وفي اليوم الثالث من العدوان على غزة، استفاقت إسرائيل من سكْرة التدمير والتقتيل، لتجد نفسها في الوضعية التالية: لا هي قادرة على الاستمرار في عملياتها، ولا في متناول يدها إيقافها على هواها. إذ إن بنك العمليات الذي حدّدته تل أبيب لتدفيع حركة «الجهاد الإسلامي» ثمن إصرارها على ربط ساحتَي الضفة وغزة، استنُفد سريعاً، فيما المضيّ في المعركة من دون أهداف جديدة وواضحة، يعني المخاطرة بفقدان المكاسب التي يعتقد يائير لابيد وبني غانتس وأفيف كوخافي أنهم استطاعوا تحقيقها، فضلاً عن المجازفة بتوسيع دائرة المواجهة واجتذاب «كتائب القسام» إلى المشاركة المباشرة فيها. ومن هنا، استعجلت إسرائيل اتفاقاً لوقف إطلاق النار أعلنه الجانب المصري في ساعة متأخّرة من مساء أمس، وتعهّد فيه الأخير بالعمل على الإفراج عن الأسيرَين بسام السعدي وخليل العواودة في أقرب وقت ممكن. تعهّدٌ قد تجوز قراءته على أنه تلبية لمطلب «الجهاد» التي رفضت وقف إطلاق النار كيفما كان، وأرادت انتزاع ثمن لذلك. لكن هذا المكسب يظلّ رهناً بمدى قدرة الجانب المصري على الوفاء بوعوده، وهو ما لا تبدو التجارب السابقة مبشّرة بخصوصه. وأيّاً يكن، فإن جولة القتال الأخيرة، على قِصَرها، ستكون موضوع تمحيص وتحليل لدى الأطراف المعنيّة كافة، خصوصاً منها فصائل المقاومة في غزة، والتي استطاعت هذه الجولة، ولو ظاهرياً، أن تخدش صورة وحدتها وقدرتها على تثبيت المعادلات التي أفرزتها معركة «سيف القدس». لكن على رغم فداحة الخسائر التي لحقت بـ«الجهاد»، وعمق الخروقات التي استطاع العدو إحداثها في جدار معادلة ربط الساحات، إلّا أن ما يَثبت اليوم هو أن تلك المعادلة أصْلب ممّا ظنّته إسرائيل، وأن تهشيمها نهائياً لن يكون متاحاً بمجرّد رفع مستوى العدوانية، وتفعيل سياسة الغدر، ومحاولة هزْم الخصم بإرعابه وإيقاعه تحت الصدمة
فلسطين: تتكلّم عرقاً ودماً
2022-08-08