مع اقتراب دخول الحرب على سوريا عامها الثاني عشر، والتي عصفت بالبلاد في 15/3/2011 و في ظل أوضاع معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة لا يمكن وصفها إلا بـ "حرب لقمة العيش"، استعرض الخبير العسكريّ الإسرائيليّ، عاموس هارئيل في الإعلام العبريّ مؤخراً، الوضع السوريّ جازماً مع بدء هذا العام (2022) بأنّ "الحرب في سورية قد انتهت عمليّاً"، عقب الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش السوريّ في الميدان العسكريّ بعد دحره المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة الأراضي، في "نصر مؤزّر" حققه الرئيس السوريّ، بشار الأسد، وفقاً لمحللين كُثر، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسيّة تعود مع التي قاطعت وحاربت سوريا لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ.
حرب مُنتهية
على الرغم من أنّ الشارع السوريّ مُنهك من الغلاء الفاحش والفساد والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر ومقصود، ووسط الحديث عن آمال بقرب تسويّة ومفاجآت سياسيّة، ربما تضع حداً للحرب السورية بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد.، يؤكّد الخبير العسكريّ الإسرائيليّ الذي رفض الكشف عن اسمه أنّ غُبار المعارِك في سوريا انقشع، وأنّ جميع "قواعد اللعبة التي عرفها الجميع تغيّرت".
" الرئيس الأسد يقوم بإعادة تصميم وتطوير سوريّة الجديدة أمام أعيننا"، هذا ما أشار إليه المسؤول العسكريّ الإسرائيليّ بشأن ما تعرضت له سوريا من مخططات لتفتيت هذا البلد العربيّ المهم والمؤثر بالأخص من قبل الإسرائيليين الذي لا شك بأنّهم يجدون في هذا النظام المقاوم رأس حربة ضد احتلالهم الغاشم وسلبهم للأراضي السوريّة والعربيّة، والدليل أنّهم تعاونوا مع الإرهابيين وسلحوهم وعلاجهوهم بالتعاون ربما مع بعض الدول العربيّة التي تقاطعت مصالحها مع الإسرائيليين والغربيين تحت مسمى "الثورات" في معظم البلدان العربيّة ليكتشف الجميع خداع تلك الشعارات الواهية التي لا تمت إلى الواقع بصلة.
والجميع يعلم أنّ العصابة الصهيونيّة بقيادتها السياسيّة والعسكريّة، أعلنت بشكل صريح وواضح وعمليّ منذ بداية الحرب على هذا البلد، أنّ مصالحها التكتيكيّة والاستراتيجيّة تقضي بمحاولة إقصاء الرئيس العربيّ المقاوم بشّار الأسد عن سُدّة الحكم، كما أنّ تل أبيب قدّمت خدمات طبيّة جليلة في مستشفياتها لآلاف الجرحى من أعضاء التنظيمات الإرهابيّة تحت مُسمى الـ”مُعارِضة”، وحسب كثيرين فإنّ بعض أنظمة الممالك الخليجيّة موّلت ذلك بعشرات الملايين من الدولارات وبالأخص نظام آل خليفة الإخوانيّ في دويلة قطر، والنظام الوهابيّ الذي يخلع جلده الآن في مملكة آل سعود النفطيّة.
واليوم، بعد أن أفلست مخططات "إسرائيل" وبعض الدول العربيّة والخليجيّة التي سعت لإسقاط قلب العروبة النابض وبكل الطرق، ضاربة عرض الحائط بالمواقف التاريخيّة والمُشرفة للجمهورية العربيّة السوريّة، الشيء الذي عقّد المشهد السوريّ ووضع العصي في دولاب حل هذه الأزمة المتشعبة، رغم أنّ سوريا كانت ومازالت من ركائز العمل العربيّ المشترك، يُقر الإسرائيليون بأنّ الحرب على هذا البلد العريق "قد انتهت"، رغم الدمار والخراب الذي تسببوا فيه للسوريين الذين يعانون أينما وجدوا من آثار تلك الحرب الظلمة التي قتلهن وشردتهم وأفقرتهم بعد أن كانت سوريا مثالاً يضربه العرب في التعايش والسلام والأمان والعيش الكريم، والإحصائيات التي نشرتها قناة الجزيرة القطريّة للسنوات التي سبق الحرب تُبت عدم وجود في فقر هناك بعكس ما هي عليه الآن.
تغيرات دراماتيكيّة
بعد أن حولت الدول الغربيّة وأمريكا باعترافها بالتعاون مع "إسرائيل" سوريا إلى ساحة مفتوحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيمات داعش والنصرة والقاعدة المتطرف، رغم أنّها تشكل خطراً حقيقيّاً ليس فقط على سوريا وأمنها القوميّ، بل أيضاً على الدول المجاورة والداعمة بشكل كامل، أشارت المحللة العسكريّة في صحيفة "يسرائيل هايوم" العبريّة، ليلاخ شوفال، إلى أنّ التغييرات التي تجري على الساحة السوريّة في الفترة الأخيرة تنطوي على قدر كبير من الدراماتيكية فبعد أنْ كانت سورية على مدى سنوات طويلة غارقة في حرب قاسية مضرجة بالدماء، قُتل وجُرح فيها مئات آلاف الأشخاص وفرّ الملايين من البلاد، صمد الرئيس الأسد وبقي في سدّة الحكم، وهو الآن يحاول فرض سيادته على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية.
وفي الوقت الذي فشل فيه المشروع العدوانيّ بإسقاط "معادلة سوريا" وتشريد وتجويع شعبها، ومنعها لسنوات من العودة للحضن العربي، وانتصار السوريين وحلفائهم وبالأخص في "محور المقاومة" في هذه الحرب الشعواء ضد أصحاب المشاريع الاستعماريّة والعدوانيّة في منطقتنا، شدّدت المحللة الإسرائيليّة، على أنّ خطوة الرئيس السوريّ هذه مثيرة للاهتمام موضحة أنّ الدعم الذي تلقاه من حلفائه قاده إلى الانتصار، حسب تعبيرها.
وبما أنّ الدولة السوريّة وشعبها لديهما إيمان وقناعة راسختين بأن كل ذرة تراب سوري ستعود إلى ما كانت عليه قبل الحرب التي استمرت عقداً من الزمن، لم تخفِ المحللة الإسرائيليّة أنّ المعطيات المُثبتة التي تبدلت لمصلحة سوريا على أغلب المستويات وخاصة فيما يتعلق بالوضع الميدانيّ، ما يعني أنّ الاستراتيجيّات التي تتحدث عنها سوريا هي بالفعل "تحصيل حاصل" يحتاج إلى قليل من الوقت، بعد أن باتت الدول التي سعت وراء هذا الخراب ترغب على ما يبدو بالاستقرار والسلام وتوفير المال المهدور وتوجيهه للتنميّة لتجاوز الأزمات الكبيرة التي حلت بالعالم مؤخراً، ووفقاً للمصادر الإسرائيليّة فإنّ الأسد سيسعى بكل ما بوسعه لإعادة المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون والجماعات الإرهابيّة المتشدّدة والأتراك والأمريكيون.
في الختام، وبالتزامن مع الانتصارات الميدانيّة التي حققتها سوريا في الحرب بدعم كبير من حلفائها، وإنّ التصريحات الإسرائيليّة الأخيرة حول الحرب السوريّة يأتي ليؤكّد الانتصار السوريّ عقب تراجع بعض الدول المعروفة التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة المباشرة، بعد أن توصلوا إلى استنتاج مفاده بأنّ عليهم تغيير وجهة نظرهم من الحكومة السوريّة بل الانخراط معها في تفاهمات عدة ولكن بشكل تدريجيّ لحفظ ماء الوجه، وإنّ الحديث عن الانتصارات السياسيّة بدأ يتزايد بشدّة في الأشهر الأخيرة، وهذا طبيعيّ نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين.
مصدر : موقع الوقت