نادر الصفدي:
تحاول إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة التكتم على أسرار جيشها الأمنية، وإخفاء ما يمكن إخفائه عن الجمهور الإسرائيلي، وكذلك الدول العربية والغربية، لإبقاء شعار “الجيش الذي لا يُقهر” هو المُسيطر على الساحتين الداخلية والخارجية.
ولكن، مهما حرصت إسرائيل على إبقاء هذا الشعار عاليًا وراسخًا وتبعد الغبار عنه، إلا أن بعض الصحف والمواقع العبرية تحاول كذلك أن تُظهر الحقائق التي تخفيها دولة الاحتلال ونشرها ضمن خانتي “الفضائح والجدال السياسي بين الأحزاب”.
هذه المرة نشرت مواقع عبرية عن ما أسمته بـ”فضيحة التجنيد العسكري”، التي هزت الجيش الإسرائيلي، نظرًا لهول الأعداء التي تنشر حول الإسرائيليين اللذين يهربون من أداء الخدمة العسكرية، والتي أصبحت كظاهرة ترتفع أرقامها عامًا بعد آخر.
صحيفة “يسرائيل هيوم” كشفت في تقرير لها نُشر قبل أيام، عن زيادة كبيرة طرأت على عدد الإسرائيليين الذين يتهربون من أداء الخدمة العسكرية، ووفق المعطيات التي نشرها موقع الصحيفة، فإن عدد الشباب الإسرائيليين الذين تهربوا من أداء الخدمة العسكرية عام 2020 تراوح بين 2400 و2500، في حين قفز العدد في 2021 إلى 3100.
الحقيقة المُرة
ونوهت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن المعطيات المتعلقة بعام 2022 لم يتم الكشف عنها بعد، فإنه يستدل من المعطيات المتعلقة بشهر مارس/آذار الماضي أن العشرات من الشباب الإسرائيليين الذين كان يفترض أن يلتحقوا بالخدمة العسكرية لم يتوجهوا إلى مكاتب التجنيد.
وأبرزت الصحيفة أن حوالي 9 في المائة من الشباب الإسرائيلي يتم اعفاؤهم من الخدمة العسكرية بسبب مشاكل نفسية، موضحةً أن تراجع قدرة الشباب الإسرائيلي على التهرب من الخدمة العسكرية بناء على تقارير من أطباء نفسيين دفع الكثير منهم لعدم التوجه إلى مكاتب التجنيد.
وزير المخابرات السابق الجنرال إليعازر شتيرن، أكد في مقال بصحيفة “إسرائيل اليوم”، أن “تراجع معدلات التجنيد في صفوف الجيش من شأنه أن يساهم بصورة سلبية في تآكل “الصمود الوطني” لدى الإسرائيليين، لأن الشبان الذين يفترض أن يكونوا في وحداتهم العسكرية من الواضح أنهم نسوا واجبهم، لأنهم يبذلون جهودا حثيثة للحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية، ولعل النظر إلى البيانات “المتواضعة” يكشف أننا أمام مشكلة حقيقية للجيش، ولا بد من إيجاد الحلول لها”.
وأضاف أن “هذه الظاهرة المقلقة تستدعي من الجيش والجهات الأمنية البحث عن من يختارون التهرب من الخدمة العسكرية، لأنها هي الأساس الذي قامت عليه دولة الاحتلال، ولأن التجنيد في صفوف الجيش يمثل تحديًا حقيقياً للمجتمع الإسرائيلي، قبل أن يصبح تحديًا للجيش الإسرائيلي بوقت طويل، ويعكس الانخفاض في الأرقام الماثلة الحاجة الملحة للتعريف من جديد بقيمة الخدمة العسكرية، لأنه في المستقبل ستكون إسرائيل في حاجة ماسة لهذه الأعداد من الجنود خلال السنوات القادمة”.
ووفقًا لمواقع عبرية أخرى فإن ظاهرة رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي تمكنت من “زلزلة” المؤسسة العسكرية وصدم الرأي العام بعد وصولها لوحدات الجيش النخبوية، وكشف قسم القوى العاملة فيه أن 40% من الجنود ينهون سنوات خدمتهم لأسباب مختلفة: دينية (طلاب مدارس “الحريديم”)، ونفسية صحية، وعائلية، أو لوجودهم خارج إسرائيل، وكأننا أمام “ثورة متنامية”، وقال قسم القوى العاملة إن “العصيان الكبير سيأتي”، ويبدو أن هذه التوقعات آخذة في التحقُّق تدريجيا.
ولا يعتبر رفض الخدمة في الجيش أو التهرب منها ظاهرة جديدة، فقد ارتفعت نسبة من لا يخدمون في الأعوام الـ40 الفائتة بشكل متسارع، وبينما بلغت عام 1980 قرابة 12%، فقد ارتفعت إلى 32% في 2020، وتَمثّل الحدث الأكبر برسالة بعث بها 25 طيارا أعلنوا عدم استعدادهم للمشاركة في عمليات الجيش ضد الفلسطينيين.
وبدأت هذه الظاهرة بصورة متصاعدة عقب حرب أكتوبر 1973، بسبب الهزيمة التي مني بها الجيش الذي واجه تحديا يتمثل بتدني مكانته في نظر الإسرائيليين، بسبب الطابع الفاشل في معاركه بالسنوات التالية، وخاصة الحرب اللبنانية 1982-1985، وانتفاضة الحجارة 1987-1993، وانتفاضة الأقصى 2000-2005، وحرب لبنان الثانية 2006، وحروب غزة الثلاثة 2008، 2012، 2014.
ما علاقة المقاومة؟
وشكلت هذه المواجهات العسكرية مناسبات متلاحقة، وإثباتات مخيبة للآمال على الانتكاسات المهينة للجيش، وأكدت التدني الأخلاقي لمستوياته القيادية وزيادة التأثير السلبي لإخفاقاته على صورته.
أسهمت هذه التطورات المتلاحقة منذ 4 عقود -أي أكثر من نصف عمر الدولة- في تراجع قناعة الإسرائيليين بأن لديهم الجيش الأقوى في العالم، وعلى العكس، فإنهم اليوم أقل تفاؤلا وأكثر خوفا، وتراجعت ثقتهم بجيشهم “الذي كان لا يقهر”.
والتجنيد في إسرائيل، إلزامي للذكور والاناث، ممن بلغوا سن الثامنة عشر، وتبلغ فترة التجنيد 24 شهرا للإناث و36 شهرا للرجال.
وأقام جيش الاحتلال قبل نحو عام وحدة “مجاشيم”، حيث تقوم من بين أمور أخرى، بزيارة منازل الشباب الهاربين من الخدمة، من أجل إقناعهم، ويعمل الجيش على توسيع عمل تلك الوحدة.
كما تتواصل مكاتب التجنيد لدى جيش الاحتلال مع المتهربين من الخدمة، لمحاولة إحضارهم مقابل “صفقة” تقضي بمحو الجيش عنهم “جريمة التهرب”، بحسب الصحيفة التي لفتت أن الجيش وبالتعاون مع جهاز التعليم، يحاول تشجيع الشبان الإسرائيليين على الالتحاق بالخدمة العسكرية.
وبدوره يؤكد المختص بالشأن الإسرائيلي ناجي البطة، أن ظاهرة (رفض الخدمة العسكرية) في صفوف جيش الاحتلال هي ليست حديثة من نوعها، لكنها تتجدد عند خوض الاحتلال حروبا عسكرية على دول الجوار كلبنان وقطاع غزة.
وقال البطة، إن تنامي ظاهرة رفض الخدمة في جيش الاحتلال، يعود لأسباب عدة أبرزها، شعور الجنود بالخوف من الوقوع في الأسر أو الموت خلال الحروب”، مشيراً إلى أن الجنود أصبحوا مدركين أنهم لا قيمة لهم في حال وقعوا في الأسر سواء بقصفهم أو بتركهم دون تحرك جاد من قبل حكومتهم لإخلاء سبيلهم
وأضاف، أن دافعية الانضمام للجيش تراجعت عقب، تجربة “جلعاد شاليط” الجندي الذي أسرته المقاومة في قطاع غزة عام 2006 وقضى بالأسر ثمان سنوات، وكذلك الجنديين (هدار جولدن وشاؤول ارون) اللذين لا يزالا في قبضة المقاومة دون أن تبذل حكومة الاحتلال أي جهد لاسترجاعهم.
وأوضح البطة، أن فشل جيش الاحتلال خلال حروبه الأخيرة على قطاع غزة، أدى إلى تراجع معنويات جنوده، سواء من يلتحق بالتجنيد، أو من هم على رأس الخدمة، وكذلك ساهم في تراجع الأداء العسكري بالميدان، ما غير الامور لصالح المقاومة.
وتابع المختص بالشأن الإسرائيلي حديثه ” الحرب في السابق كان لها ما يبررها ويقنع الجمهور الصهيوني بها، لكن اليوم على العكس، أصبحت ذات اهداف سياسية لا استراتيجية، لتحقيق الأهداف الحزبية للقيادة السياسية بالكيان من أجل الحصول على أصوات أكثر في الانتخابات على قاعدة أن (دماء عربية أكبر ذات نجاح أكبر) للحزب الذي يسفك هذه الدماء.
ويعتقد البطة أن تهرب الجنود من التجنيد سينعكس على قدرة جيش الاحتلال، ومستقبل المشروع الصهيوني بالمنطقة، ما يتطلب من العرب والفلسطينيين استثمار هذا التراجع الصهيوني لمصلحة القضية الفلسطينية.
المصدر/ رأي اليوم