بيت حنينا شمالي القدس، قصتُها شاهدة حيّة على مدى عنف الاحتلال الذي يمارس أبشع وسائل التعذيب والتنكيل ضد النساء والفتيات الفلسطينيات على مرأى ومسمعٍ من العالم أجمع.
وتعرضت الأسيرة باكير التي تواجه حكمًا بالسجن لمدة ثمانية أعوام ونصف، قضت منها سبعة، للعزل الانفرادي، وتنقلت بين العديد من السجون، وتعاني إهمالًا طبيًا واضحًا، إذ تماطل إدارة سجون الاحتلال بإجراء عملية جراحية لها في يدها، نتيجة الإصابة.
ويُذكر أنّه في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، تُحيي الجمعية العامة للأمم المتحدة "اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة" للدعوة إلى تطبيق حقوق المرأة، لتأمين القضاء على العنف ضدّها بجميع أشكاله، والتزام من الدول بتحمل مسؤولياتها، والتزام من المجتمع الدولي بمجمله بالسعي إلى القضاء على العنف ضد المرأة".
ويأتي اليوم الدولي، فيما تواجه الأسيرات داخل سجون الاحتلال ظروفًا حياتية واعتقالية قاسية وصعبة، إذ تمارس بحقهن كافة أساليب التعذيب والضغط النفسي والجسدي، دون مراعاة لخصوصيتهن واحتياجاتهن، في محاولة لملاحقة المرأة وردعها وتحجيم دورها.
شبح وتعذيب
من جهتها، تصف الأسيرة المحرّرة نسرين أبو كميل حياتها وتجربتها داخل سجن "الدامون" الإسرائيلي، فتقول: "شعرت بالـ6 أعوام التي قضيتها داخل سجون الاحتلال كأنها 60 عامًا، لكن تلك السنوات لم تثنِ عزيمتي بل زادتني قوة وصمودًا في وجه الاحتلال، ومنحتي الصبر والتحدي".
وعن معاناتها أثناء الاعتقال، تضيف أبو كميل: "تعرضت للشبح 24 ساعة، مع فتح طاقة في سقف الغرفة لسكب الماء البارد عليّ، إضافة إلى إصابتي بأمراض الضغط والسكري والربو، ومعاناتي من آلام في قدميّ، وما زالت آثار الأسر موجودة حتى اليوم".
وحرمت أبو كميل التي اعتقلت في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، من رؤية أبنائها السبعة طيلة فترة الاعتقال، عدا عن تركها طفلها الرضيع ابن الثمانية أشهر وحيدا بعد اعتقالها.
ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل تعمّد قتل فرحتها عقب الإفراج عنها، ومنعها من دخول قطاع غزة، إلا بعد 4 أيام وفقًا لشروطٍ إسرائيلية مجحفة بحقها، منها منع سفرها إلى الداخل المحتل –حيث يتواجد أهلها- لمدة عامين.
وتشير إلى أنّ أبرز ما تمارسه سلطات الاحتلال من انتهاك ضد الأسيرات هو التعذيب النفسي كحرمانهن من رؤية أطفالهن وأهلهن، ومنعهن من الزيارة، والتعذيب الجسدي كالشبح والعزل الانفرادي في زنزانة ضيقة جدًا، عدا عن الإهمال الطبي الذي وصفته بأشد أنواع التعذيب بحق الأسيرات.
وتنقل أبو كميل أمنيات الأسيرات بالحرية وتبييض سجون الاحتلال كافة من الأسرى والأسيرات، وتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، حتى يكون الجميع يدًا واحدة في مواجهة الاحتلال.
عنف منظم
بدوره، رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس يقول إنّ الأسيرات الفلسطينيات يعشن واقعًا صعبًا ومريرًا داخل سجون الاحتلال، ويعاملن معاملة لا إنسانية منذ اللحظة الأولى لاعتقالهن.
ويؤكد فارس أنّ العنف سمة مميزة وأساسية في سياسات حكومة الاحتلال الممارسة بحق الأسرى والأسيرات.
ويضيف أنّ "الأسيرات أكثر من مورس بحقهن العنف المنظم، بدءًا من الطريقة الوحشية التي يتم اعتقالهن بها وعمليات التخريب داخل منازلهن، مرورًا بما يتعرضن له خلال التحقيق من تعذيب وعنف جسدي، ونعتهن بألفاظ بذيئة، حتى طبيعة حياتهن داخل جدران السجن".
وتواجه الأسيرات أيضًا - كما يبيّن فارس - القمع الجماعي، وما يرافقه من عمليات ضرب واعتداء وتنكيل بصورة إجرامية وبشعة، ثم ما يتبعه من نقل بعض الأسيرات إلى الزنازين الانفرادية.
ومنذ مطلع العام الجاري، اعتقلت سلطات الاحتلال 111 فلسطينية، ما زالت 32 أسيرة يقبعن في السجون، بينهن 8 أمّهات و7 جريحات، وفقًا لنادي الأسير.
ويشير فارس إلى العنف وسياسة الإهمال الطبي التي تتعرض لها الأسيرات، وخصوصًا اللواتي أصبن برصاص الاحتلال وتم اعتقالهن على الفور، دون أن يقدم لهن العلاج المناسب، حتى لو كان مسكنًا للآلام، وفوق ذلك استُخدمت حاجتهن للعلاج نتيجة الإصابة في ممارسة المزيد من الضغط عليهن.
بالموازاة، يطالب فارس الجهات الدولية بالخروج من دائرة المواقف التقليدية النمطية لمواقف أكثر فعالية، كي تشكل حالة ضغط على "إسرائيل"، لكف يدها وجرائمها بحق الأسيرات خاصة، والنساء الفلسطينيات بشكل عام، والعمل على إنصافهن.