حتى اللحظات الأخيرة، واصلت المقاومة الفلسطينية، قصف مستوطنات غلاف غزّة بوتيرةٍ تدريجية حتى إنّ صواريخ المقاومة وصلت في الساعات الأخيرة من المواجهة إلى القدس المحتلة وبئر السبع، وهذا الأمر فاجأ الاحتلال، ودفعه إلى إجراء اتصالاتٍ مُكثّفة قادها الوسيط المصري، وأفضت إلى تهدئة مدفوعة برغبةٍ إسرائيلية ، وتكثّفت الاتصالات التي تقودها القاهرة، وأفضت إلى إعلان التهدئة وإنهاء العدوان الإسرائيلي، بعدما أبلغت حكومة الاحتلال، المصريين، استعدادها لذلك، والعودة إلى الهدوء.
"الجهاد" حركة قادرة.. والاحتلال عاجز عن محو صورة الهزيمة
حققت حركة الجهاد الإسلامي، خلال مواجهتها مع الاحتلال على مدار الأيام الثلاثة ما أرادته منذ البداية، وفرضت شروطها لوقف إطلاق النار، بعد أن كبّدت الاحتلال خسائر معنوية ومادية، إذ أطلقت نحو 950 صاروخاً والمئات من قذائف الهاون، وصل بعضها إلى القدس المحتلة، ومُدن غلاف غزّة مثل عسقلان وأسدود وسديروت وبئر السبع وهو إنجازٌ وكسر للمعادلات وتعميق مشاعرالرعب لدى المستوطنين.
ورغم أنّ الهدف الإسرائيلي من المواجهة كان تصفية حركة الجهاد وجناحها العسكري، قال مصدر أمني إسرائيلي لصحيفة "هآرتس" إنّ "الحركة مثلما نرى لا تزال قادرة على خوض جولات قتال لأيامٍ عدّة، والوصول إلى المستوطنات الإسرائيلية".
وكذلك، فرضت الحركة على مستوطنات غلاف غزّة تدابير أمنية جديدة، منها أنّه لن تُقام أنشطة تعليم في الغلاف، كما ستُحد التجمعات إلى 10 أشخاص في مكانٍ مفتوح و50 في مبنىّ مغلق، أما الشواطئ فستبقى مغلقة أمام المستوطنين، وهذا وفق وسائل إعلام إسرائيلية.
القرار المركزي فيما يتعلق بوقف المعركة كان بيد الحركة، كما عرّت هذه المواجهة حكومة يائير لابيد، التي لم تستطع مواصلة القتال لفترةٍ طويلة، ولم تستطع أن تظهر نفسها أكثر قدرة من نتنياهو أو بينيت، وهذا الأمر دفع بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى وصف طريقة المواجهة مع غزّة بـ "الغبية". وبذلك يكون الاحتلال قد عجز مجدداً عن محو صورة العجز العسكري التي لازمته في معركة سيف القدس وما بعدها.
عوامل القلق لدى الاحتلال
ليس سراً، أنّ الاحتلال الذي بادر إلى هذا العدوان يَحرُص على جملةٍ من المسائل العسكرية بالدرجة الأولى، أهمها حماية مستوطنات الغلاف للحيلولة دون تحقيق المقاومة لمكاسب فورية من انتزاع صورة النصر المتمثلة بمشاهد هروب المستوطنين من بيوتهم، وهذا ما حصل بالفعل، فنحو 2 مليون إسرائيلي في غلاف غزّة ووصولاً إلى عسقلان عاشوا حرب أعصاب، ومعظمهم هرب باستخدام الباصات إلى شمال فلسطين المحتلة.
الأمر الثاني الذي يحرص عليه الاحتلال، هو تجنّب إيقاع الخسائر في صفوف المستوطنين في الجبهة الداخلية، في ضوء التغذية الراجعة من الحروب السابقة التي لم يحقق فيها الجمهور الإسرائيلي انضباطاً حقيقياً. وأظهرت فيديوهات متعددة حالة الخوف والهلع مع انطلاق دويّ صفارات الإنذار، كما تظهر الفيديوهات ضابطاً وأعضاءً في الكنيست الإسرائيلي منبطحين على الأرض خوفاً من صواريخ المقاومة.
تخوّف الاحتلال من اشتعال الضفة وفلسطينيي الداخل المحتل هو ما يمثله الأمر الثالث. حيث يخشى في حالة تصاعد التوتر في غزة، وتوسع أيام القتال أن ينضم فلسطينيو الـ48 لهذه المواجهة، ويُشعلوا النار في الشارع الإسرائيلي مرّة أخرى، وهذا ما دفع شرطة الاحتلال إلى فرض مزيدٍ من الاستعدادات الأمنية، مع العلم أنّ المواجهة انطلقت رداً على اعتقال القيادي بسام السعدي من مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة.
أما الأمر الرابع، فيتمثل في الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، والخشية الإسرائيلية من توسّع القتال إليهما، ولا سيما أنّ المواجهة في غزّة كان يمكن أن تتحول إلى حربٍ في الإقليم إذا استمرّ الاحتلال في التصعيد. وأبدت المقاومة إمكانية ذلك.
الأمر الخامس، هو تزامن هذه المواجهة العسكرية، مع حرب حزبية انتخابية بين الإسرائيليين، ما قد يمنح هذه الحرب أبعاداً شخصية وانتخابية لا تخطئها العين، وقد نشهد مزايدات حزبية داخلية، رغم أن تطلعات قادة "جيش" الاحتلال من هذه الحرب لتحقيق مكاسب انتخابية أصبحت أوضح من أن يتم إخفاؤها.
حتى إنّ النتائج جاءت عكسية على حكومة لابيد، فقد نسبت عضو الكنيست عايدة سليمان التصعيد إلى أطماع شخصية للابيد الذي "يحاول إثبات نفسه على أنّه رجل أمن بإحداث الفوضى في غزّة ووضع الإسرائيليين في الملاجئ"، داعيةً إلى "وقف إطلاق النار".
حركة الجهاد الإسلامي حاضرة للمواجهة في حال قرر الاحتلال خرق الهدنة، إذ وعد أمينها العام بعودة المقاومة إلى المعركة في حال لم يلتزم العدو بما اتفق عليه عبر الوساطة المصرية.
المصدر: الميادين نت