2024-11-21 07:53 م

على مر التاريخ.. أسرار مخزية واكتشافات ملفتة تحكيها «مقابر الأطفال»

2022-03-07

رحاب لؤي
منذ العصور القديمة وحتى وقتنا الحاضر، تمارس العديد من المجتمعات إساءة معاملة الأطفال لأسباب مختلفة، وقد استنتجت دراسة أن إساءة معاملة الرضع، والأطفال غير الشرعيين، وحديثي الولادة المشوهين كانت سائدة في الماضي و«عادية»، وقد وصل الأمر في مرات عديدة إلى القتل، ومواراة الثرى، هذا ليس متعلقًا بالعصر الأول البدائي وحسب، لكنه ممتد في كل العصور، لكن هذا ليس كل شيء.

فإن كان سوء المعاملة سائدًا، فالحب والعناية أيضًا ظهرا بجلاء في بعض مقابر الأطفال، وكما كتب الجناة على هياكل الصغار العظمية اعترافاتهم بالتفصيل دون قصد، ترك الرحماء أيضًا بصماتهم، وسجلت مقابر الأطفال لمحات صادقة عن تاريخ العقل والقلب البشريين، وبقي أثر ما واجهوه داخل مقابرهم، تظهر دلائله واحدة تلو أخرى فتنكشف المزيد من الأسرار والخبايا؛ إما لين وحسن معاملة وإما قسوة واعتداء.

بولندا.. رسوم المرور إلى عالم الموتى في أفواه الأطفال
«ما الذي يجعل الأطفال ينامون هكذا بعمق؟ لأنه ليس لهم إلا حاضرهم.. لا ماضي يندمون عليه ولا مستقبل يخافون منه» *أنيس منصور  من كتاب «لحظات مسروقة» 

تحكي مقابر الأطفال مزيدًا من القصص، عبر مجموعة من البقايا والعلامات، فعلى سبيل المثال، عثر مجموعة من عمال البناء في بولندا، في يونيو (حزيران) عام 2020، خلال حفرهم طريقًا جديدًا، على بقايا هياكل عظمية، لم يكن الدفن هذه المرة عشوائيًّا «كان مرتبًا وكان السكان يعرفون بالضبط مكان قبورهم وكانوا يعتنون بها»، وقد تبين لعلماء الآثار لاحقًا أنها هياكل تخص 100 طفل وتعود إلى أواخر القرن السادس عشر.

أظهر الكشف أن الوفاة كانت طبيعية، وأن الألم كان يعتصر قلب الآباء والأمهات الذين حرصوا وضع رؤوس أطفالهم بطريقة معينة بحيث تستريح على جانب واحد مواجهًا للغرب باتجاه الشمس، كما حرصوا على ترك عملات معدنية في أفواه أطفالهم، رسوم مرورهم إلى العالم الآخر.

فبحسب الأساطير اليونانية والميثولوجيا الرومانية، يحمل «شارون» مرشد الأرواح، وقائد مركب الموتى الذي يعبر نهر ستيكس، أرواح المتوفين حديثًا إلى عالم الموتى، وبحسب الأساطير أيضًا فإن هؤلاء الذين لم يتمكنوا من دفع الرسوم، سيضطرون للتجوال على الشواطئ لمدة 100 عام، كما حدث مع آخرين غيرهم.

ماتوا قبل آلاف السنين ولكن.. «متوتو» وأسنان ذئاب في مقابر الأطفال
«ليس الأطفال يا ابنتي إلا صورًا مبهمة صغيرة من كل جمال العالم، تفسرها أعين ذويهم بكل التفاسير القلبية الجميلة» *مصطفى صادق الرافعي، من كتاب «وحي القلم»

لا تتعلق العناية بالأطفال بمرحلة زمنية معينة، أو حتى نطاق جغرافي بعينه، لهذا كان لذلك الكشف الذي عثر عليه الباحثون في مغارة «بانجا يا سعيدي» الأثرية شمال مدينة مومباسا في كينيا معنى عميق، ذلك الطفل الذي لم يكن قد تخطى من العمر ثلاث سنوات، توفي قبل 78 ألف عام، في عصر وصف بـ«البدائي»، لكن حرِص ذوو الصغير على دفنه في مقبرة، ليس هذا وحسب، بل وضعوه داخل كفن، ووضعوا رأسه على شيء لين –مادة قابلة للتلف- وحظي الطفل «متوتو» بطقوس جنائزية معقدة، تطلبت مشاركة نشطة من المجتمع المحلي وقتها!

ربما كانت المفاجئة الأغرب هي تلك التي عثر عليها مجموعة من العلماء داخل مقبرة في روسيا تضم رفاة طفلين يتراوح عمريهما بين 10 و12 عامًا، دُفنوا منذ ما يقرب من 34 ألف عام! الطفلان اللذان تبين لاحقًا أنهما عانا من تشوهات، مُلئ قبرهما بـ10 آلاف قطعة من الخرز العاجي، وأكثر من 300 سن من أسنان الثعالب، فضلًا عن أعمال فنية منحوتة وقرون غزلان وعظام عجل، ومصنوعات يدوية من الفضة وجدت على صدورهم.

مقابر الأطفال الأصليين في كندا.. القتل من أجل الإبادة الثقافية!
«بنفس القدر الذي يستسهل به الأطفال الضحك؛ يستسهل الكبار الأوجاع» *داليا رشوان، من كتاب «غيم أبيض وجناح»

ربما كان أكبر كوابيس الطفل هو فصله عنوة عن والدته، يغيب الوجه المحبب قليلًا فيبدأ البكاء الهيستيري حيث لا نوم ولا سكون، لكن الكابوس المذكور تحول إلى واقع مخيف لما يناهز 150 ألف طفل من السكان الأصليين لكندا.

يمكن تخيل كم البكاء والحزن الذي ساد الأجواء لأطفال لم يكن بعضهم قد أتم سنواته الثلاثة بعد، ففي شهر مايو (أيار) 2021، عُثر على مقبرة جديدة جماعية واسعة للأطفال غربي كندا، تضم رفات 215 طفلًا، بينهم صغار لم يكونوا قد جاوزوا الثلاثة أعوام عندما فارقوا الحياة، من أصل 4100 طفل من السكان الأصليين في كندا، جرى فصلهم عن ذويهم، بدعوى وضعهم في «مدارس سكنية كندية».

بالدموع راح الباحثون يعثرون على جثة تلو الأخرى في مقابر الأطفال، الذين تبين تعرضهم لاعتداءات بدنية وجنسية قبل أن قتلهم بطرق مختلفة، فيما عانى أكثرهم من التجويع المتعمد وسوء المعاملة، وما يزال بعض الناجين على قيد الحياة يروون ما لاقوه.

مزيد من مقابر الأطفال الجماعية جرى اكتشافها على مدار العام الماضي في منطقة بريتش كولومبيا أقصى غربي البلاد، حيث فُصل الأطفال عن عائلاتهم مع إجبارهم على الإقامة فيها، وقد ظلت تلك المدارس تمارس فظائعها حتى سبعينيات القرن الماضي.

«لجنة الحقيقة والمصالحة» التي تشكلت قبل خمس سنوات للتحقيق في الأمر، وصفت ما جرى بـ«الإبادة الثقافية»؛ إذ يرجع السبب في هذا كله إلى الرغبة في القضاء على ثقافة السكان الأصليين؛ لغتهم، وطقوسهم، وممارساتهم، ولعل الأمر اللافت أن هذا كله قد جرى باسم الكنيسة، حيث لم تكن تلك هي الجريمة الوحيدة التي تمت باسم الرب!

والنازيون سحبوا دماء الأطفال إلى حد التجفيف لمنحها الجنود!
«يقتلك أن هذا العدد الهائل من الأطفال لن يروا الشمس» *إبراهيم نصر الله، رواية «أعراس آمنة»

عكس المتوقع لا تتحسن الأمور مع الوقت، بل كلما مر الوقت ازدادت الإساءات الموجهة للاطفال، خاصة في مناطق الحروب والنزاع، حيث لا حقوق ولا عناية أو رحمة. عظام بشرية بلا نهاية، جرى تحديد عظام 675 طفلًا من بينها في مقبرة مروعة غير مسجلة للإبادة الجماعية بالقرب من قاعدة وحدة هلتر الغازية خلال الحرب العالمية الثانية. لم يكن على أجساد المعثور عليهم جروح تذكر! بل كانوا عراة بلا أحذية أو أي شيء، وفي جو بارد للغاية، جرى تجفيف الجميع من الدماء لتزويد الجنود الألمان الجرحى بالدماء!

مرت عشرات السنوات وظل وضع الأطفال مخزيًا تشهد على ذلك منظمة «اليونسيف» التي حذرت مع نهاية عام 2021 من تزايد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال في النزاعات حول العالم، مشيرة إلى أن أقل من نصف أطراف النزاع على مستوى العالم التزموا بحماية الأطفال خلال العام الماضي.

ومقابر الأطفال المصريين القدماء تحكي عن الطبقية في الحياة والموت
«مرعب هو موت من لم يكن أبدًا سعيدًا، من جاء إلى الأرض ليقوم بجولة سريعة فقط لأجل أن يعاني، وعلى ذلك، يصعب الاحتفاظ بذكرى ابتسامة» *جين لويس فورنير، من السيرة الذاتية «أين نذهب يا بابا؟»

أربعة أطفال دون العاشرة، عاجلهم الموت، في عهد الأسرة الثامنة بمصر القديمة، جمعتهم الأرض نفسها، لكن المفارقة بين قبورهم بدت دالة، فبينما تمتعت قبور ثلاثة أطفال منهم بتمائم وأساور وفخار وقطع أثرية، بقيت مقبرة الطفل الرابع، والذي يتراوح عمره من خمس إلى ثماني سنوات، خالية من كل شيء إلا الإصابات والمعاناة التي بدت واضحة على عظامه، صحيح أن سبب الوفاة لم يُحدد بدقة، لكن يبدو أن الصغير قد عانى كثيرًا في حياته ودفن بإهمال دون أدنى رعاية بعد وفاته!

«الأطفال الزوهريون» قرابين للجان من أجل خبيئة الكنوز!
«في تاريخ المجازر يتكلَّم الموت أوَّلًا، ثم يتكلَّم القتيل، ثم يتكلَّم القاتل» *أحلام مستغانمي

فكرة تقديم الأطفال قرابين، فكرة قديمة، لكن اللافت أنها ما زالت مستمرة، ولم تتوقف عند الحضارات القديمة التي ضحت بالأطفال إرضاء للآلهة والوحوس، بل لا تزال الأطفال تُقدم إلى اليوم قرابين من جانب عائلاتهم! الأب تارة والعم تارة أخرى، حدث ذلك في قرية عرب أبو ساعد بمدينة الصف جنوب الجيزة، حين قتل أب ابنته البالغة من العمر 14 عامًا بمساعدة شقيقه لتقديمها قربانا للجن من أجل فتح مقبرة أثرية!

وعقب 240 يومًا من وقوع الجريمة، دلت الآثار بهيكل الصغيرة على ما جرى بحقها، وتكرر الأمر مرات عديدة ربما كان أكثرها قسوة تلك التي جرت في قرية الصوامعة حيث قتل رجل ابنة شقيقه، الطفلة المعاقة ذهنيًّا، و البالغة من العمر 10 سنوات، من أجل فتح مقبرة أثرية.

هوس البحث عن الكنوز والآثار، يمتد أيضًا إلى بلاد المغرب العربي، حيث تنتشر ظاهرة اختطاف الأطفال ويرتبط اختفائهم بجرائم الشعوذة، أو تحديدًا بما يسمى «بَحَّاثي الكنوز»، وهي عصابات تمتهن التنقيب عن الذهب، باستعمال خليط من الوسائل التقنية الحديثة والممارسات السحرية البدائية، وقد يصل بها الأمر إلى التضحية بالأطفال استرضاءً للجن – بحسب اعتقادهم – وتوثق التقارير الإخبارية بشكل متكرر حوادث اختطاف أطفال لها صلة بالباحثين عن الكنوز.

ويعتقد المشعوذون والباحثون عن الكنوز أن هناك أطفالًا استثنائيين يسمون بـ«الزوهريين»، يُمكنهم استخراج الكنوز  المخبوءة من باطن الأرض بسلام، دون إثارة حفيظة الجن الحارس للخبيئة الثمينة، إذ إن الطفل «الزوهري» – بحسب المعتقدات الشعبية – ينتسب إلى ذرية الجن، لكن استُبدل به حين ولادته مولود من بني البشر، لهذا يكون هذا الطفل مميزًا ومقربًا إلى الجن، كما يُتداول في موروث السحرة.

المصدر: ساسة بوست