2024-11-25 09:27 م

هل تنجح الجزائر في تحقيق المصالحة الفلسطينية؟.. وكيف؟

2022-09-12

من جديد عاد ملف المصالحة الفلسطينية الداخلية “المُجمد” منذ شهور طويلة، إلى الواجهة بعد الحديث عن تحرك جزائري عالي المستوى، لاستضافة لقاءات الحوار الوطني على أراضيها وإعادة تحريك المياه العكرة لهذا الملف الذي لا يزال يُشكل صفحة سوداء في التاريخ الفلسطيني.
وبدأ الحديث خلال الساعات الماضية عن توجه وفود من قيادات حركتي “حماس” و”فتح” إلى العاصمة الجزائرية، لعقد لقاءات مع المسئولين هناك، لفتح ملفات المصالحة من جديد، والبحث عن مخارج للانقسام الداخلي الحاصل، ومحاولة إحداث اختراقه فعليه وحقيقة، في تقريب وجهات النظر بين الحركتين المتخاصمتين، وإعادة الثقة من جديد، بعد انقسام دام لأكثر من 16 عامًا.
ورغم أن الكثير من الدول العربية وحتى الأوروبية حاولت أن تجرب دورها وتأثيرها وضغوطها بهذا الملف المُعقد وقدمت الكثير والكثير، إلا أن كل المحاولات حتى هذه اللحظة لم تتكلل بالنجاح وفشلت في إيصال “فتح” و”حماس” لاتفاق صريح وواضح يغادر مربع الانقسام الشائك، ويتوجه نحو مصالحة جادة تنتهي  بانتخابات وطنية تشريعية ورئاسية.
ورغم حالة التشاؤم القائمة، وعدم اهتمام الفلسطينيين كثيرًا بتطورات هذا الملف نظرًا لما سبق من مبادرات وتحركات وتجارب جميعها كانت فاشلة منذ العام 2006 وحتى اللحظة، إلا أن البعض أراد أن يضع بعض الأمل في التحرك الجزائري الأخير، وسط تساؤلات تُطرح على الساحة، لعل أبرزها هل تستطيع الجزائر إحداث اخترقه فعليه بملف المصالحة الفلسطينية الداخلية؟ وكيف سيكون ذلك؟، وهل دورها مكمل للوسيط المصري؟
وقبل أسابيع، جددت الجزائر دعوتها الفصائل الفلسطينية لتوحيد مواقفها واستكمال مسار المصالحة الوطنية وتعزيز الصف الداخلي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وطالبت الدول العربية باتخاذ مواقف موحدة لدعم القضية الفلسطينية، والسعي لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى.
وقال رئيس مجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل خلال أعمال المؤتمر الـ33 الطارئ للاتحاد البرلماني العربي، المنعقد في العاصمة المصرية القاهرة، إن “الجزائر تجدد الدعوة التي سبق أن وجهها الرئيس عبد المجيد تبون للإخوة الفلسطينيين من أجل توحيد الصف والتعجيل باستكمال تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية”.
المصالحة أولاً
وأضاف قوجيل أن “وحدة الصف هي أهم عامل في إنجاح الثورات، وعلى الإخوة الفلسطينيين التأسي بثورة الفاتح من نوفمبر الخالدة ضد الاستعمار الفرنسي، والتي رسمت معالم النصر بتوحيد الصفوف، وجمعت الشعب الجزائري بكل انتماءاته تحت راية واحدة تنشد الاستقلال والحرية”.
وكانت الجزائر قد أطلقت، في يناير/ كانون الثاني الماضي، مبادرة لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وأعلنت التحضير لندوة تجمع الفصائل في الجزائر، حيث كانت استقبلت على مدار شهرين كبار القيادات السياسية للفصائل الفلسطينية لجمع وثائق ومقترحات الفصائل الفلسطينية حول مسار المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي، في سياق ترتيبات تمهيدية لعقد مؤتمر الفصائل الفلسطينية، الذي تقرر عقده قبل مؤتمر القمة العربية في الجزائر المزمعة في الأول من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
مسؤول الإعلام في مفوضية التعبئة والتنظيم بحركة (فتح) منير الجاغوب، كشف عن زيارة مرتقبة سيقوم بها وفد قيادي من الحركة إلى الجزائر، وذكر أنّ الوفد إلى الجزائر سيكون برئاسة نائب رئيس الحركة محمود العالول، وعضوية كلّ عزام الأحمد، وروحي فتوح.
بدوره، أوضح عزام الأحمد، عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة “فتح”، أن لقاء الجزائر ليس مبادرة جديدة وهو استكمال للقاء الذي حدث سابقًا.
وقال الأحمد إنه “في بداية العام استضاف الرئيس عبد المجيد تبون كل فصيل على حدا، وتم مناقشته منفردًا، وقدم ورقة لوحده على أساس دراسة الدولة الجزائرية الأوراق وإعدادها لورقة تعرضها للمستمعين وهذا ما سيتم”.
وشدد أن هذا اللقاء امتداد للتحرك المصري، وما يهمنا نحن في الحركة التوصل لاتفاق، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، آملا نجاح الجزائر في جهودها والذي يبنى على موقف الفصائل نفسها، وبشكل خاص حركة حماس التي تعطل تنفيذ ما سبق أن وقع من اتفاقات وتفاهمات وتفسيرات.
وأكد الأحمد أن ممارسات حركة “حماس” على الأرض هي المقياس، مع اعتقاده للأسف أن من يزيد في الانقسام مستبعد حرصه على إنهائه.
بدوره، رحب القيادي في حركة “حماس”، إسماعيل رضوان، بدعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لفصائل العمل الوطني والإسلامي في الجزائر لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة، مثمنًا الدور الهام في دعم القضية الفلسطينية، وقال إنهم “ذاهبون للجزائر بقلب وعقل مفتوحين لأجل تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، آملين نجاح الدور الجزائري والذي يأتي دورًا متوافقًا مع دور المصريين للمصالحة وليس بديلًا عنه”.
وشدد على أن مصر والجزائر متفقتان لأجل تحقيق المصالحة، والمطلوب البدء باستعادة الوحدة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على حسب الاتفاقات الموقعة، وهي المدخل الحقيقي لتحقيق الوحدة على اعتبارها الممثلة للكل الفلسطيني ويجب أن تجمع الكل الفلسطيني، مضيفًا أن الوحدة خيار استراتيجي لدى حماس، وحريصون على تحقيقها في ظل أمل نجاح الحوار الجزائري.
عقبات في الطريق
في السياق، تحدث عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ماهر مزهر، بأن ملف المصالحة حتى اللحظة مجمد ولا يوجد أي جديد بهذا الملف، فالأشقاء المصريون بذلوا جهودًا باتجاه إنجاز المصالحة على مدار ما يزيد عن 11 عامًا، وللأسف تلك الجهود لم تتكلل بالنجاح.
وقال مزهر إنه “يجب أن تتوفر الإرادة السياسية والبدء بخطوات عملية باتجاه إنهاء هذا الانقسام الأسود، والذي بالأساس أصبح يكتوي به كل أبناء شعبنا الفلسطيني سواء في غزة والضفة والقدس أو في الشتات وكافة مواقع اللجوء والمنافي”.
وشدد أنه مطلوب من القيادة الفلسطينية وحركة حماس التحلي بالمسؤولية الوطنية واتخاذ قرارات حاسمة باتجاه الانحياز لمشروع شعبنا ومواجهة الاحتلال وتحقيق آمال الشعب بالحرية والعودة والدولة والاستقلال.
وزاد مزهر أن الجزائر تبذل جهودًا لرأب الصدع والذهاب نحو حوار وطني شامل، وتعمل على دعوة الكل الوطني الفلسطيني، بهدف تقديم ورقة يتم من خلالها جمع 100 شخصية من القوى للاتفاق على البدء بخطوات عملية لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، وأن ذلك يمكن تحقيقه حال الانحياز لمشروع شعبنا في المقاومة ومواجهة الاحتلال.
ومن جانبه قال استاذ العلوم السياسية أيمن الرقب، إن الجزائر تدرك أن المصالحة الفلسطينية لا تتم عبر لقاءات بروتوكولية وصور للإعلام وحتى لو كان بها قبلات وعناق، فالأمر أعمق من ذلك بكثير، مضيفا من يشاهد الصور يدرك بلغة الجسد أن أي منهم لا يطيق النظر في وجه الآخر، مضيفًا ” الحالة الفلسطينية نخر المرض في كل أعضائها، وأن كل الجهود التي بذلتها مصر خلال سنوات طويلة مع هؤلاء القادة لم تصل لإيجاد حلول لطي صفحة الانقسام البغيض”.
وتابع: “فلسطينيًا تحتاج تغيير فكر وشخوص، نحتاج لغة قبول الآخر و تجاوز المصالح الحزبية والذاتية، حتى الانتخابات العامة ليست حل لأننا نحتاج تنشأت جيل يحب بعضه البعض رغم الخلاف الفكري، من مبدأ الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولكن الانتخابات أصبحت الطريق الوحيد، عسى أن يبرز من هذا الظلام نور”.
وأكمل: “نقدر جهد الجزائر ولكن الأمر أكبر من ذلك، تنظيمات فلسطينية رهنت نفسها لدول إقليمية جعلت القضية الفلسطينية تدخل حالة تيه لم تعيشها منذ احتلال فلسطين عام ١٩٤٨م، مشيرا أننا نتمنى رغم سواد المشهد أن نتمكن من إعادة ترتيب بيتنا الفلسطيني لتجاوز التحديات القادمة والتي ستكون أصعب إذا استمر الواقع الحالي كما هو.
واستطرد: “يكفي أن ننظر لحالنا بعد غياب أبو مازن دون ترتيب البيت الفلسطيني حيث تم حل المجلس التشريعي ووزعت مهامه لمؤسسات وشخوص وبالتالي سقط الدستور الفلسطيني”.
ولفت أن فلسطين تحتاج إلى جهد عربي ودولي لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الأساسي وهو إجراء انتخابات لاختيار رئيس، ومجلس تشريعي، ومجلس وطني في ظل وجود الرئيس أبو مازن الذي يبلغ من العمر الآن سبعة وثمانون عاما، وهذا الإجراء أفضل ضامن لتجاوز الفوضى الفلسطينية القادمة.
وتريد الجزائر التوصل إلى رؤية مقبولة من أجل طرح ورقة متفق عليها أمام اجتماع الجامعة العربية، باعتبار أن توحيد الفلسطينيين جزء من خطة أوسع لدعمهم عربياً ودولياً، وإطلاق عملية سلام جديدة.
وحتى الآن تتمسك حركة “فتح” بتشكيل حكومة وحدة تلتزم بالشرعية الدولية قبل أي شيء، لكن “حماس” تريد انتخابات شاملة بما في ذلك منظمة التحرير قبل المضي في أي اتفاق، كما أنها ترفض شكل الحكومة التي يطرحها الرئيس عباس. وتشمل الخلافات إضافة إلى الحكومة والانتخابات، دور السلطة في غزة وفي عملية إعادة الإعمار.
وأمام هذه التناقضات في المشهد الفلسطيني والخلافات المتشابكة والتدخلات الخارجية والداخلية المرتبطة بأجندات.. يبقى السؤال الأبرز.. هل ستنجح الجزائر في مهمتها؟

المصدر: رأي اليوم