2024-11-25 10:37 م

المقاومة الشبابية ضد الاجتياحات الاسرائيلية تعيد رسم الواقع السياسي في الضفة الغربية

2022-10-01

تحت عنوان: “عن المقاومة الجديدة ومآلات التغيير في الواقع الفلسطيني”، قال موقع OrientXXI الفرنسي، في مقال لمعز كراجة، الباحث في الشؤون الفلسطينية، إن المقاومة الفلسطينية المسلّحة التي يقودها شباب ليس لديهم أي انتماء حزبي أو تنظيمي ضد الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية في مدن الضفة الغربية من شأنها أن تعيد رسم الواقع السياسي في الضفة الغربية، في مواجهة سلطة فلسطينية باتت دون جدوى.

وأضاف الكاتب أنه لا شك أن الضفة الغربية تشهد تحولاتٍ نوعية، وهي مرشحة للخروج من حالة “الاستقرار النسبي”، لكن يجب فهم هذه التحولات وتأطيرها ضمن سياقها العام والتاريخي التراكمي. فهي ليست وليدة اللحظة، بالتالي من المهمّ استحضار السياق كاملاً لتحقيق فهم أعمق لدلالات ما يحدث، بعيداً عن إغراء الحدث المباشر وسهولة التعاطي معه في حدود الراهن. فالضفة الغربية تعيش حالة حراك وتحولات واسعة ومترابطة سياسياً ووطنياً واقتصادياً منذ أكثر من عشرة أعوام على الأقل.

رغم ذلك، اعتبر الكاتب أننا على أعتاب مرحلة مختلفة ذات سمات خاصة، قد يقود انفجارها المرتقب إلى تحوّل عميق في الواقع السياسي السائد والمهيمن منذ ثلاثة عقود، على عكس نمط الهبّات السابقة التي سرعان ما تنتهي ضمن حدود الواقع دون الخروج عنه تماما. وربما هذا أيضاً الذي دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى القيام في بداية أغسطس/آب الماضي بالمبادرة بالاعتداء على قطاع غزة وخوض مواجهة معه، في محاولة منه للحد من تأثير مقاومة غزة على ما يحدث في الضفة. وعليه، فإن الأهم من سؤال متى يقع الانفجار، هو محاولة فهم هذه المرحلة وسماتها الخاصة وأثرها المحتمل على الواقع السياسي المهيمن ومآلات التغيير فيه، يقول معز كراجة.

ويتابع الكاتب التوضيح أنه مع أن المقاومة لم تنقطع أبداً في الضفة الغربية ولا في أية مرحلة، إلا أن العامل المختلف فيما يجري في السنوات العشر الأخيرة وصولاً إلى هذه اللحظة ليس تنامي الفعل المقاوم بحدّ ذاته، وإنما الظرف الموضوعي المتمثل في النظام السياسي الفلسطيني القائم، وعموم الحالة السياسية التي يجري تحت ظلّها فعل المقاومة. هذا الظرف هو الذي اختلف بشكل جوهري، وهو الاختلاف الذي يُكسب المرحلة الحالية مواصفات خاصة، كما يُكسب الفعل المقاوم إمكانات أكبر قد تجعله قادراً على تغيير جوهري في مرحلة سياسية ثقيلة على حياة الفلسطينيين عمرها ثلاثة عقود. وهذا أكثر ما يقلق إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وأوضح الكاتب أنه على الصعيد الإسرائيلي، لم يُنظر إلى الفعل النضالي المقاوم سابقاً كما ينظر إليه اليوم، فهو لم يصل إلى مستوى قد يهدد فيه ما تم بناؤه والخروج عليه بالكامل، وذلك ليس بسبب ضعف المقاومة أو غيابها في حينه، بقدر ما هو بسبب قوة المنظومة ورسوخها داخلياً وتمتّعها بقوة مادية وبحاضنة ثقافية؛ أي بسبب طبيعة الظرف الموضوعي. وأكثر ما يدلّ على ذلك هو وقوع الانتفاضة الثانية ومقتل ياسر عرفات، ذلك أن هذين الحدثين المركزيين كانا كفيلين بانهيارٍ كامل لتلك المرحلة والعودة إلى نقطة الصفر. فالانتفاضة عبّرت عن كسر قواعد “أوسلو” من جهة، فيما غياب عرفات كان بمثابة غياب عامود هذا المشروع على الصعيد الفلسطيني. لكن إسرائيل أعادت اجتياح مدن الضفة الغربية بتوافق دولي، وتخلصوا من عرفات وهم على ثقة بأنهم قادرون على المحافظة على قواعد اللعبة كما هي، مع إجراء بعض التعديلات التي تناسبهم. وهذا ما حصل فعلا، حيث تمت إعادة إنتاج المرحلة السياسية واستئنافها تلقائياً، بما فيها إعادة إنتاج مؤسسة السلطة الفلسطينية بعد أن تم تدميرها مادياً ومعنوياً.

على الرغم من أهمية ومركزية العامل الدولي وحتى الإسرائيلي في المحافظة على المرحلة السياسية والواقع القائم كما هو طوال الثلاثة عقود الماضية، إلا أن العامل الأهم – بحسب الكاتب – هو محلي داخلي يتعلق بالسياق السياسي والاجتماعي العام.

فعلى صعيد أوسع من حدود السلطة الفلسطينية وحركة فتح، كان هناك حضور قوي لخطاب عام تقوده قطاعات واسعة من المجتمع وقواه الثقافية ومؤسساته الأهلية والمدنية، يتحدث عن التنمية وبناء المؤسسات والديمقراطية وغيرها من مفاهيم “الدولة”، وهو الخطاب الذي مثل امتداداً معنوياً للسلطة ومبرراً ضمنياً لوجودها، كما مثل تطبيعاً ما في الوعي العام لكامل المرحلة التي دخلتها القضية الوطنية مع مشروع أوسلو. وقد استطاع بذلك حتى وقت قريب، إغراء واستقطاب قطاع واسع من جيل الشباب على وجه الخصوص، هذا الجيل الذي أصبح في المرحلة الراهنة يثير المخاوف لأنه هو من يعيد ليس فقط بلورة المقاومة في الضفة الغربية، وإنما يعيد أيضا ترميم وتشكيل الخطاب الوطني التحرري النقيض لخطاب الدولة.

واعتبر الكاتب أن الظرف الموضوعي في العقد الأخير شهد جملة تحوّلات عميقة أفقدت المنظومة القائمة وفي قلبها السلطة الفلسطينية عناصر قوتها التي لطالما تمتعت بها. فأصبح من الدارج اليوم استخدام الإعلام والمحللين السياسيين لمصطلح “ضعف السلطة الفلسطينية”، في إشارة لأثر تلك التحولات عليها. ولكن حتى هذا التوصيف لا يعبر بالدقة اللازمة عن الواقع، فنحن وصلنا إلى ما يمكن تسميته “انتهاء جدوى السلطة”، حيث لم يعد لديها شرعية أو مبررات وجود تستند عليها.
المصدر/ القدس العربي