موسم الحّج الإسرائيليّ إلى تركيّا يستمّر بعد إعادة العلاقات الدبلوماسيّة الكاملة بين البلدين، بما في ذلك تبادل السفراء، وعلى الرغم من كون تركيًا عضوًا في الناتو (حلف شمال الأطلسيّ) في حين ترفض دولة الاحتلال الانضمام إليه، إلّا أنّ ذلك لا يمنع أنقرة من التقارب وتوطيد العلاقات الأمنيّة مع تل أبيب، وربّما يأتي هذا التطوّر على حساب العلاقات التركيّة الإيرانيّة، علمًا أنّ إسرائيل تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا-إستراتيجيًا عليها، وفي هذا السياق، كُشِف النقاب أنّ وزير الأمن الإسرائيليّ، الجنرال المُتقاعِد بيني غانتس، سيقوم الأسبوع القادم بزيارةٍ للعاصمة التركية أنقرة، وسيلتقي خلالها وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، لإجراء مباحثات في عدة ملفات سياسية وأمنية، بحسب ما جاء في بيان صدر عن مكتبه، ونشرته وسائل الإعلام العبريّة.
ووفقًا لصحيفة (هآرتس) العبريّة، سيتوجه غانتس إلى أنقرة يوم الأربعاء المقبل، في زيارة رسمية هي الأولى لوزير أمن إسرائيلي إلى تركيا منذ العام 2012، ومن المتوقع أنْ يلتقي رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، بحسب بيان وزارة الأمن الإسرائيليّة.
وأكّد البيان الصادر عن ديوان غانتس أنه سيبحث مع المسؤولين الأتراك ملفات سياسية وأمنية، مُشيرًا في ذات الوقت إلى أنّ رئيس القسم الأمني – السياسي في الوزارة، درور شالوم، كان قد زار تركيا قبل نحو شهرين، في أول زيارة من نوعها تجرى منذ 10 أعوام. وذكر البيان أن شالوم كان قد جدد خلال زيارته العلاقات الأمنية بين تل أبيب وأنقرة؛ وفي الاجتماعات التي عقدها حينها مع المسؤولين الأتراك، تم التوافق على الملفات التي سيتم بحثها على مستوى الوزراء.
وفي هذا السياق، ونقلاً عن محافل رفيعةٍ في دولة الاحتلال، كشف المُستشرِق الإسرائيليّ، د. تسفي بارئيل، النقاب عن أنّ “نسيج العلاقات الجديدة بين تركيّا ودول المنطقة وإسرائيل، يُحوِّل تركيا إلى ذراعٍ حيويٍّ في نضال إسرائيل ضدّ النشاطات الإرهابية لإيران”، مُشدّدًا في ذات الوقت على أنّ “الحديث هنا لا يدور عن شبكة علاقات ثنائية فيها التحالف مع إسرائيل يعني قطع العلاقات بين تركيا وإيران”، على حدّ تعبيره.
علاوة على ذلك، نقل د. بارئيل مؤخرًا عن مصادر واسعة الاطلاع قولها إنّ جهاز (الموساد) ونظيره التركيّ بقيادة هاكان فيدان واصلا التعاون حتى في فترة القطيعة بين أنقرة وتل أبيب. د. بارئيل، الذي يعمل محللاً للشؤون الشرق أوسطيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة كشف أيضًا عن أنّ الموساد ونظيره التركيّ لم يتوقّفا عن التعاون بالمرّة، لافتًا إلى أنّ المخابرات التركيّة، التي يقودها فيدان، حافظت على علاقات عملٍ مع إسرائيل حتى عندما كان هناك قطيعة في العلاقات بين الدولتيْن، على حدّ قوله.
د. بارئيل، الذي كما أسلفنا، يعتمِد على مصادره الخاصّة والمطلعّة في الكيان، تابع قائلاً إنّ تركيّا ما زالت تعتبر إيران شريكةً اقتصاديّةً مهمةً ومكونًا رئيسيًا في سياستها الخارجية التي تسعى إلى شبكة علاقاتٍ وثيقةٍ مع كلّ دول المنطقة، لافتًا إلى أنّ أردوغان لن يقطع علاقاته مع إيران ولكنّه سيكون في الحلف الدفاعيّ ضدّها، كما أكّد نقلاً عن مصادره.
يُشار في هذا السياق إلى أنّ ديوان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، يائير لبيد، كان قد أعلن قبل حوالي الشهريْن، استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا بشكلٍ كاملٍ، وذلك في أعقاب اتصال هاتفي أجراه مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وفي العشرين من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي اجتمع لبيد مع إردوغان على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أول محادثات مباشرة بين زعماء البلدين المتحالفين مع الولايات المتحدة منذ عام 2008.
وتحسّنت في الأشهر الأخيرة العلاقات الإسرائيلية التركية، التي ظلت فاترة لفترة طويلة، ولكنّها لم تنقطِع بالمرّة، وسط مع ظهور الطاقة كمجال رئيسي للتعاون وبالإضافة إلى مناقشة الطاقة، شكر لبيد إردوغان على تبادل معلومات المخابرات بين البلدين مُشدّدًا في ذات الوقت على مطالبة إسرائيل بمساعدة تركيا في مسألة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس في قطاع غزة، وفق بيانٍ صادرٍ عن ديوان لبيد.
وكانت وزيرة الاقتصاد والصناعة، أورنا بربيباي قد زارت يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع تركيّا في زيارةٍ وُصِفت بأنّها مهنية حيثُ أجرت خلالها سلسلة لقاءات بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
ووفق معطيات مديريّة التجارة الخارجيّة في وزارة الاقتصاد والصناعة بالكيان فانّ تركيا وإسرائيل تعتبران شريكان تجاريان هامان، وقد بلغ حجم التبادل التجاريّ المقدر بين إسرائيل وتركيا في عام 2021 حوالي 7.7 مليار دولار، وهو معطى يعكس ارتفاعًا بنحو 1.8 مليار دولار مقارنةً بحجم التجارة عام 2020 حيث بلغ حينها نحو 5.9 مليار دولار (ارتفاع بنحو 31%). وتشير معطيات النصف الأوّل من عام 2022 إلى أنّ التصدير الإسرائيلي قد سجّل ارتفاعًا لافتًا بنحو 25% مقارنةً بنفس الفترة من العام الماضي.
وأكّد البيان الصادر عن الوزارة الإسرائيليّة أنّ تركيا ودولة الاحتلال قد وقعتا على اتفاقية تجارة حرّة دخلت حيّز التنفيذ في عام 1997، إلى جانب قائمةٍ طويلةٍ من الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى التي تنظم العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
والسؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل توثيق العلاقات بين إسرائيل وتركيّا ستأتي على حساب العلاقات بين طهران وأنقرة؟ وهل موسم الحّج الإسرائيليّ الرسميّ سيؤكِّد قريبًا ما تناقلته وسائل الإعلام العبريّة حول زيارةٍ مرتقبةٍ للرئيس أردوغان للكيان؟ علمًا أنّ رئيس دولة الاحتلال، يتسحاق هرتسوغ كان قد زار تركيّا في آذار (مارس) الماضي واستُقبِل استقبال الملوك على وقع عزف “النشيد الوطنيّ الإسرائيليّ” (!) في القصر الرئاسيّ بأنقرة؟
ومن نوافل القول إنّ الرئيس التركيّ أردوغان، الذي استثمر القضية الفلسطينيّة لاستدرار العطف والتأييد في العالميْن العربيّ والإسلاميّ “تناساها” وبات حليفًا إستراتيجيًا للكيان الذي قام على أنقاض شعب فلسطين. المصدر: رأي اليوم
الحّج الإسرائيليّ لتركيّا نكايةً بإيران وفلسطين
2022-10-22