2024-11-25 09:47 م

عمليات المقاومة الفلسطينية الفردية تلقي بظلالها على مقولات “إدارة الصراع” الإسرائيلية

2022-09-21

بموازاة رفع الاحتلال حالة التأهب في المناطق الحدودية، يتصاعد الجدل في إسرائيل حول تصاعد المقاومة الفلسطينية للاحتلال في الضفة الغربية، وتتزايد الأصوات التي باتت تسخر من فكرة إدارة الصراع، أو خفض ألسن لهبه، وسط حيرة إسرائيل إن كان عليها أن تقلص المداهمات والاعتقالات أم تقوم بحملة ثانية من عملية “السور الواقي”.

يأتي ذلك على خلفية ازدياد استخدام السلاح داخل الضفة الغربية المحتلة في الشهور الأخيرة ضد قوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في محاور الطرق. وسبق أن أشار رئيس المخابرات الإسرائيلية العامة (الشاباك) رونين بار، في مؤتمر عُقد في 11 أيلول/ سبتمبر في جامعة ريخمان، أنه وقع حتى الآن أكثر من 130 هجوم إطلاق نار في المنطقة، ما يشكل ارتفاعاً حاداً، مقارنةً بـ 98 حادثة في سنة 2021، و19 حادثة إطلاق نار خلال 2020. وعشية حلول الأعياد اليهودية التي تعتبر موسما لانتهاكات اليمين والمستوطنين للحرم القدسي الشريف، قال قائد شرطة الاحتلال في لواء القدس دورون ترجمان إن شرطته قامت بتنفيذ عمليات اعتقال عناصر فلسطينية يُحتمل أن تقوم بتنفيذ عمليات “إرهابية” في فترة الأعياد اليهودية خلال أيلول/سبتمبر الحالي، وأكد أن ذلك أدى إلى إحباط 47 عملية محتملة حتى الآن.وأضاف ترجمان، في سياق مؤتمر صحافي عقده أول أمس، أن شرطة الاحتلال بدأت باتخاذ كل الاستعدادات اللازمة لفترة الأعياد، وللقيام بنشاط عملياتي عند الحاجة. وأشار إلى أن القوات الأمنية الإسرائيلية المختلفة، بينها شرطة القدس المحتلة وقوات حرس الحدود ومتطوعون، سيتم توزيعهم في أماكن مزدحمة بالجمهور، وفي الأماكن المقدسة والأماكن الترفيهية، للاستجابة لأي سيناريوهات متوقعة، كما ضاعفت الشرطة العناصر الأمنية في منطقة حائط البراق. كما أشار ترجمان إلى أنه استعداداً للأعياد اليهودية، نفّذت الشرطة عدداً من النشاطات الوقائية، بينها اعتقالات عادية، وأيضاً اعتقالات إدارية، لكنه لم يتطرّق إلى عدد هذه الاعتقالات. كما نوه لوقوع عدد من أوامر الإبعاد ليهود وفلسطينيين عن منطقة الحرم القدسي، وقال إن نحو 2000 شرطي في منطقة القدس على أهبة الاستعداد لتأمين العديد من الأحداث في فترة الأعياد. وشدّد ترجمان على أن التصعيد الأمني في الضفة الغربية المحتلة لم ينتقل إلى القدس، لكنه في الوقت عينه، أكد أن هناك تحذيرات من احتمال وقوع عمليات “إرهابية” في المدينة، وأن الشرطة الإسرائيلية تعمل على إحباطها. وأوضح ترجمان أنه من المتوقع أن يزور مدينة القدس المحتلة في فترة الأعياد اليهودية عشرات الآلاف من “الزوار” وستجري الأحداث المركزية في منطقة حائط البراق.

الأوضاع في الضفة الغربية وما تبثه من رسائل سياسية
وداخل الأوساط الإسرائيلية المختلفة تسود حيرة وتساؤلات عن معاني الأحداث وعن مستقبلها وسط محاولات كثيرة للتهرب من مواجهة الواقع وتسمية الولد باسمه، تجاهل واقع الاحتلال المقيت.

ولكن حتى وإن اختلف المحللون في إسرائيل على تسمية ما يحدث في أراضي الضفة الغربية في الفترة الأخيرة على خلفية تصاعد الاشتباكات والعمليات المسلحة، ولا سيما في مناطق الشمال، وهل هي انتفاضة جديدة، ثالثة من حيث تسلسلها الزمني بعد انتفاضتي 1987 و2000، أو فترة تصعيد مرحلية، أو موجة عمليات فردية يغذّي بعضها بعضاً، ثم ما يلبث بريقها أن يخبو، أو.. أو… إلخ، فإنهم لا يختلفون في ما بينهم على أنه من غير الممكن استمرار الوضع القائم في الأراضي المحتلة منذ 1967، وبالأساس من طرف الفلسطينيين وقواهم السياسية على شتى أطيافها.

من يدير من؟
وفي استعراض ردود وقراءات إسرائيلية لهذه الهبة الفلسطينية الفردية، يقول المركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية “مدار” إن عدم الاختلاف هذا يكاد يكون أقرب إلى الإجماع، ومنه تُستخلص استنتاجات كثيرة، أكثرها دلالة أن أي مصطلح يجري استخدامه لا يمكن أن تُكتب له الديمومة في تحقيق غاية تنحية جوهر القضية الفلسطينية من جهة، وفي أن يكون من الجهة الأخرى بديلاً راسخاً عن مصطلح حل، أو في الحدّ الأدنى عن مصطلح تسوية هذه القضية. وفي هذا الصدد يشير إلى ما كتبه أخيراً أحد المحللين الإسرائيليين من أنه لا يمكن إزالة الموضوع الفلسطيني من جدول الأعمال. ويضيف: “عندما كان حجم “الإرهاب” مُنخفضاً، تحدثوا في إسرائيل عن مفاهيم إدارة الصراع، وفي العام الماضي يبدو أن الصراع هو الذي يديرنا.

ويتابع “مدار” في تقريره عن تعامل إسرائيل مع الحالة الفلسطينية المقلقة لها: “بطبيعة الحال فإن ما يدفع إلى هذه الأوضاع في الضفة الغربية، بموجب الرؤى الإسرائيلية، ليس فقط سياسة الحكومة الإسرائيلية الرامية إلى الحفاظ على الوضع القائم، إنما أيضاً ما يدور خارج حدود ما يمكن توصيفه بـ”العلاقات الثنائية” بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا هو ما أشارت إليه “ورقة سياسات” جديدة صادرة عن لجنة أبحاث السياسات في “معهد أبحاث السياسات والإستراتيجيا” في جامعة رايخمان، التي يترأسها اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد، وجرى فيها تأكيد أن من جملة ما يقف في خلفية الأوضاع الأخيرة في الضفة الغربية: غضب السلطة الفلسطينية الموجه ليس فقط نحو إسرائيل بل أيضاً نحو إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لعدم قدرتها على إقناع إسرائيل بتغيير سياساتها (وهي عموماً لا تولي القضية الفلسطينية أهمية)، وبالأساس بشأن كل ما يتعلق بوتيرة نشاط الجيش الإسرائيلي العسكري وخصم الأموال التي يتم تحويلها إلى السلطة. هذا بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها الإدارة على السلطة الفلسطينية، بهدف التراجع عن خطواتها في الأمم المتحدة للحصول على عضوية كاملة، إلى جانب الشعور بخيبة الأمل، لأن زيارة بايدن إلى المنطقة لم تؤد إلى نتائج تُذكر لمصلحة الفلسطينيين.

وحسب “مدار” أيضا تم التعبير عن هذا في اللقاءات المتوترة التي أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بربارا ليف في رام الله، وحقيقة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض لقاءها.

تجاهل دولي
ويشير “مدار” هنا أيضا إلى أن “ورقة سياسات” صادرة مؤخراً عن “المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية” (متفيم) بشأن موضوع الخطاب الدولي المتعلق بالدفع قدماً بـ”السلام الإسرائيلي- الفلسطيني”، لفتت، وإن بشكل ضمنيّ، إلى أن أحد أسباب عدم إقدام الحكومة الإسرائيلية الجديدة على ما أسمته “إطلاق خطوات سياسية كبيرة وذات أهمية في الموضوع الفلسطيني” يعود إلى أن اللاعبين الدوليين المركزيين، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، وضعوا الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في درجة أولوية متدنية جداً، وباتوا لا يبدون أي اهتمام أو نيّة للتدخل الجادّ في حلبة هذا الصراع. كما أنه تنعدم في الفترة الراهنة أي نيات مُعلنة من طرف هؤلاء اللاعبين لممارسة أي ضغوط على الحكومة الإسرائيلية، وهم يكتفون بمطالبة إسرائيل بـ”عدم اتخاذ خطوات تصعيدية أو خطوات من شأنها مسّ فرص الحل السياسي المستقبلي”. وبموازاة ذلك يثمنون إعادة فتح قنوات الاتصال والحوار بين مسؤولين رفيعين من الجانبين، وما نجم عن ذلك من خطوات محدودة تنطوي على “إجراءات حسن نية اقتصادية ومدنية تجاه السلطة الفلسطينية”، مع التلميح إلى أن هذه الإجراءات لا تشكل بديلاً لعملية تسوية بعيدة المدى للصراع.

واستعانت الورقة بتقييم سائد حول الخطاب العالمي الراهن حيال الصراع، مؤداه أن المجتمع الدولي يجد الآن صعوبةً جمّة في فهم الموقف الدقيق الذي تتبناه الحكومة الإسرائيلية الجديدة في الشأن الفلسطيني، وذلك من جرّاء وجود تناقضات عميقة بين التصريحات والأفعال التي تصدر عن أوساط متعددة في الحكومة تشدّ إلى اتجاهات مختلفة، بما يعفي مُعدّي الورقة من تحديد هذا الموقف.

ويرجح “مدار” أن ثمة شدّاً إلى اتجاهات مختلفة داخل الحكومة الإسرائيلية الحالية، مثلما تؤكد الورقة، لكن في الموضوع الفلسطيني على وجه التحديد لا يبدو أن سقف عملها مغاير بشكل كلّي لسقف عمل الحكومات السابقة التي توصف بأنها يمينية صرفة. وبرأيه ثمة نقاط عدة أخرى تحضر لدى تناول موضوع الضفة الغربية والأراضي المحتلة منذ 1967، منها السؤال: إلى أي مدى استحال الاحتلال في هذه الأراضي إلى احتلال “مريح” أو “غير مُكلف”.

إعادة الكّرة
ويخلص “مدار” للقول إن غالبية التحليلات الإسرائيلية تؤكد أن الهبّة الفلسطينية في أيار 2021 سبق لها أن ثقبت هذا الوضع، لكنها لم تحرّك المياه في دواليب اللاعبين الدوليين ولا الإقليميين،ولذا فإن الفلسطينيين يعيدون الكرّة الآن، بغية أن يثبتوا لإسرائيل أن الاحتلال مكلف لها، وأنه كان ولا يزال غير مريح بالنسبة اليهم.

أيزنكوت: حل الدولة الواحدة سيكون كارثياً على إسرائيل
في صوت لافت ويندرج عادة خارج السرب الإسرائيلي المركزي، أكد الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال احتياط غادي أيزنكوت، المرشح مع تحالُف “المعسكر الرسمي”، بزعامة وزير الأمن بني غانتس، أنه على الرغم من دعمه الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، فهو يعتبر أن حل الدولة الواحدة سيكون كارثياً على إسرائيل. وقال أيزنكوت، في سياق اجتماع انتخابي عُقد أول أمس: “إن أولئك الذين يريدون تفكيك السلطة الفلسطينية والعودة إلى “غوش قطيف” في قطاع غزة، سوف يجلبون، في رأيي، كارثة إلى إسرائيل”، داعياً إياها أن تمنع إنشاء دولة ثنائية القومية، وأن تسعى لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. واعتبر أيزنكوت أن اتفاقيات أوسلو واتفاقية الخليل وخطة الانفصال عن غزة كانت الخطوات الثلاث الأكثر أهمية للحدّ من الصراع مع الفلسطينيين. وعشية الانتخابات البرلمانية التي يشارك فيها، ولا يمكن تجاهلها من قبل الساسة الإسرائيليين في تصريحاتهم وحساباتهم، أشار ايزنكوت، في المقابل، إلى أنه يدعم “كتل المستوطنات في الضفة الغربية، لكنه لا يدعم البؤر الاستيطانية غير القانونية التي أكد أنه يجب تفكيكها”.

وانتقد كلٌّ من زعيمة حزب “البيت اليهودي” وزيرة الداخلية أييلت شاكيد وعضو الكنيست أوفير صوفر، من حزب “الصهيونية الدينية”، تصريحات أيزنكوت هذه، وأكدا “أنها تثبت أن زعيم تحالفه بني غانتس يساري خطِر”.

المصدر/ القدس العربي