يبدو من الصّعب حتى الآن حسم صورة السّيناريو الذي قد يبرزُ على خطّ ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، إلّا أنّ الدخول الأميركيّ على سياق الملف بقوّة وبشكلٍ مباشر، كشف بعض آفاق ما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات، في وقتٍ برز حديثٌ مؤخراً عن لحظات مُنتظرة قد تخلط الأوراق بقوّة.
تقولُ مصادر مواكبة لملف الترسيم لـ"لبنان24" إنّ ما يُظهره مسار الأحداث المرتبطة بالملف، يشيرُ إلى أنّ الأمور قد تصلُ إلى خواتيمها في أي لحظة وتحديداً بعد التدخل البارز للرئيس الأميركي جو بايدن قبل يومين، إذ دعا الأخيرُ بشكل واضح رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد إلى تحقيق "اتفاقٍ سريع" مع لبنان بشأن الحدود البحريّة.
بحسب تلك المصادر، فإنّ ما يجري حالياً هو أن القيادة الإسرائيليّة على الصعيدين الأمني والسياسي، "تُهندسُ" مخرجاً جيداً للملف، ليس من أجلِ لبنان، بل من أجلِ حفظ ماء الوجه أمام جمهورها، وتصوير أن إسرائيل لم تمنح لبنان الاتفاق على طبقٍ من فضّة.
مع هذا، تكشف معلومات "لبنان24" أنّ دوائر دبلوماسية غير عربيّة أبلغت مسؤولين لبنانيين مؤخراً بأنّ الأمور "سالكة" على صعيد ملف الترسيم، وأن هناك بوادر إيجابيّة قد تتحقق خلال أيام شهر أيلول وعلى أبعد تقدير في النصف الثاني منه، وتضيف: "آخر المعطيات المطروحة تُمهّد إلى أن العُقد التي طرأت على صعيد الملف قد يجري تذليلها بغية تدوينِ صيغة نهائية".
ووفقاً للمصادر المواكبة، فإنه من المُفترض أن تكون السفارة الأميركية في بيروت قد تبلغت بالتوقيت المُحدّد لزيارة الوسيط الأميركي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين إلى بيروت، وذلك من أجل اتخاذ إجراءات أمنية معينة ضمن الأماكن التي سيزورها، وتضيف: "بالنسبة للأخير، فإنّه يكثف اتصالاته اليومية بشأن التوصل إلى صيغة نهائية، ومن المفترض أن تتوضح الأمور بشكل أكبر خلال منتصف الأسبوع المقبل أو قبل ذلك".
معطى عسكري - استخباراتي
في الواقع، قد لا تكونُ التسوية التي تُحاك إزاءَ الملف بعيدةً عن إمكانية وجود خطواتٍ لاحقة لترتيب وضعٍ جديد في المنطقة، لكن ما يُكشف في الوقت الحالي هو أنّ هناك "شدّ حبالٍ" قائمٍ على وقع التوتر قبل الوصول إلى حلّ نهائي يُرضي لبنان وإسرائيل، وبالتالي إقصاء أيّ معركة عسكريّة مُحتملة.
مع كل هذا، فإن مطالبة بايدن بإتمامِ اتفاقٍ سريع قد يرتبطُ بمسارات عديدة لا يُمكن إغفالها، أولها أن أميركا ترغبُ بسرعة وقوة في وضعِ الحل على سكة التحقق باعتبار أن التهديدات التي يطلقها "حزب الله" بشكلٍ مستمر قد تؤدي إلى معركة عسكريّة لا تخدم إسرائيل في الوقت الرّاهن.
هنا، تهدف واشنطن إلى إرساء هدوء أمني في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، في وقتٍ رجحت المصادر المواكبة أن تكون أميركا قد شهدت تحركاً فرنسياً مباشراً معها لضمان إنهاءِ التسوية في ملف ترسيم الحدود بأسرع وقتٍ ممكن. وعند هذه النقطة، قد تكونُ الولايات المتحدة تلقت كلاماً واضحاً عن أن هناك ضرورة لاستثمار الغاز في المتوسط وذلك بعدما بات ملف الغاز الروسي المُرتبط بأوروبا ضاغطاً بقوة على المشهد العالمي. ولهذا، بحسب المصادر السياسية المتابعة، قد تجدُ فرنسا نفسها "عرّابة" للحل الذي قد يُنقذ أوروبا من بوابة الغاز الإسرائيلي، وبالتالي كان الدفع قوياً باتجاه تدخل بايدن شخصياً مع إسرائيل والتأكيد على وجوب الوصول إلى تسوية مع لبنان في وقتٍ قصير، وبالتالي تأمين ضخ الغاز لأوروبا.
وما يُمكن أن يسرّع من وتيرة انضاج الحلّ هي المعطيات الضاغطة بشكل مُفاجئ، وآخرها إعلان شركة "غازبروم" الروسية، أمس الجمعة، عن توقف إمدادات الغاز بشكل كامل إلى أوروبا عبر خطة "نورد ستريم 1" بعد اكتشاف تسرّب في الأنابيب. وعملياً، قد يرتبط الأمر بعنصر ضغط كبير من قبل موسكو، في وقتٍ قد يمتد هذا الإيقاف لضخ الغاز إلى وقتٍ غير محدود أو معروف، ما سيزيد الضغط بشكل كبير على الأوروبيين وتحديداً الدول الأساسية هناك.
وبعيداً عن هذه المعطيات الخارجية، ما تبيّن أيضاً هو أن هناك معطيات داخلية لبنانية فرضت نفسها على الطاولة الأميركية والإسرائيلية، وهي ترتبطُ أكثر بمنحى عسكريّ بالغ الأهميّة. وفقاً لمعلومات "لبنان24"، فإنّ التواصل القائم بين "حزب الله" وباريس ازداد خلال الآونة الأخيرة، وقد نُقلت رسائل واضحة عبر قنوات معينة يتولاها دبلوماسيون مفادها أن الحزب لن يتوانى أبداً عن تنفيذ أي ضربة عسكرية ضدّ منصات الغاز الإسرائيلية خلال شهر أيلول الحالي، وذلك في حال استمرت ما اعتبرها الحزب "مماطلة إسرائيليّة".
وفي السياق عينهِ، فقد رجّحت مصادر عديدة أن تكونَ المعلومات الاستخباراتيّة قد لعبت دوراً على صعيد تسريع التدخل الأميركي بشأن لبنان، إذ من الممكن أن تكون المرجعيات الأمنية قد تيقنت تماماً وجود استنفار عسكري عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ما يعني وجود إمكانية لتفجر الوضع الأمني في أي لحظة.
وبحسب المعطيات، فإن تلك الرسائل العسكرية - الاستخباراتية، كانت محور اهتمام فرنسي، ومن الممكن أن تكون عنصر ضغط جديد على الولايات المتحدة من أجلِ ضمان أمن المنطقة من جهة، وتكريس وجود استثماري فرنسي في لبنان عبر شركة "توتال" التي ستلعبُ دوراً محورياً على صعيد التنقيب عن الغاز والنفط. وإلى جانب كل ذلك، فإن أميركا ستكون قد ضمِنت الغاز وبالتالي عزّزت المصالح المرتبطة بها وبإسرائيل، وتمكنت من "إنتشال" أوروبا من مأزق كبير حالياً.
عبارة واحدة تكشف منحى الحرب
ورغم أنّه ما من طروحات مكتوبة للترسيم، إلا أن التدخل الأميركي في الوقت الراهن، وسط التطورات القائمة، قد يساهم في حسم الصيغة النهائية للملف. وعليه، قد يعمد هوكشتاين إلى إبلاغ الجانب الإسرائيلي بوجوب تخفيض حدة الشروط التي قد يراها لبنان "تعجيزية"، في حين أنه في المقابل سيتحرّك مع لبنان لاقناعهِ بضرورة الوصول لصيغة مشتركة تضمن الحقوق ولا تؤدي إلى انتقاصها.
مع هذا، فقد رجّحت المصادر المطلعة أن ترابط المعطيات مع بعضها البعض قد يشير إلى أن أميركا هي التي طلبت من إسرائيل الإعلان عن إمكانية تأجيل استخراج الغاز من حقل "كاريش" من أيلول وحتى تشرين الأول، وذلك لنزع فتيل التوتر المتصاعد. وهنا، قد يكون الدليل على ذلك هو أن بايدن يريدُ إتمام صفقة نهائية ناضجة بعيدة عن الضغط، والأمر هذا ينكشف في سياق حديث الرئيس الأميركي الذي أعرب عن آماله في انجاز اتفاق خلال "الأسابيع المقبلة" وليس خلال "الأيام المقبلة". هنا، فإن هذه العبارة قد تقود نحو عمل أمني قد يخلط الأوراق من جديد، فـ"حزب الله" كان واضحاً خلال رسائله الأخيرة بأن الانتظار لن يكون طويلاً. وعند هذه النقطة، قالت مصادر مقربة من الحزب لـ"لبنان24" أن "الأميركي يُناور لصالح إسرائيل وهو أمرٌ محسوم، إلا أن نطاق تلك المناورات لا يمكن أن يتسع بشكل كبير لأن حزب الله لن يقبل بمماطلة أكبر"، وتضيف: "إشارة بايدن إلى أن الأمور قد تمتد لأسابيع تشيرُ إلى أن المماطلة الاسرائيلية ستبقى مستمرة، وهذا أمرٌ لن يتم السكوت عنه".
واستناداً إلى كل ذلك، من المُرجّح أن يتخذ "حزب الله" خطوة عسكرية في الوقت القريب لتسريعِ وتيرة الملف، في حين أنّ نطاق تلك الضربة قد لا يكون كبيراً بل سيكون ضمن منطقة نزاعٍ أصلاً. مع هذا، فإن هذا الأمر قد يقتصرُ على استهدافٍ محدود قد يتم التلويح من خلاله بأن وتيرة العمليات العسكرية قد تتصاعد تبعاً لاستمرار المماطلة، وهذا الأمر سينكشف حُكماً خلال الأيام المقبلة وتحديداً بعد العاشر من أيلول.
المصدر: لبنان 24