خلال الأيام القليلة الماضية شهدنها الكثير من التسريبات والتقارير الصحفية (غير المؤكدة) التي تحدثت جميعها حول وجود توتر “خفي وغامض” في العلاقات بين حركة “حماس” وتركيا، دون أي تأكيد رسمي من الجانبين، الأمر الذي زاد من غموض هذا الملف وأثار الشكوك حول ما يجري داخل الغرف السرية المغلقة.
ورغم أن معظم التقارير التي كانت تتحدث في السابق عن توتر “بسيط” بين الجانين (حماس وأنقرة) وتخرج معظمها من تركيا وإسرائيل و”حماس” لا تُعقب عليها وتفضل إلتزام الصمت، إلا أن هذه المرة ما تم تسريبه يعد مرحلة خطيرة في تاريخ العلاقات بين قادة حماس وتركيا، التي طالما كانت الأخيرة ملجأ لقادتها، وتدافع عن الحركة والقضية الفلسطينية بشكل مستميت.. ماذا جرى الآن؟، وما سر هذا التغيير المفاجئ؟
صحيفة “حرييت” التركية، ذكرت أمس الأربعاء في تقرير لها وبتفاصيل دقيقة، بأن أنقرة تدير منذ عام ونصف العام قناة محادثات سرية مع عدة دول في المنطقة، من بينها إسرائيل، “لربما بهدف إيجاد موطن جديد لحركة حماس”.
وحسب التقرير، فإن “المفاوضات الأشد كثافة كانت مع إسرائيل، التي تريد أن يتم طرد نشطاء حماس”.
وأشار التقرير إلى أن أنقرة أبلغت “حماس” بأن “أصحاب المناصب العسكرية في حركة حماس لن يمكثوا في تركيا” وأنها “لن توفر مساعدات عسكرية للحركة”، مضيفا أن أنشطة “حماس” السياسية في تركيا ستستمر.
وذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن اسرائيل حتى الآن لم تؤكد أو تنف ما ورد في تقرير الموقع التركي.
وحسب موقع “والا” الإسرائيلي، فقد تطرق مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع إلى الاتصالات مع تركيا وقال بخصوص الزيارة المحتملة للرئيس هرتزوغ الى هناك، إن إسرائيل لم تضع شروطا على تركيا مقابل زيارة هرتزوغ، وأضاف: “نحن نعمل بحذر بموضوع تركيا”.
وتابع المسؤول: “بالتأكيد، عملية التقارب حذرة جدا، توجد إشارات هنا وهناك، ونحن نرى على سبيل المثال أن هناك تضاعفا للنشاط التركي ضد الإرهاب الذي يستهدفنا في أراضيهم”.
مع ذلك صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في وقت سابق، بأنه في حال قامت تركيا بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل فإن “تركيا لن تغير سياستها تجاه الفلسطينيين ولن تدير ظهرها لهم”.
حركة “حماس” كانت حريصة خلال الـ24 ساعة على التزام الصمت وعدم إصدار أي تصريح أو بيان رسمي يُعقب أو حتى يُفند ما تم نشره على الصحيفة التركية، إلا أن قيادي في الحركة بالضفة الغربية حاول إزالة بعض هذا الغموض في تصريحات خاصة لـ”رأي اليوم”، عندما أكد أن العلاقات مع تركيا والرئيس طيب أردوغان لم تتغير ولم يطرأ عليها أي طارئ، وفي محاولتنا لمعرفة مدى صحة ما نُشر على الصحيفة التركية وطرد أنقرة لقادة “حماس” العسكريين، اكتفى بالقول “علاقتنا جيدة بتركيا، ولا يوجد جديد يذكر”.
الجدير ذكره هنا أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل تشهد انفتاحًا وتطورًا ملحوظًا خلال الأيام الأخيرة، حيث كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن وفدا رسميا كبيرا من تركيا وصل إلى إسرائيل هذا الأسبوع في إطار الاستعدادات للزيارة المزمعة للرئيس إسحاق هرتزوغ.
وأوضحت الخارجية، أن الوفد التركي سيضم المتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، إبراهيم قالن، ونائب وزير خارجية تركيا سادات أونال.
وأضافت: “خلال الزيارة، سيلتقي المسؤولان مع المدير العام لوزارة الخارجية، ألون أوشبيز، والمدير العام لمكتب رئيس إسرائيل، إيال شفيكي، وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية”.
وتأتي زيارة الوفد الرفيع بعد الزيارة التي قام بها مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى تركيا في ديسمبر الماضي، والتي بدأ خلالها الحوار بشأن زيارة الرئيس والعلاقات بين البلدين.
فيما تتجه أنقرة كذلك توطيد علاقات بدول عربية مثل السعودية والإمارات التي تتصديان بقوة لفكر حركة “حماس” وتوجهاتها السياسية في المنطقة، وهذا يعطي مؤشر بأن الحديث عن طرد قادة الحركة من الأراضي التركية قد يكون مرتبط كثيرًا بشبكة علاقات أنقرة الجديدة مع تل أبيب والرياض وأبوظبي.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عبد الباري عطوان، كان له وجهة نظر مختلفة وقريبة من واقع العلاقات “الخفية” بين أنقرة و”حماس”، فقال في مقال له: ” يبدو ان سنوات العسل بين الرئيس رجب طيب اردوغان وحركة “حماس” تقترب من نهايتها، مع تزايد وتيرة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبدء فتح صفحة جديدة او بالأحرى، تجديد صفحة قديمة في العلاقات بين الجانبين، سيتم تدشينها اثناء زيارة الرئيس الإسرائيلي اسحق هرتزوغ لأنقرة على رأس وفد كبير يومي التاسع والعاشر من شهر آذار (مارس) المقبل”.
وأضاف “الحليف الاستراتيجي الإسرائيلي الجديد اشترط ابعاد جميع عناصر حماس من الأراضي التركية لتطبيع العلاقات بالكامل، وتم البدء بالسيد صالح العاروري نائب رئيس الحركة ومسؤول عملياتها العسكرية في الضفة الغربية الذي غادر انقرة، واصبح يتنقل حاليا بشكل سري بين ثلاث عواصم هي طهران وبيروت والدوحة”.
وتابع في مقاله ” الرئيس اردوغان الذي “جمد” أنشطة جماعة الاخوان المسلمين في بلاده، ولجم جميع قنواتهم التلفزيونية المعارضة للنظام المصري في إسطنبول، يريد الآن ان يمارس القيود نفسها على حركة “حماس” وعناصرها، وربما اكثر، ربما بعد توصله الى قناعة بفشل مشروعه السياسي الإسلامي (عدا سورية)، وإعادة بعث دولة الخلافة العثمانية، وقرر الانفتاح على الحكومات التي تشهر في وجهه سيف العداء والمطاردة (أي الإسلام السياسي)، في مصر والامارات واسرائيل وقريبا المملكة العربية السعودية العدو اللدود لهذه الحركات”.
وتحدث “دعم الرئيس اردوغان لحركة “حماس” وجماعة الاخوان المسلمين كان “انشائيا” اكثر منه عمليا، فلم يقدم رصاصة واحدة، او دولارا واحدا لحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة، على غرار ما فعلته ايران، او “حزب الله” في لبنان، وسورية (صواريخ كورنيت وايواء حماس)، وحكم الرئيس المعزول عمر البشير في السودان، او حتى الجيش المصري الذي غض النظر في زمن الرئيس حسني مبارك عن معظم عمليات التهريب للسلاح الى قطاع غزة عبر اكثر من حوالي 1250 نفقا “سريا” غير شرعي.
وختم بالقول “الامر شبه المؤكد ان الرئيس اردوغان وبسبب هذه السياسات “المتقلبة” (وهذا التوصيف هو لحلفائه الإسرائيليين) والاحتلال الفعلي لأراضي سورية وعراقية سيخسر معظم الشعوب العربية والإسلامية، وربما الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام المقبل، ولن يربح حلفائه في الغرب والشرق، خاصة الروس الذين طعنهم في الظهر بتزويده حكومة أوكرانيا بأكثر من 500 طائرة مسيرة من طراز “بيرقدار”، وادان ضمهم لشبه جزيرة القرم.. والأيام بيننا”.
وأمام هذه التطورات الغامضة، وما يجري على الساحة من تحالفات وعلاقات كانت في السابق من المُحرمات.. يبقى التساؤل الأكبر.. هل ستحرق أنقرة ورقة “حماس”؟، ومن يقف خلف هذه الخطوة.. تل أبيب أم الرياض والإمارات، أم ثلاثتهما معًا؟
المصدر: ”رأي اليوم”- نادر الصفدي