2024-11-25 02:30 م

أبو عاقلة والخطيئة الكبرى

2022-07-09

أعلنها من على رؤوس الأشهاد أن تسليم رصاصة الغدر الإسرائيلية التي وضعت حدا لحياة شيرين أبو عاقلة الصحافية الفلسطينية، للسفارة الأمريكية، لإجراء ما وصفته السفارة باختبار باليستي؟ جريمة بل خطيئة كبرى ارتكبها أصحاب قرار تسليم الرصاصة هذا إذا افترضنا حسن النية عند الفاعلين.
القاصي والداني يعرف مسبقا نتيجة الفحص الأمريكي/ الإسرائيلي الباليستي، ولا أفهم معناه، للرصاصة القاتلة التي اغتالت أبو عاقلة، لصالح إسرائيل، ومن كان يتوقع غير ذلك فهو إما جاهل، أو متورط في الجريمة، ويجب محاسبته على هذه الجريمة النكراء.
لو كانت هناك ضرورة ماسة لتسليم الرصاصة التي اخترقت رأس أبو عاقلة في جنين في 11 مايو الماضي لطرف ثالث،َ بعد الفحوصات والتحقيقات التي قامت بها النيابة العامة الفلسطينية، فكان بالتأكيد ألا يسلم للجانب الأمريكي، وبعبارة أخرى دولة الاحتلال. كان يجب تسليمه للجنة مختصة ومستقلة من الخبراء الدوليين، تعينهم محكمة الجنايات الدولية ذات الشأن والاختصاص والمسؤولية، لا لطرف منحاز مسبقا، طرف اضطر اضطرارا لإجراء الفحوصات جراء الضغوط، لغرض تهدئة المطالب الداخلية للتوصل إلى الحقيقة، خاصة أن الشهيدة تحمل الجنسية الأمريكية.
وهناك غرض ثان وهو الأهم، أن الولايات المتحدة وجدت قبيل زيارة الرئيس بايدن، في ذلك فرصة لتبرئة ساحة جيش الاحتلال، أو على الأقل إلقاء الشكوك على مصداقية الرواية الفلسطينية وغيرها من الاستنتاجات، التي أجمعت عليها كل التحقيقات الخارجية، بدءا بالنتائج التي توصلت إليها تحقيقات «نيويورك تايمز» و«سي أن أن» و«شبكة الجزيرة» و«واشنطن بوست» وغيرها من وسائل الإعلام العالمية، وهي أن الرصاصة مصدرها جندي إسرائيلي، ولم يكن يوجد في المنطقة المحيطة، أي من المقاتلين الفلسطينيين. إن من اعتقد ولو للحظة واحدة أن الولايات المتحدة كان يمكن أن تنصف الفلسطينيين في أي قضية من قضاياهم، عليه أن يعود إلى مقاعد دراسة التاريخ ويترك السياسة لأهلها، ويعود إلى منزله ويجلس في انتظار معاشه الشهري، شرط ألا ينطق أو يقول رأيا سياسيا كان أو غير سياسي، بعد اليوم. فالولايات المتحدة، ومنذ حرب عام 1967 ولن نتحدث عما قبل نكبة 1948، وبجميع إداراتها الجمهورية منها والديمقراطية، لم تنصف الفلسطينيين في حق من حقوقهم، إلا مرة واحدة، ولم يكن إنصافا، وهو قرار مجلس الأمن الدولي2334 الصادر في 23 ديسمبر 2016، الذي يدين الاستيطان ويعتبره غير قانوني. وحتى هذا القرار لم يكن ناجما عن قناعة بالحق الفلسطيني، بل جاء في إطار المناكفات في حينه بين إدارة باراك أوباما التي كانت في أيامها الأخيرة، وحكومة بنيامين نتنياهو في قضية الاتفاق النووي الإيراني. وكان الموقف الأمريكي ردا على تجاوزات نتنياهو وقبول دعوة من الحزب الجمهوري لإلقاء كلمة متجاوزين فيها إدارة أوباما التي اعتبرته إهانة. قرار لم ير النور وبقي في أدراج مجلس الأمن، نسيت أن أذكر أن الولايات المتحدة لم تصوت لصالح القرار، بل امتنعت عن التصويت فحسب. ونتساءل، بل نذكّر أصحاب قرار تسليم الرصاصة الغادرة، بأن الرئيس بايدن الذي تسلم مقاليد الحكم في يناير 2021 نكث بكل عهوده مع الفلسطينيين أثناء حملته الانتخابية باستثناء بعض المساعدات المالية التي تخدم تنفيذ الشق الاقتصادي من صفقة القرن، لصاحبيها جيرالد كوشنر والرئيس دونالد ترامب والزمرة الصهيونية من ورائهما.

لم تغير إدارة بايدن كدليل حسن نية أياً من القرارات التي اتخذتها الإدارة السابقة، وفي مقدمتها إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي كانت بمثابة سفارة واشنطن في القدس الشرقية، ولدى الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل كما وعدت، والأنكى أن عذرها في ذلك أقبح من الذنب، وهو أن الحكومة الإسرائيلية ترفض عودة القنصلية إلى القدس الشرقية، إذن قرار إعادة سفارة أعظم دولة في العالم! بيد تل أبيب وليس الدولة العظمى التي تزعم لعب دور الوسيط غير المنحاز. والأخطر من ذلك أن الخارجية الأمريكية لا تزال تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت معها اتفاق أوسلو، منظمة إرهابية، رغم أنها أي هذه الإدارة رفعت أسماء منظمات إرهابية يهودية مثل منظمة كهانا العنصرية عن القائمة. وهي لا تزال باقية على قرار إدارة ترامب إغلاق مقرها في العاصمة واشنطن، كما وعدت بذلك أيضا. ونذكر أيضا على سبيل المثال لا الحصر أن إدارة بايدن التي تزعم رفض الاستيطان، لم توقف العمل في قرار خارجية ترامب، الذي لم يعد يعتبر المستوطنات مناطق محتلة والتعامل معها كأي أرض إسرائيلية، هذا التغيير الذي أجرته وزارة الخارجية الأمريكية في زمن مايك بومبيو، لم يصوب وبقي على حاله. ولا نسمع عن إدانات لأعمال القتل اليومية، التي ينفذها المستوطنون بدعم من جيش الاحتلال وتحت اعينه وحمايته كما حصل في قرية أسكاكا، حيث انقض أحد المستوطنين من وسط جنود الاحتلال على شاب فلسطيني يحتج على مصادرة أرضه، وطعنه في صدره طعنات قاتلة، وأفرج عنه من دون حساب أو عقاب، ما يشجع غيره على ارتكاب مزيد من الجرائم. ولم يخرج عن وزارة الخارجية الأمريكية ومكونات الإدارة أي شكل من أشكال الإدانة لأعمال القتل ومصادرة الأراضي التي تقوم بها المنظمات الإرهابية الاستيطانية بدعم من جيش الاحتلال وحكومة الاحتلال. ولو كان الأمر معكوسا لوجدت الإدانات تنهال من كل حدب وصوب. ونذكّر أيضا بأن جرائم الاحتلال ومجازره ضد شعبنا كانت ولا تزال تنفذ بأسلحة أمريكية وبتمويل مباشر منها، عدا عن الغطاء السياسي الذي توفره واشنطن للاحتلال في المؤسسات الدولية، ومنع أي لجنة تحقيق لكشف جرائم الاحتلال، وتعطيل القرارات الدولية التي تدين هذه الجرائم. وما هذا إلا غيض من فيض.
وأخيرا نسأل أحمد مجدلاني وزير الشؤون الاجتماعية في السلطة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والأمين العام لجبهة النضال الشعبي، إذا كان المسؤولون في السلطة يدركون حقيقة أن الولايات المتحدة تسعى من وراء نتائج تحقيقها، كما يقول إلى «حجب الحقيقة ونشر التكهنات» حول حقيقة اغتيال الصحافية أبو عاقلة. وإذا كان مجدلاني خلال تصريحات للإذاعة الفلسطينية الرسمية، يرى أن الهدف هو إثارة الشكوك حول التحقيق، هو «طمس الحقائق الدامغة التي تدين جيش الاحتلال، وتدين مرتكب هذه الجريمة، الذي قام بقنص متعمد للصحافية خلال اشتباك عن قرب،
وأكد مجدلاني أن المحاولة الأمريكية لطمس الحقائق هي بمثابة «إهانة لذكرى الصحافية شيرين أبو عاقلة وإهانة للحقيقة وعقول الفلسطينيين في آن واحد»، وقال «الإدارة الأمريكية تواصل نهج تقديم الحماية والحصانة الدولية لإسرائيل وتقديم الحماية لها من الملاحقة والمساءلة الجنائية، الأمر الذي يدفع إسرائيل لارتكاب مزيد من الجرائم» ومع ذلك تسلمونهم ما يريدون وتسهلون عليهم المهمة. وإذا كنتم تدركون كل هذه الحقائق فلما سلمتموهم الرقاب، فهل لإعطائهم المخارج لتبرئة أنفسهم وجيش الاحتلال من المسؤولية. وأختتم بالقول إنكم أخطأتم بقراركم، ويقول الحديث الشريف «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» وأنتم لدغتم من «الصديق» الأمريكي المرة بعد المليون. كفى وكفاكم الرهان على الصديق الكذوب وحان وقت التغيير، وأترك لكم الحكم على أنفسكم في هذه الخطيئة فحسب.

المصدر/ القدس العربي