تُواصل الجزائر مساعيها من أجل تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية، ومحاولة إحداث اختراق على طريق تحقيق المصالحة المتعذّرة منذ أعوام. وعلى رغم استمرار الخلافات والعقبات نفسها التي حالت سابقاً دون التوصّل إلى أيّ نتيجة طيّبة في هذا الملفّ، إلّا أن القيادة الجزائرية تراهن على أن الظروف الحالية تؤهّلها للعب دور مغاير، خصوصاً أنها صاحبة رصيد كبير لدى الفصائل، تُترجمه سرعة استجابة الأخيرة للدعوات المُوجَّهة إليها
الجزائر | «إذا كان كانت مكة قِبلة المسلمين، والفاتيكان قِبلة المسيحيين، فإن الجزائر تبقى قِبلة الأحرار والثوار». على أساس هذه المقولة التي أطلقها زعيم «الحزب الأفريقي لتحرير غينيا وجزر الرأس الأخضر»، أملكار كابرال، يبدو أن الجزائر تمضي في محاولتها التصدّي لدور «توفيقي» على الساحة العربية. وفي هذا السياق، يأتي سعيها للتوسّط بين الفرقاء الفلسطينيين، من أجل إنهاء انقسام دام 16 سنة ولا يزال مستمرّاً، على رغم ضآلة حظوظ نجاحها في ذلك. ومن هنا، استقبلت السلطات الجزائرية ممثّلي أغلب الفصائل الفلسطينية (حماس، فتح، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، جبهة النضال الشعبي، جبهة التحرير الفلسطيني والجبهة الديموقراطية)، بعدما نجح الرئيس عبد المجيد تبون في عقْد لقاء، ظَلّ على أيّ حال رمزياً، بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، على هامش احتفالات الذكرى الستّين لاستقلال الجزائر في تموز الماضي. وفي السياق نفسه، أعلن وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، في تصريح صحافي قبل أيام، عن اجتماع قريب للفصائل الفلسطينية في الجزائر، سيسبق انعقاد القمّة العربية على أراضيها يومَي 1 و2 تشرين الثاني المقبل. وأكد لعمامرة أن الجزائر «تبذل جهوداً دؤوبة وتخوض عملاً ديبلوماسياً كبيراً بإشراف الرئيس، بهدف تعزيز وحدة الصفّ الفلسطيني».
ووصل، يوم الأحد الماضي، إلى الجزائر، وفد من حركة «حماس»، بناءً على دعوة من القيادة الجزائرية لـ«التباحث حول سُبل إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني، والوصول إلى المصالحة وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني». وضمّ الوفدُ خليل الحية، رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في الحركة، وعضوَي مكتبها السياسي ماهر صلاح، وحسام بدران، وممثّلها في الجزائر محمد عثمان. كذلك، تَوجّه وفد من حركة «فتح» إلى الجزائر، بناءً على دعوة مماثلة «في إطار التنسيق المشترك حول التحدّيات التي تُواجه القضية الفلسطينية وتعزيز الوحدة الوطنية في إطار منظّمة التحرير الفلسطينية»، وفق بيان الحركة. وشمل الوفدُ «الفتحاوي»، نائب رئيس الحركة محمود العالول، وعضوَي لجنتها المركزية عزام الأحمد، وروحي فتوح. وفيما لم تتّضح بعد معالم «خريطة الطريق» التي تقترحها الجزائر لتحقيق المصالحة، وعلى رغم استمرار الخلافات والعقبات نفسها التي حالت سابقاً دون التوصّل إلى أيّ نتيجة طيّبة، إلّا أن الجزائر تعتقد أن مسعاها تتوفّر له هذه المرّة ظروف النجاح، بالنظر إلى أن أطرافاً عربية عديدة أدارت ظهرها للقضية الفلسطينية، فيما باتت الجزائر من بين الدول القليلة التي تُجاهر بدعمها لها، وهو ما يتناغم مع مواقفها السابقة المسانِدة للحركات التحرُّرية، ويأتي تجسيداً لمَقولة الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين، من أن «الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة». أيضاً، تُعوّل القيادة الجزائرية على استباق جهودها للمصالحة انعقاد القمة العربية، بما يشكّل، بالنسبة إليها، ظرفاً مناسباً للتقريب بين الفصائل الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في «جامعة البليدة 2»، عبد القادر سوفي، أن «أهمّ عامل لنجاح الوساطة متوفّر لدى صانع القرار في الجزائر وهو الإرادة السياسية»، مشيراً في تصريح إلى «الأخبار» إلى أن «الجزائر نجحت في تنظيم لقاءات مع الفصائل الفلسطينية ومنها فتح وحماس، في سبيل تجسيد طموح الجميع في إنهاء الخلاف». ويَلفت سوفي إلى أن «تبون يَعتبر أن توحيد الصفوف خلْف القضية الفلسطينية التي تُعتبر محورية سيزيل كلّ المشاكل القائمة بين الدول العربية»، وخاصة أن «هذه القضية أُفرغت من محتواها الإسلامي، ثمّ العربي وحتى الفلسطيني، وتحوّلت إلى ضفة غربية من جهة وغزة من جهة ثانية، مع إغفال القضية الأم». وعن القدرة على إحداث خرق في هذا الجدار، يرى سوفي أن «الجزائر عادت بقوّة إلى الساحة الدولية، وأصبحت لها كلمة تُمكّنها من أن تصبح قاطرة للوطن العربي»، مضيفاً أن «الرئيس الجزائري وضع العمل السياسي الديبلوماسي في أولوية الأولويات، ومن ذلك العمل من أجل القضية الفلسطينية».
المصدر: الاخبار اللبنانية