2024-11-30 08:30 ص

محدد منذ عقود.. الكشف عن موقع سفارة لندن في القدس

2022-10-22

كشف تحقيق حصري لموقع "ميدل إيست آي" أن الحكومة البريطانية تمتلك قطعة أرض في القدس تم تخصيصها منذ عقود كموقع مستقبلي لسفارة في "إسرائيل".

واحتفظت الحكومة البريطانية بالموقع المعروف باسم قطعة أرض البرتقال الواقعة في حي الطالبية، كجزء من اتفاقية منذ ستينيات القرن الماضي التي تنقل ملكية أصول إلى الحكومة الإسرائيلية، مما تم الحصول عليها خلال الانتداب البريطاني في فلسطين.

وبموجب شروط تلك الصفقة؛ وافقت الحكومة البريطانية على تأجير قطعة الأرض للحكومة الإسرائيلية بمبلغ 1 جنيه إسترليني سنويًا؛ مع خيار إنهاء عقد الإيجار واستعادة الأرض للاستخدام الخاص في أي وقت.

وكتب آلان جوديسون، مسؤول في وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث، في تموز/ يوليو 1964: "يفترض الإسرائيليون بلا شك، أننا نرغب في استخدام الموقع في حالة نقلنا السفارة من تل أبيب إلى القدس".
"هذا صحيح، بالطبع".

ووفقًا لسجلات الأراضي الإسرائيلية التي كشفت عنها ميدل إيست آي؛ تم تجديد عقد الإيجار لمدة 40 سنة في سنة 2007، وتحدد السجلات المالك على أنه "وزير الخارجية وشؤون الكومنولث لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية".

ويقع الموقع غير المطور الذي تبلغ مساحته 6950 مترًا مربعًا في منطقة ثكنات ألنبي سابقًا، وهي قاعدة للجيش البريطاني يعود تاريخها إلى حقبة الانتداب بين سنة 1920 وإنشاء إسرائيل في سنة 1948.

وزارت ميدل إيست آي يوم الاثنين قطعة الأرض الخالية باستثناء بضعة أشجار، وهي تقع بين شارعي حنوخ البك وشموئيل لوفو في حي الطالبية جنوب شرق القدس.

والأرض مجاورة للموقع المقترح للسفارة الأمريكية الجديدة والتي ستقع أيضً على أراض سيطر عليها البريطانيون سابقًا. ويبدو أنها تقع جزئيًّا على الخط الأخضر، الذي يفصل الأراضي المحتلة عن باقي الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وتأتي اكتشافات ميدل إيست آي - بناءً على مراجعة الوثائق الأرشيفية وسجلات الأراضي في المملكة المتحدة و"إسرائيل" - بعد أن تعهدت رئيسة الوزراء البريطاني ليز تروس الشهر الماضي بمراجعة الموقع الحالي لسفارة المملكة المتحدة في "إسرائيل" في تل أبيب، مما دفع مؤيدي نقل السفارة إلى القدس للإشارة إلى أن حكومة المملكة المتحدة لديها قطعة أرض جاهزة للتنفيذ.

ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تعكس عقودًا من سياسة المملكة المتحدة التي تتماشى مع الاتفاقية الدولية التي تنص على أن وضع القدس يجب أن يتقرر فقط بعد المفاوضات النهائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن نقل السفارة سيكون اعترافًا فعليًّا بأن المدينة هي عاصمة "إسرائيل".

وتمت إدانة تروس على نطاق واسع، بما في ذلك من داخل حزبها المحافظ. وقد قال وزير الخارجية السابق ويليام هيغ إن نقل السفارة سيضع الحكومة في نفس صف دونالد ترامب، بينما أعرب القادة الدينيون في المملكة المتحدة عن قلقهم، بما في ذلك جاستن ويلبي رئيس أساقفة كانتربري.

وفي القدس قام كبار القادة المسلمين بما فيهم قادة الأوقاف الإسلامية، بكتابة رسالة إلى ملك بريطانيا تشارلز لتحذيره من أن نقل السفارة من شأنه أن يؤجج "وضع غير مستقر بالفعل في القدس".

لكن مراجعة ميدل إيست آي لوثائق حكومة المملكة المتحدة، والمحفوظة في الأرشيف الوطني، تكشف أن المسؤولين البريطانيين كانوا يناقشون الموقع المحتمل لسفارة في "إسرائيل" على أراض تحت سيطرة المملكة المتحدة في القدس منذ خمسينيات القرن الماضي.
في سنة 1965؛ وبعد أكثر من عقد من المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، باعت حكومة المملكة المتحدة غالبية أراضي ثكنات ألنبي المتبقية للحكومة الإسرائيلية مقابل 140 ألف جنيه إسترليني، وفقًا لاتفاقية موقعة في لندن.

ولكن احتفظت  المملكة المتحدة بـ "أرض البرتقال"، وكجزء من نفس الاتفاقية قامت بتأجير العقار مقابل جنيه إسترليني واحد سنويًّا لـ "إسرائيل" لمدة 40 سنوات، وتم تأريخ عقد الإيجار بأثر رجعي ليبدأ في 15 أيار/ مايو 1948، اليوم التالي لانتهاء الانتداب البريطاني.

وتمنح شروط الصفقة بريطانيا خيار إنهاء عقد الإيجار واستعادة الأرض لاستخدامها "لغرض غير تجاري" في أي وقت.

وبموجب شروط تلك الصفقة؛ وافقت الحكومة البريطانية على تأجير قطعة الأرض للحكومة الإسرائيلية بمبلغ 1 جنيه إسترليني سنويًا؛ مع خيار إنهاء عقد الإيجار واستعادة الأرض للاستخدام الخاص في أي وقت.

وفي هذه الحالة؛ يجب على الحكومة الإسرائيلية إما الإفراج عن الموقع لاستخدام حكومة المملكة المتحدة في غضون سنة، أو توفير موقع بديل "يعتبره الطرفان مناسبًا للاستخدام المخصص المطلوب".

وفي حين أن الاتفاقية لا تذكر سفارة أبدًا، فإن الملاحظات السرية المتبادلة بين مسؤولي وزارة الخارجية قبل توقيع الصفقة توضح الغرض منها.

سفارة محتملة في المستقبل
وكتب هوبرت بولار القنصل العام البريطاني في القدس في تموز/ يوليو 1964، رسالة إلى لندن ليسأل عما إذا كان الإسرائيليون، الذين كانوا يزورون المملكة المتحدة في ذلك الوقت لإجراء محادثات مع المسؤولين البريطانيين، "قد تم إفهامهم بأي شكل من الأشكال أن الأرض [البرتقال] تم الاحتفاظ بها كسفارة مستقبلية محتملة ؟"

وقد جاء الرد: "لست متأكدًا بالضبط من مدى فهم الإسرائيليين لنوايانا تجاه أرض "البرتقال" ولكن من المرجح أنهم خمنوا هدفنا الرئيسي المتمثل في الاحتفاظ بالموقع لاستخدامه في حالة نقل السفارة إلى القدس"؛ بتوقيع تي جي كلارك، مسؤول وزارة الخارجية والكومنولث، بخط اليد على الملف الذي يحتوي على خطاب بولار.

وأضاف أن "الهدف الثانوي للاحتفاظ بها للاستخدام في حالة تدويل القدس، ولا أعتقد أنهم يفكرون في ذلك".

ووصف مسؤول سابق في السفارة البريطانية في إسرائيل لاحقًا أنه كُلّف بزيارة الأرض مرة واحدة سنويًا للحفاظ على حق الملكية لحكومة المملكة المتحدة، وذلك وفقًا للتاريخ الشفوي الموثق من قبل أرشيف تشرشل للمحفوظات.

ويتذكر تيموثي داوس، السكرتير الأول والمسؤول الإعلامي في السفارة في تل أبيب من سنة 1983 إلى سنة 1986، قائلًا: "كانت لدينا قطعة أرض في القدس، تُعرف باسم قطعة الأرض البرتقالية لأنها كانت تحتوي على بعض أشجار البرتقال، والتي كانت مخصصة لليوم الذي يمكن أن تنتقل فيه السفارة إلى القدس بعد تسوية سلمية" .

وأضاف قائلًا: "كانت وظيفتي تقتصر على زيارة  هذه الأرض مرة واحدة في السنة للحفاظ على حقنا في ملكيتها، وكان هناك ملف كبير جدًا من الأوراق حول موضوع مؤامرة البرتقال".

إن الكشف عن ملكية المملكة المتحدة للأرض - والنوايا الراسخة للممتلكات - سيثير تساؤلات للفلسطينيين الذين يمتلكون ممتلكات قاموا بتأجيرها لسلطات الانتداب البريطاني التي أقامت الثكنات.

فبعد حرب سنة 1948؛ أصبح أصحاب العقارات لاجئين حيث صادرت السلطات الإسرائيلية أراضيهم بموجب قوانين أملاك الغائبين، وتشمل تلك الأرض العقار الذي من المقرر حاليًا أن يضم مجمعًا دبلوماسيًّا أمريكيًا جديدًا، في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في سنة 2016.

وفي وقت سابق من هذه السنة، طالبت عائلات أصحاب الأراضي الولايات المتحدة بإلغاء خططها وإعادة أراضيهم التي تقع على مسافة قصيرة من قطعة الأرض البرتقالية. وقد سأل موقع "ميدل إيست آي" وزارة الخارجية عما إذا كانت قطعة الأرض البرتقالية لا تزال هي الموقع المخصص للسفارة المستقبلية. ولكن وزارة الخارجية رفضت التعليق، مستشهدة بمراجعة تروس المستمرة للوضع.

المصدر: نون بوست