2024-11-24 11:51 م

باحث وجنرال: الفلسطينيون أكثرية وإسرائيل تبحر نحو جبل جليدي كالتيتانيك

2022-08-09

مجدّداً يحذّر باحث إسرائيلي، جنرال في الاحتياط، من مصير أسود ينتظر إسرائيل دون تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني: “إنها تبحر كالتيتانيك بشكل أعمى نحو جبل جليدي”، لكنه يقول إن الباب ما زال مفتوحا لتغيير الاتجاه وتفادي الارتطام.

 وفي مقاله المطول، المكتوب قبيل الحرب على غزة، يستذكر الباحث شاؤول أرئيلي، خبير الخرائط الأول في إسرائيل، والمختص في دراسات الصراع، أنه في ما يعرف بـ “إعلان القدس”، الذي وقع عليه، الشهر الماضي، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس حكومة الاحتلال يائير لبيد، والذي أعلن فيه بايدن التزامه الشخصي بعيد المدى باتفاق سياسي، تم حصر حل الدولتين في جملة واحدة في نهاية الوثيقة.

 أرئيلي، الباحث الإسرائيلي الذي ما زال يؤمن بحل الدولتين، يرى أن الكرة في ما يتعلق بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، توجد في يد الطرفين، بالأساس في يد إسرائيل، وبرأيه السؤال هو هل القيادة الإسرائيلية تقود دولة إسرائيل بشكل واع نحو هدف وطني استراتيجي مقبول في المجتمع الإسرائيلي– اليهودي والعربي.

ويقول إن الاستطلاعات الجديدة تظهر أن الجمهور الإسرائيلي لا يدرك بأن الدولة تسير نحو واقع من شأنه أن يقوض كل المشروع الصهيوني، وأن هذا الجمهور مصاب بالعمى بخصوص التهديدات المستقبلية التي يمكن أن تؤثر على مصيره ومستقبله.

 أرئيلي، الذي سبق وصدرت عنه دراسات وكتب مهمة وجريئة، أبرزها كتاب “هل هكذا حدث بالضبط”، يعرّي فيه الأساطير الصهيونية، يتابع في تحذيراته: “يجب التأكيد على أنه حتى الآن، خلافاً لقرارات كثيرة للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل في ما يتعلق بتقسيم البلاد من 29 تشرين الثاني 1947، وحتى “حلم السلام لترامب” من كانون الثاني 2020، لم تتخذ أي حكومة إسرائيلية قرار تبني حل الدولة الواحدة، ولم تناقش الكنيست في أي وقت هذه الاحتمالية”.

أرئيلي، الذي ينبه منذ سنوات من خطورة التحولات الديموغرافية، يقول في مقاله إنه حسب ما يعرف بـ “الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال فإنه بدءاً من العام 2020 فإن اليهود هم أقلية – 49 %– من إجمالي السكان الذين يوجدون غرب نهر الأردن. مشيرا إلى أن هذا هو الانقلاب الديموغرافي الثاني، الذي حدث خلال أقل من مائة سنة، الأول كان في 1949 بعد حرب 1948 الذي حول اليهود الى الأغلبية في الدولة، التي امتدت على مساحة 78 %من مساحة البلاد، ولكن الانقلاب الديموغرافي في العام 2020 مرّ بهدوء مفاجئ، رغم الإمكانية الكامنة والمتفجرة المدفونة فيه.
أغلبية يمينية
وطبقا لأرئيلي، توفر الاستطلاعات، التي أجريت في السنوات الأربع الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي، صورة شاملة، سواء حول مواقف الجمهور في إسرائيل (اليهود والعرب) أو بخصوص رؤيته للواقع وفهمه للعمليات المهمة التي تحدث تحت الأرض. ويقول إن معظم الجمهور اليهودي في الدولة يعتبر نفسه يمينياً، ويصوت للأحزاب اليمينية، ما ينعكس في الـ 72 مقعداً لأحزاب اليمين في الكنيست الـ 24. ولكن معظم الجمهور اليهودي يؤمن أيضا بأنه يجب الانفصال عن الفلسطينيين. ويضيف: “قمنا بفحص تأييد الجمهور اليهودي لحلول سياسية مختلفة في سبعة استطلاعات أجريت في الأعوام 2018 – 2022. وقد طلب من المستطلعين تحديد الاحتمال الأفضل لهم من بين أربعة احتمالات: اتفاق سياسي مع الفلسطينيين على دولتين لشعبين، أو انفصال إسرائيلي أحادي الجانب عن الفلسطينيين، يشمل إخلاء مستوطنات نائية وانكفاء خلف جدار الفصل وبقاء الجيش الإسرائيلي على الأرض إلى حين التوصل الى اتفاق دائم، أو ضم أحادي الجانب للضفة الغربية أو استمرار الوضع الراهن.

أغلبية مع الانفصال
وينوه إلى أنه في الاستطلاع الأخير الذي أجري في يونيو/ حزيران 2022، أيد أكثر من 60% من اليهود حل الانفصال عن الفلسطينيين (اتفاق سياسي أو انفصال أحادي الجانب)، وأيد 16 % ضمّاً أحادي الجانب لـ الضفة الغربية.

 ويتابع: “لكن يجب الإشارة إلى أن تأييد الانفصال عن الفلسطينيين تآكل مع مرور الوقت. ففي العام 2018 تقريبا أيد ثلاثة أرباع الجمهور الإسرائيلي اتفاقا سياسيا أو الانفصال. ومن استطلاع الى آخر أخذ هذا العدد بالتقلص. من يؤيدون الانفصال لم ينتقلوا إلى دعم الضم أحادي الجانب، بل إلى استمرار الوضع القائم. مقابل 10 % أيدوا هذه الاحتمالية (الضمّ) في 2018، في 2022 أيّد هذه الاحتمالية أكثر من 20 %.  ويقول إن تأييد الضم بقي على حاله، باستثناء وقت قصير، في نهاية 2019 وبداية 2020، حيث ارتفع الى 25 % تقريبا بسبب خطة ترامب والدعوة العلنية لرئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، لضم مناطق لإسرائيل كما يبدو.

بين اليمين واليسار
كما يقول إنه في استطلاع سابق أُجري في العام 2020 طُلب فحص العلاقة بين تأييد حلول سياسية مختلفة وبين التصويت للكتلتين السياسيتين، اليمين واليسار، في الانتخابات التي أُجريت في مارس/ آذار 2020. وقد تبيّن أن التصويت لليمين تقريبا لا يتم تفسيره عن طريق تأييد الضم، وفي المقابل، تأييد حل الانفصال، بدولتين أو انفصال مبادر إليه، تنبأ بصورة كبيرة بالتصويت، حيث فسر دعم الدولتين التصويت لكتلة اليسار– الوسط، في حين فسر تأييد الانفصال الإسرائيلي المبادر إليه التصويت لليمين. ويستذكر أرئيلي أنه في استطلاع يونيو/حزيران 2022 ظهر أنه رغم أن معظم الإسرائيليين يفضّل حل الانفصال، إلا أنه أيضا يؤمن بأن الأغلبية لا تؤيد هذا الحل أي أن الأغلبية تؤمن بأنها أقلية. ويضيف: “يعتقد الجمهور اليهودي أيضا أن الفلسطينيين غير معنيين بحل الدولتين، رغم أن استطلاعات في السلطة الفلسطينية تدل على أنه رغم التآكل الذي حدث مع مرور الوقت في دعم هذا الحل، إلا أنه ما زال الأكثر شعبية. مع ذلك، أيضا تراجع الفلسطينيون عن فكرة حل الدولتين. وإذا كانت الأغلبية في السابق تؤيد المصالحة مع إسرائيل إلا أن أقل من ثلث الجمهور الفلسطيني، الآن، يؤيدها”.

احتمالات تسوية الدولتين
ويشير أرئيلي إلى أن الجمهور اليهودي لا يؤمن بأن حل الدولتين ما زال قابلا للتحقق (60 %)، والتفسير السائد لذلك هو أنه لا يوجد ولن يوجد شريك فلسطيني. وفي المقابل، يعارض الجمهور اليهودي بشدة حل دولة واحدة من البحر الى النهر. منوها بأنه في حين أن المعارضة لدولة واحدة ديمقراطية مع حقوق متساوية لليهود والعرب شديدة بشكل خاص (80 %في أوساط الجمهور اليهودي) فإن المعارضة لدولة غير ديمقراطية يكون فيها للفلسطينيين حقوق مقيم وليس حقوق مواطنة كاملة، هي معارضة معتدلة أكثر، 53 % يعارضون هذه الاحتمالية. ويكشف أرئيلي أنه مع ذلك، هناك حوالي ثلث الجمهور اليهودي مستعد لقبول احتمالية دولة يهودية غير ديمقراطية من البحر حتى النهر.

الدولة الواحدة.. رؤية مشوهّة للحقائق
 ويوضح أيضا أن الجمهور اليهودي غير معني بدولة واحدة، لكنه لا يقلق من احتمالية أن تتحول إسرائيل إلى مثل هذه الدولة، وعن ذلك يقول أرئيلي: “تعتقد الأغلبية (80 %) أننا بعيدون جدا عن هذه الاحتمالية أو عن احتمالية دولة “أبرتهايد”، وأنه لا يوجد أي خوف من أن نصل إلى وضع كهذا. هذه الفجوة بين العقليات في العالم– الذي يعتقد أن إسرائيل تتبع سياسة “الأبرتهايد” مع الفلسطينيين ومع عقلية الجمهور اليهودي– يمكن أن تعكس رؤية ذاتية، وعدم معرفة الواقع الديموغرافي يدل على رؤية مشوهة للحقائق.

 وللتدليل على رؤيته هذه يقول أرئيلي إن معظم الجمهور اليهودي في إسرائيل يؤمن بأن هناك أغلبية واضحة، 62 % وأكثر، من اليهود بين البحر والنهر، رغم أنه فعليا توجد، الآن، أقلية يهودية في البلاد (فلسطين الانتدابية). وبرأيه تبرز هذه الفجوة إزاء حقيقة أنه إذا تمت إقامة دولة واحدة فإن الأغلبية الساحقة من الجمهور اليهودي تعتقد أنه يجب أن يكون فيها أغلبية، على الأقل 70 % من اليهود من أجل أن تستطيع مواصلة اعتبار نفسها دولة يهودية. وينوه أيضا إلى أن الجمهور العربي في إسرائيل يعتقد في المقابل أننا قريبون من دولة واحدة، ويعتقد النصف منهم بأننا أصبحنا في وضع دولة واحدة، لا توجد فيها مساواة في الحقوق بين اليهود والعرب.

ويتابع: “يفضل معظم الجمهور العربي في إسرائيل اتفاقا سياسيا بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه شبيه بالجمهور اليهودي، لا يؤمن بأن مثل هذا الاتفاق ما زال ممكنا. في السنتين الأخيرتين، اختفى تقريبا النقاش السياسي بين من يؤيدون تقسيم البلاد ومن يؤيدون “الدولة الواحدة”. نزل هذا الموضوع من العناوين، ويبدو أنه لم يعد هناك من يهتم به. عمليا، لا ينجح الواقع المتغير في اقتحام شاشة الإنكار”. ويرى أرئيلي أن الاستطلاعات في السنوات الأخيرة تدل على أن الجمهور الإسرائيلي (وربما أيضا القيادة) يسير بشكل أعمى نحو واقع لا يريده أبداً. ويتابع، في محاولة جديدة قرع الخزان: “الإسرائيليون غير واعين للعملية الزاحفة لخلق الدولة الواحدة التي يعارضونها. هم ينكرون الواقع الديموغرافي الذي لا يسمح بقيام دولة يهودية وديموقراطية بين البحر والنهر. ولا يعرفون التغيرات المهمة في مزاج العالم بالنسبة لـ “الوضع الراهن” أو الحساسية المتزايدة في العالم إزاء عدم المساواة.

انتحار وطني
ومن أجل تدعيم رؤيته يستذكر أرئيلي ما كتبه الباحث الإسرائيلي الراحل، الجنرال في الاحتياط يهوشفاط هركابي في كتابه الصادر في 1986 بعنوان “قرارات مصيرية حاسمة”: “أعترف بالحق الديموقراطي لليهود في إسرائيل أن يجلبوا لأنفسهم انتحارا وطنيا. إذا حدث ذلك فسأذهب معهم. ولكن بقدر استطاعتي أريد تحذيرهم من ذلك”.

ويخلص أرئيلي للقول، في مقاله المنشور في ملحق صحيفة “هآرتس”: “أيضا نريد أن نضع أمام القيادة وأمام الجمهور إشارة تحذير ضوئية من إمكانية أن تتحول إسرائيل إلى دولة واحدة غير مساواتية بين البحر والنهر. لا نحذر من تجسيد الحق الديموقراطي للجمهور الإسرائيلي في تقرير مصيره، بل من الانجراف غير الواعي نحو واقع لا يريده، ولم تتخذ الحكومة والكنيست أي قرار بشأنه. تبحر دولة إسرائيل بشكل أعمى نحو جبل جليد، لكن ما زال يمكن الاستيقاظ وتغيير الاتجاه وتجنب الاصطدام به”.

المصدر: القدس العربي