بقلم: شرحبيل الغريب
القدس في خطر، بشرها وحجرها، حاضرها ومستقبلها، والمسجد الأقصى تحت خطر الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة وغير المسبوقة، وتزداد وتيرتها تزامناً مع موسم العدوان الإسرائيلي الأكبر على المسجد الأقصى من خلال تحضيرات تقوم بها الجماعات الاستيطانية المتطرفة لإحياء ما يسمى موسم الأعياد اليهودية المزعومة، عبر اقتحام الأقصى وتدنيسه وممارسة الطقوس اليهودية فيه.
50 ألف مستوطن اقتحموا الأقصى منذ مطلع العام الجاري. اقتحامات شبه يومية، وصلوات صامتة، وطقوس وممارسات غير معهودة وخادشة للحياء. قضايا مرفوعة في المحاكم الإسرائيلية ينتظر المستوطنون البت فيها للسيطرة على كل شيء في المسجد الأقصى.
الأوضاع في المسجد الأقصى أصبحت خارج نطاق القدرة على الوصف، فالقضية تتعلّق بقلب الصراع الرئيسي مع "إسرائيل" وعنوانه. والإجراءات على الأرض تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسارع الوقت ليصل إلى المرحلة التي يمكن بعدها هدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل المزعوم.
المتوقع والمقبل للمسجد الأقصى خطيران جداً، بعد التلويح بالنفخ بالبوق، ووصول 5 بقرات حمراء عبر مطار بن غوريون من مزارع الإنجيليين من ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، رُبِّيت تحت عيون حاخامات يهود كبار، واستُقبلتْ بحضور رسمي إسرائيلي ديني وسياسي، وهي الآن تحت رعاية مؤسسات وحاخامات إسرائيليين متطرفين، وينتظر الأمرُ الوصولَ إلى لحظة الصفر من أجل ذبحها وتطهير الكهنة بها لتهيئتهم لاقتحام الأقصى وممارسة الطقوس الرسمية، التي تسبق السيطرة الكاملة عليه وبناء الهيكل المزعوم.
"إسرائيل" مستمرة في سياسة التطرف والإرهاب معاً، وتمعن في عدوانها، بصورة ممنهجة، على الشعب الفلسطيني ومقدساته، عبر تكريس سياسة تهويد غير مسبوقة لمدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وتمارس سياسة تطهير عرقي بحق الفلسطينيين، وماضية في مخططاتها تجاه السيطرة الكاملة على مدينة القدس والمسجد الأقصى بعد قراراتها الأخيرة، وأسرلة المناهج التعليمية في مدينة القدس، أي استهداف المنهاج الفلسطيني وإبداله بمنهاج إسرائيلي مزيّف للتاريخ والحقائق.
الانتهاكات غير المسبوقة، والتي تهدّد مستقبل المسجد الأقصى، تتم بغطاء رسمي من حكومة الاحتلال الإسرائيلي. وما يجري، هذه الأيام، في مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، من تسارع لأشكال العدوان والتهويد ورفع وتيرة المخططات، يهدف إلى طمس المعالم الإسلامية في القدس، وفرض أوهام كاذبة بالغطرسة والهيمنة وقوة السلاح من أجل تغيير الوجه الإسلامي الحقيقي في القدس والمسجد الأقصى، وصولاً إلى فرض التقسيم الزماني والتقسيم المكاني، لتصبح الحال كما هي قائمة في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة.
قضية القدس والمسجد الأقصى هي محور الصراع الأول مع "إسرائيل"، وكانت وما زالت عنواناً مركزياً يتصدّر المشهد كلما اعوجّ المسار وهرولت الدول العربية إلى التخلي عن القضية الفلسطينية، واقتربت إلى "إسرائيل" أكثر في تطبيع علاقاتها بها، إذ إن هذا المخطط يشكل اعتداءً واستهدافاً مباشرَين لمكانة القدس والمسجد الأقصى، دينياً وإسلامياً، كما أنه امتداد لسلسلة الانتهاكات الإسرائيلية السابقة، والتي أدّت إلى موجات مواجهة مع المقاومة الفلسطينية، ولاسيما خلال معركة سيف القدس وبعدها من جولات مواجهة واشتباك.
كما كل مرة، ترتفع درجة الخطورة التي تهدد القدس المحتلة والمسجد الأقصى، انطلاقاً من أن ما يجري ويخطَّط هو تهديد يمسّ بصورة مباشرة مكانة مدينة القدس، دينياً وتاريخياً وحضارياً، وجميع مقدساتها الإسلامية والمسيحية، والتي هي حق ثابت للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية.
كما تقترب سيناريوهات التصعيد والمواجهة مع "إسرائيل"، مع اقتراب التغول على المسجد الأقصى، وهذه المرة لن تتباين عن سابقاتها بالطبع، إذ تضع المشهد الفلسطيني مفتوحاً على مصراعيه في حالة اشتباك غير مسبوقة، ربما تكون سبباً في معركة كبرى في المنطقة.
التقديرات الإسرائيلية، المنطلقة من أن تكريس واقع جديد في المسجد الأقصى لمصلحتها، عبر التنفيذ والتمرير لمخططاتها التهويدية بشأن فرض تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، سيمضي بهدوء من دون ضجيج حتى تتفادى الخسائر والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن هذه الخطوة، هي تقديرات خاطئة بامتياز، أمام حالة التبني الواضحة لقضية القدس من الشعب الفلسطيني ومقاومته أولاً، ثم من كل قوى المقاومة الحية في المنطقة ثانياً.
تُعَدّ المقاومة الفلسطينية حارسة الثوابت الفلسطينية، وهذا ما جعل المس بالمكانة الاستراتيجية للقدس والأقصى مسّاً بالخطوط الحمر، وفرضت معادلة بقوة السلاح، ورسمت مساراً واضحاً، عنوانه أن أي تجرؤ خطير وغير محسوب للاحتلال الاسرائيلي في القدس والأقصى، لن يمر مرور الكرام، بل قد يدفع المنطقة كلها نحو مواجهة مفتوحة وحرب دينية شاملة، في وقت أصبح الشعب الفلسطيني أمام مرحلة مفصلية في إدارة الصراع مع الاحتلال.
وعليه، فإن الاعتقاد أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة يمكن أن تقف مكتوفة اليدين، تجاه حالة التغول غير المسبوقة في المسجد الأقصى، هو اعتقاد خاطئ، فهي ركن أساس في جبهة المواجهة والدفاع عن الأرض والعِرض والمقدسات.
عودة الانتهاكات وتصاعد المخاطر ضد المسجد الأقصى يعنيان الاصطدام بجدار الحماية مجدَّداً، بعد أن نجحت المقاومة الفلسطينية، خلال معركة "سيف القدس"، في أيار/مايو 2021، في فرض معادلاتها، التي لن تقبل، في أي حال من الأحوال، كسرها أو التراجع عنها، أو حتى تغيير الواقع القائم للمسجد الأقصى.
حالة الانتهاكات المتصاعدة والخطيرة، والتي تحيط بالمسجد الأقصى، تتطلّب إدراك خطورة هذه المرحلة من كل الأطراف، وتفرض حالة حشد واسعة للدفاع عن المسجد الأقصى، عبر كل أشكال العمل المقاوم، وتفعيل الساحات كافةً بكل الوسائل، لتعكس حالة وحدة في الموقف والميدان معاً، من أجل مواجهة العدوان الإسرائيلي.
سلوك "إسرائيل" الإرهابي المتطرف، والذي يوفّر غطاءً رسمياً للمستوطنين لممارسة العربدة في المسجد الأقصى، يضعها أمام خيارات صعبة ستدفع ثمنها أمام مواقف المقاومة المعلنة تجاه التحذير من المس بمكانة المسجد الأقصى وقدسيته، انطلاقاً من أن القدس والأقصى هما بوصلة الصراع وأيقونة الثوابت الفلسطينية، وأن المقاومة قادرة على إيلام الاحتلال ولجم جموحه، وأن المساس بالمقدسات الإسلامية لن يقابَل إلّا بمعركة مفتوحة على مصراعيها. وأبلغت المقاومة الوسطاء المعنيين بذلك أن استمرار تجرؤ الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاته بحق المسجد الأقصى سيفجّر الأوضاع مجدداً، أو كما يقال، فإن الأحداث تخفي وراءها كثيراً من المفاجآت.
المصدر: الميادين نت