العلاقات المصريّة الإسرائيليّة تمُرّ في أزمةٍ، ولكن، يُشدّد صُنّاع القرار في تل أبيب أنّ الحديث لا يدور عن أزمةٍ دبلوماسيّةٍ بين البلديْن، وفي هذا السياق، رأت مصادر واسعة الاطلاع في دولة الاحتلال أنّ أسباب التوتر بين مصر وإسرائيل معروفة، لافتةً بحسب صحيفة (هآرتس) العبريّة إلى أنّ تل أبيب خيّبت أمل القاهرة عندما اغتالت، بخلاف طلبها، مسؤولَيْن رفيعَيْ المستوى في الجهاد الإسلاميّ، أيْ الشهيديْن تيسر الجعبري وخالد منصور، ولم تُطلق سراح المعتقليْن بسام السعدي وخليل عواودة اللذيْن، بحسب مصر، تعهدت بإطلاق سراحهما، وأسقطت قبل شهرين مسيّرة مصرية فوق سيناء، بالإضافة إلى فضيحة المقبرة الجماعية للجنود المصريين الذين قُتلوا في سنة 1967 بالقرب من دير اللطرون، والتي أقيم فوقها موقف للسيارات، وهو ما أضاف طبقة تاريخية حساسة على التوتر بين البلدين. (رأي اليوم 8.07.22).
المشكلة تكمن في شعور مصر بأنّ إسرائيل لم تتعامل بجديّةٍ مع وساطتها
مُحلِّل الشؤون الشرق أوسطيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، المُستشرِق د. تسفي بارئيل، رأى أنّ المشكلة هذه المرة تكمن في شعور مصر بأنّ إسرائيل ليس فقط لم تتعامل بجديّةٍ مع وساطتها، بل تجاهلت أيضًا الحاجة إلى دفع ثمن الهدوء الذي نجحت مصر في تحقيقه، كما قال.
يُشار إلى أنّ المحكمة العليا الإسرائيليّة برفضها الاستئناف الذي قدّمه الأسير عواودة لإطلاق سراح، ربّما دقّت المسار الأخير في نعش “شهر العسل”، الذي كان قائمًا بين القاهرة والقدس، والذي توطّد مع اعتلاء نفتالي بينيت سُدّة الحكم ومن بعده يائير لبيد.
خطر الموت يتهدّدّه: إسرائيل وعدت بإطلاق الأسير عواودة وأخلّت بوعدها والمحكمة العليا رفضت الإفراج عنه
وكانت العليا الإسرائيلية، ردّت يوم الأحد من هذا الأسبوع، التماس الأسير عواودة، المضرب عن الطعام منذ 162 يومًا، ورفضت الإفراج عنه، واكتفت بالتأكيد على قرار “تجميد” الاعتقال الإداريّ بحقّه الصادر عن القائد العسكريّ للاحتلال في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وإلى جانب ذلك، يبدو أنّ زيارة رئيش (الشاباك) إلى مصر يوميْ الأحد والاثنيْن الماضييْن لم تُسهِم في كسر الجليد بين البلديْن المُوعيْن على اتفاق سلامٍ منذ العام 1979.
وعودٌ على بدءٍ: الصحيفة العبريّة نقلت عن محللٍ مصريٍّ تحدث لمحللها، دون ذكر اسمه، نقلت عنه قوله إنّ “قدرة التأثير المصريّ في الجهاد الإسلامي مختلفة تمامًا عن تأثيرها في حماس، إذْ أنّ حماس مرتبطة بمصر أكثر ممّا هي مرتبطة بإسرائيل، والحاجة إلى بقاء معبر رفح مفتوحًا لدخول السلع وانتقال المواطنين والسفر إلى الخارج، وأعمال إعادة الإعمار المصرية التي تجري في غزة، هذه كلها نقاط ضعف بالنسبة إلى حماس، وتجبرها على قبول مطالب القاهرة”، وفق المُحلّل المصريّ، الذي أكّدت (هآرتس) أنّه يعمل في جريدةٍ رسميّةٍ.
الجهاد الإسلاميّ قادرٌ بأيّ لحظةٍ إفشال خطواتٍ دبلوماسيّةٍ أوْ التنسيق الأمني والاقتصادي بين مصر وحماس
وبرأي المعلّق المصريّ، فإنّ الجهاد الإسلاميّ، بالاستناد إلى تعريفه وهيكليته وأيديولوجيته، فقد جرى إدراجه على قائمة التنظيمات الإرهابيّة في مصر منذ وقت طويل، المشكلة أنّه قادرٌ في أيّ لحظةٍ على إفشال خطواتٍ دبلوماسيّةٍ، أوْ التنسيق الأمني والاقتصادي بين مصر وحماس، من هنا تأتي حاجة مصر لإرضاء زعامته”.
المُستشرِق الإسرائيليّ أضاف من ناحيته أنّه “في كل مرّةٍ تضطر فيها مصر للتوسط بين إسرائيل والتنظيمات في غزة، يُطرح اختبار التوازن الهش بين الجهاد الإسلاميّ و”حماس” وضغوط إسرائيل وتهديداتها، وبين قدرات القاهرة الدبلوماسية، وهذا التوازُن له ثمن مرتفع دائمًا، سواء كان المقصود التعهد بالاستثمار في غزة، وإعطاء تصاريح عمل، وتقديم تسهيلات لمرور البضائع ومواد البناء، أو إطلاق سراح أسرى”
ومضى قائلاً:”صحيح أنّ مصر تحتفظ بالحق الحصري في التوسط وإدارة العلاقات بين إسرائيل والتنظيمات في غزة، لكن هذا الاحتكار يجري تحت الأعين الساهرة لدولٍ عربيّةٍ أُخرى تُعاني جرّاء ضغطٍ داخليٍّ بشأن كلّ ما له علاقة بالمشكلة الفلسطينية”.
الدول المُطبّعة الإمارات والمغرب والبحرين والأردن تحرص دائمًا بتأكيد التزامها لحل النزاع الإسرائيليّ- الفلسطينيّ
ولفت د. بارئيل في تحليله بـ(هآرتس) العبريّة إلى أنّه من بين هذه الدول، الإمارات والمغرب والبحرين والأردن، التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، وهذه تحرص دائمًا على تأكيد التزامها حل النزاع الإسرائيليّ- الفلسطينيّ.
وأضاف:”التدخل الفاعل لمصر في غزة والضعيف في الضفة الغربيّة يُعفيها من الحاجة إلى الاهتمام بهذا النزاع، شرط أنْ تنجح القاهرة في منع انزلاقه إلى أراضيها، مثلما يجري عندما تندلع مواجهات في الحرم القدسي، مُشدّدًا على أنّ “تطبيع العلاقات مع إسرائيل بالتحديد يتطلب فهمًا أكبر لحساسية هذه الدول إزاء أي تطورات في المناطق، ولدور مصر في احتواء المواجهات، وفي تقديم حلولٍ”، على حدّ تعبيره.
د. بارئيل أكّد أنّ “هذه الشبكة من العلاقات الجديدة والواسعة لا تسمح لإسرائيل بتجاهل تحذيرات وطلبات دول عربية صديقة، والتي من شأنها فرض قيود على حرية العمل العسكري والاقتصادي في المناطق عمومًا، وفي غزة خصوصًا، لأنّه في الماضي، كان باستطاعة إسرائيل الاعتماد على التأييد الأمريكيّ التلقائيّ، وعلى التعاون الأمنيّ مع مصر، كغطاءٍ كافٍ لعملياتٍ عسكريّةٍ”.
على إسرائيل التفكير بتداعيات خطواتها على تداعيات علاقات الدول العربيّة ومصر
وخلُص المُستشرِق إلى القول إنّه “يتعيّن اليوم على إسرائيل التفكير في تداعيات خطواتها على الدائرة العربيّة، وبصورةٍ لا تقّل أهميةً، التداعيات على منظومة العلاقات بين الدول العربية ومصر، فعندما تفشل مصر في مهمتها، في نظر (الجهاد الإسلاميّ)، فإنّ سيضر بمكانتها، ليس فقط حياله، بل إزاء (حماس) أيضًا، التي تريد إسرائيل المحافظة على سلطتها، وإزاء الدول العربية الأُخرى المرتبطة بإسرائيل”، على حدّ تعبير د. بارئيل.
التحذير المصري لإسرائيل: السنوار خّط أحمر
وكانت صحيفة (هآرتس)، قد انفردت في شهر أيّار (مايو) المُنصرِم بنشر خبرٍ جاء فيه أنّ مصر وجّهت رسالةً حادّةً وواضحةً لإسرائيل حذرت فيها من اغتيال زعيم حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، ونقلت الصحيفة عن مصادر مصرية قولها، إنّه خلال الاتصالات المستمرة التي تجريها المخابرات المصرية مع إسرائيل، أوضحت أنّ أيّ محاولةٍ لإيذاء السنوار يمكن أنْ تؤدي إلى حرب جديدة، ونسف جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها حتى الآن بجهد كبير، وأنها لن تعود قادرة على العمل كوسيطٍ، على حدّ تعبيرها.
ووفقًا للمصادر، فإن هذه ليست المرة الأولى التي تُرسِل فيها مصر مثل هذه الرسالة إلى إسرائيل، حتى أنه أثناء عملية (حارس الأسوار- سيف القدس) في أيّار (مايو) من العام الماضي، حذرت القاهرة من إلحاق الضرر بالسنوار، ولكن هذه المرّة كان التحذير المصري بشكلٍ أكثر حدّة، وفقًا لمصادر الصحيفة العبريّة.
المصدر: رأي اليوم
زيارة رئيس "الشاباك" للقاهرة أخفقت في "كسر الجليد"
2022-08-26