يبدو أن الخطوط الحمر التي كانت ترسمها الدول العربية والإسلامية أمام إسرائيل، في ملف المقدسات الإسلامية وتقاتل بشدة وشراسة عليها، قد بدأت تتلاشى ويخفت لونها ولم تجد أي من يدافع عنها، في ظل موجة التطبيع العالية التي رغبت الكثير من الدول الصعود عليها.
ما جرى في المسجد الأقصى أمس (الأحد)، ليس حدثًا عابرًا يمكن أن يتم تغطيته كخبر أو تقرير مصور عبر وسائل الإعلام المحلية والعربية وحتى الدولية، بل يجب التوقف كثيرًا عند هذا التجرؤ الإسرائيلي الذي لم ولن يحصل لولا وجود ضوء أخضر في استباحه المقدسات الإسلامية داخل مدينة القدس المحتلة، في ظل الوضع الجديد القائم.
ولأول مرة منذ العام1967، سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لعشرات المستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى المبارك عبر باب “الأسباط” بدلاً من المعتاد عبر باب “المغاربة”، ليُشعل بذلك غضبًا فلسطينيا عارمًا وعربيًا “متواضعًا جدًا”، لما تمثله هذه الخطوة “المستفزة” من تجاوز خطير، ومحاولة لتغيير الأمر الواقع بالقدس وتثبيت معادلة التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى.
وسمحت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأحد للمستوطنين، باقتحام المسجد الأقصى المبارك عبر باب الأسباط، وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية إن مجموعة من المستوطنين خرجت من باب الأسباط بعد اقتحام الساحات من باب المغاربة، وعندما وصلت إلى خارج الباب عادت واقتحمت ساحات المسجد، ثم خرجت من باب السلسلة.
وأشارت مصادر مقدسية إلى أن أكثر من 280 مستوطناً اقتحموا المسجد الأقصى، صباح اليوم وأدوا رقصات وطقوساً تلمودية في باحاته.
ويأتي فتح باب الأسباط لاقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، في ظل مطالبات ما تسمى بجماعات الهيكل بفتح جميع أبواب المسجد للمقتحمين.
وأكد النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني باسم زعارير، أن المسجد الأقصى المبارك وصل إلى مرحلة شديدة الخطورة في تهويده، من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجماعات الاستيطانية، مشددًا على أن فتح باب الأسباط أمام المستوطنين انتهاك خطير للغاية، يأتي ضمن مخططات تهويد المسجد وتقسيمه زمانيا ومكانيا.
وتابع: “الاحتلال بات يعطي للمستوطنين هامشا كبيرا لاقتحام المسجد الأقصى، من خلال تكرار الاقتحامات وتوسيع مداها وتعدد مداخلها، لكي يصبح الأقصى مباحًا لهم ولا حرمة لأي زاوية فيه”.
وأوضح أن الأقصى بحاجة إلى تواجد مكثف ومستمر للفلسطينيين، كما يحتاج إلى تفعيل الماكنة الإعلامية لفضح هجوم الاحتلال عليه، كما يحتاج إلى تحرك دبلوماسي قوي لوضع حد لهذه الانتهاكات.
لفت زعارير إلى أن استمرار الصمت على جرائم الاحتلال بحقه، يساهم في تسارع تنفيذ مخطط الاحتلال للسيطرة عليه زمانيا ومكانيا، وقال “يبدو أن الاحتلال قد تلقى ضوءا أخضرا من المستوى الرسمي العربي أن يستمر في تنفيذ مخطط تهويد القدس والأقصى، وما هذا الصمت المريب إلا إشارة واضحة جدا على هذا التواطؤ”.
ورأى أن النظام العربي يريد للخطة الاحتلالية الاستيطانية في القدس أن تمر بدون ضجيج، لما فيه من إحراج لهم أمام الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، مؤكدًا أن كل هذه الانتهاكات المتواصلة تمس بحرمة الأقصى ومقدساتنا وبكرامة المسلمين، إذ يعتبر اعتداءً على ديننا وشعائر إسلامنا وإمعانًا في تنفيذ مخطط الهيكل المزعوم.
الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حازم قاسم، أكد كذلك أن اقتحام مجموعة من المستوطنين لباحات المسجد الأقصى صباح اليوم من خلال باب الأسباط شمال الأقصى، تصعيد خطير من المتطرفين الصهاينة، وسلطات الاحتلال التي تسمح لهم باقتحام الأقصى بهذه الطريقة.
وأضاف قاسم في تصريحات صحيفة، أن هناك تصاعد كبير في العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى، من خلال اقتحاماته المتكررة، بالتزامن مع دخول نساء متطرفات بشكل فاضح الأربعاء الماضي لباحات الأقصى والتقاط الصور.
وشدد على أن هذه “السياسة الصهيونية ورعاية سلطات الاحتلال للمستوطنين “استفزاز خطير جداً للشعب الفلسطيني والمقاومة”.
بدوره، اعتبر القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أحمد المدلل، أن اقتحامات المستوطنين استمرار لجريمة الاحتلال لتكريس وقائع يهودية من أداء الطقوس اليهودية داخل المسجد الأقصى وتهويده، وهذا ما يجب أن يدفع شعبنا والأمة العربية والإسلامية ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه المسجد والدفاع عنه.
وقال إن “ذلك يتطلب انتفاضة جماهيرية عارمة في الضفة الغربية، وأن توجه الأمة العربية والإسلامية بوصلتها باتجاه المسجد الأقصى من أجل دعم صمود أهلنا هناك، والدفاع عن أقصانا”.
وأضاف: “كما ونحتاج إلى تحرك عربي إسلامي فلسطيني لفضح هذه الجرائم ضد المسجد الأقصى، ورفض كافة المسلمين لأداء مثل هذه الطقوس اليهودية أو تهويد المسجد الأقصى إلى الهيكل الثالث المزعوم”.
بدوره حذر مدير المسجد الأقصى المبارك الشيخ عمر الكسواني، من تجاوزات وتصرفات شرطة الاحتلال مع مقتحمي المسجد الأقصى؛ بإخراج مجموعة من المستوطنين وإعادة إدخال البعض لإكمال الاقتحام الاستفزازي للمسجد .
وقال الشيخ الكسواني إن اقتحامات الأقصى مرفوضة من كل الأبواب، سواء من باب المغاربة أو أي باب آخر للأقصى، فهذا المسجد هو مسجد إسلامي لا يقبل القسمة ولا الشراكة.
وعن أهداف الخطوة الإسرائيلية، أكد الباحث المقدسي رضوان عمرو، أن هذه الخطوة الإسرائيلية هدفها الأساسي جس نبض المسلمين واختبار ردة فعل أهل الأقصى والفلسطينيين، قبل الشروع في تنفيذ المخططات المعدة سابقاً بشأن مواعيد وطرق الاقتحامات اليومية لباحات المسجد الأقصى المبارك.
وبين أن هذه الخطوة إذا مرت مرور الكرام دون أي احتجاج فعلى للمسلمين ستتكرر كثيراً في قادم الأيام ليس فقط على باب الأسباط، بل قد تصل للتفكير في أبواب أخرى توضع أمام المستوطنين لتسهيل اقتحاماتهم اليومية لباحات المسجد الأقصى المبارك.
ورأى أن الخطوة الإسرائيلية بالسماح باقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى من باب الأسباط، يندرج تحت لعبة متدرجة متفق عليها مسبقا بين جماعات الهيكل وقوات الاحتلال وما يؤكد ذلك اعتبار ما تسمى بجماعات الهيكل الدخول من باب الأسباط بحدث غير مسبوق في تسهيل اقتحاماتها عبر أبواب الأقصى الأخرى لأول مرة منذ عام 1967م، داعيا لضرورة القيام باحتجاج إسلامي من شأنه بث القلق لدى الاحتلال ويضع حداً لانتهاكاته بحق الأقصى.
وأمام هذا التطور غير المسبوق يبقى التساؤل الأكبر.. من سيدافع عن الأقصى؟.. وأين الأمتين العربية والإسلامية من الذي يجري؟
المصدر: رأي اليوم