أيام معدودة وتنعقد القمة العربية في الجزائر تحت عنوان "لمّ الشمل العربي"، في الأول والثاني من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، في محاولة جزائرية لتقليص هوة الخلاف العربي.
تُعقد القمة هذه المرة في ظروف عربية ودولية استثنائية معقدة، ووسط آمال المتفائلين بأن يُحدث انعقاد القمة العربية انفراجة في بعض القضايا العالقة في المنطقة العربية، كما لم تغب توقعات المتشائمين عن المشهد ذاته، بأن انعقاد القمة وسط غياب 6 من الزعماء العرب، على رأسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سيُبقي الوضع العربي على حاله، ويجعل من القمة المرتقبة قمة باهتة.
إعلان الديوان الملكي السعودي غياب ابن سلمان بشكل رسمي عن حضور القمة أثار تكهنات بشأن السبب الحقيقي لهذا التغيب، وسط مخاوف تتزايد مع تتالي الاعتذارات المقدمة من باقي الزعماء العرب من عدم تحقيق القمة النتائج المرجوة منها، بل وأصبح الفشل يهددها حتى قبل أن تبدأ.
تاريخياً، استضافت الجزائر قمماً عربية في محطات مهمة وحساسة، ففي عام 1973 استضافت الجزائر القمة العربية الأولى، وقررت 16 دولة عربية، إثر حرب أكتوبر، التمسك بانسحاب "إسرائيل" من جميع الأراضي المحتلة، وفي مقدمتها القدس، وأكدت دعمها استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية الثابتة.
وفي عام 1988، استضافت الجزائر قمة عربية أخرى أكدت فيها الدعم الكامل للانتفاضة الفلسطينية في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وبعد 17 سنة من ذلك التاريخ، استضافت الجزائر عام 2005 قمة عربية بعد وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ويأتي انعقاد هذه القمة في عام 2022 على أرض الجزائر في ظروف عربية شائكة وتقلبات دولية صعبة.
قدمت الجزائر تنازلات عدة طمعاً في انعقاد القمة بحضور عربي من الوزن الثقيل، إلا أنه وفق المعطيات الآنية، تبدو القمة العربية المرتقبة متعسرة الولادة، خاصة أن الصراع الجزائري -المغربي ألقى بظلاله على القمة قبل انعقادها، فيما لم تغب محاولات الجزائر الجادة دعوة سوريا إلى حضور القمة العربية، والتي لاقت صدى خليجياً على وجه التحديد غيّر من حسابات هذه القمة وتطلعاتها وأهدافها.
الجزائر باستضافتها القمة العربية تدخل معادلة صعبة جداً، وتواجه تحدياً كبيراً في محاولة جمع الأطراف العربية المختلفة في ظل وجود إشكاليات داخل النظام العربي الرسمي أصابت بنيته وخلقت أمامه واقعاً معقداً وتحديات ليست بالسهلة. هذا الواقع، ليس ببعيد عن التأثير الدولي والإقليمي المحيط بالمنطقة العربية، ما يضعف بالدرجة الأولى من فاعلية جامعة الدول العربية التي من المفترض أنها تعبر عن إرادة الدول الأعضاء في حل أو تسوية ملفات داخلية عربية، أو ربما إيجاد صيغ تعمل على فكفكة المعضلات الكبرى في المنطقة.
غياب ابن سلمان و6 من الزعماء العرب عن القمة العربية يعكس أزمة شرعية الأنظمة السياسية في المنطقة العربية والتي تعدّ مكوناً أساسياً لجامعة الدول العربية، كما يعكس في الوقت ذاته غياب إرادة الفعل وشرعيته لدى هذه الأنظمة، وهذه الشرعية لطالما افتقرت إليها غالبية القمم العربية التي عقدت على مدار السنوات الماضية، إذ لم تنجح إلا في الخطابات والبيانات من دون برامج فعل أو عمل حقيقية.
من الملاحظ أيضاً، أن حالة الغياب عن قمة الجزائر تطغى عليها الصبغة الخليجية، وكأن المراد من هذا الغياب معاقبة الجزائر على خياراتها، وأحد أهم هذه الخيارات المطالبة بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تحديداً، علماً بأن حالة الغياب تصبح غير مبررة في وقت تقيم الإمارات مثلاً علاقات مباشرة مع سوريا، وعندما تريد الجزائر الحرص على دعوة سوريا لحضور القمة العربية تصبح المقاطعة الخليجية هي سيدة الموقف.
الحقيقة الأخرى المرتبطة بالموقف الخليجي من الغياب عن قمة الجزائر، هو أن الدول الخليجية خلال السنوات القليلة الماضية سعت إلى تحقيق مخطط لإدخال من سمّتهم بالدول العربية المتمردة إلى الطاعة الخليجية، وبالتالي من الواضح أن كل المواقف باتت تؤخذ في هذا الإطار، وللهدف ذاته، إذ تعدّ الجزائر من هذه الدول من وجهة النظر الخليجية، وتعززت هذه الصورة أكثر بعد رفض الجزائر الواضح التطبيع الخليجي مع "إسرائيل".
أيضاً سُجّل غياب بعض الأنظمة العربية التي كانت تمثل الجزائر أحد أعمدة الخيمة فيها نتيجة ظروف إما سياسية أو عسكرية أو استراتيجية مرت بها، وهو ما أفرز واقعاً عربياً جديداً لها حتى أصبحت دولاً إما منفصلة أو منعزلة لها كيانات وسياسات وقرارات مستقلة بذاتها ما جعل من الصعب إلحاقها بالطاعة الخليجية التي باتت إلى مصالحها ومصالح "إسرائيل" أقرب من مصالح الشعوب العربية وإراداتها.
القمة العربية التي تعقد وسط عالم متوتر غير مستقر، تزداد فيه حدة التحديات والقضايا الكبيرة التي كانت تأمل الجزائر من خلال ترؤسها للقمة إحداث حلحلة أو اختراق تجاهها، سواء على صعيد الوحدة العربية، أو إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، أو حتى جعل القضية الفلسطينية في دائرة الاهتمام العربي بشكل أكبر عبر تسويق اتفاق إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية الذي أنجزته مؤخراً بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وممثلي الفصائل الفلسطينية كافة.
الجزائر التي اختارت للقمة عنوان "لمّ الشمل العربي"، ربما تعرف أكثر من غيرها حقيقة الواقع العربي الذي هو بحاجة إلى تجاوز لغة الخطابات والبيانات، والتقدم في برامج عمل تغير من واقع الحال. من هنا، تأتي أهمية الجلوس إلى طاولة الحوار تحت عنوان ترتيب البيت العربي وتمتين اللحمة العربية وتوحيد الصفوف والأهداف والبرامج وتبني مبادرات لمّ الشمل والعمل على تحقيقها واقعاً، أمام المصاعب والتحديات التي باتت تحاصر الدول العربية من دون استثناء.
المصدر/ شرحبيل الغريب (الميادين)