2024-11-27 08:55 م

دول أوروبية باعت الأيتام والفقراء في مزادات حتى عام 1979!

2022-02-16

تشتهر دول أوروبا باحترامها حقوق الطفل، وتوفير البيئة الصحية لتنشئته، وتوفير احتياجاته الأساسية وحقه في التعليم والحماية من العنف، وفي الوقت الذي تتغنى به أوروبا بحمايتها لحقوق الطفل، يطالب الآلاف في سويسرا بتعويضات عن طفولتهم التي أجبروا فيها على العمل بعدما بيعوا في مزادات علنية! نعم، مثلما قرأت تمامًا، مزادات لبيع الأطفال في دولة أوروبية.
 
سويسرا باعت أطفالها الفقراء في المزادات
كانت حكومة كانتون برن (ثاني أكبر كانتون في سويسرا من حيث المساحة وعدد السكان) قد كلفت باحثين من جامعة «بازل» بإجراء بحث في عام 2006 عن سوء معاملة الأطفال وتعرضهم للإفراط في العمل في الماضي، وبعد التأكد مما تعرض له الأطفال، قدمت حكومة كانتون برن اعتذارًا لآلاف الأطفال الذين عينتهم السلطات عمالًا بدون أجر في المزارع حتى بعد منتصف خمسينيات القرن الماضي.
خلال القرن التاسع وحتى ما بعد منتصف القرن العشرين، عانى مئات الآلاف من الأطفال في سويسرا من البيع في المزادات، وأُرغموا على العمل بوصفهم عمالة رخيصة في المزارع والمنازل، وذلك حين كانت سويسرا لا تزال دولة فقيرة، وكثير من سكانها فقراء، ولم تكن الزراعة آلية، وكانت المزارع بحاجة إلى عمالة الأطفال.
 
ووفقًا لتقرير «بي بي سي»، تُظهر السجلات أن 30 ألف طفل وُضعوا في أسر حاضنة في سويسرا في عام واحد فقط في الثلاثينيات؛ وبحسب المؤرخة لوريتا سيجلياس، يصعب الوصول للعدد الحقيقي للأطفال الذين بيعوا في مزادات، وأُعطوا لأسر حاضنة، لأن السجلات محفوظة محليًّا فقط، كما أن بعض الأسر قد باعت الأطفال بنفسها أو عن طريق منظمات خاصة دون اللجوء للمؤسسات الحكومية.
 
الأسر الحاضنة تُخضع الأطفال للعمالة القسرية
كانت البلديات في سويسرا تتدخل لأخذ الطفل إذا أصبح يتيمًا، أو إذا كان أحد والديه غير متزوج، أو كان هناك خوف من الإهمال، وأيضًا إن كانت عائلته فقيرة، ولأن التعريفات فضفاضة، فقد اكتسبت السلطات قدرًا كبيرًا من الحرية في تقرير مصير الأطفال، وللحصول على أرخص وسيلة لرعاية هؤلاء الأطفال، كانت الحكومات تعرض الأطفال على أسر حاضنة؛ إذ يمكنهم تعلم كيفية العمل، وإعالة أنفسهم فيما بعد.
 
كذلك، كانت الأسر التي تمر بظروف صعبة، تتقدم بطلب للسلطات للحصول على دعم، وحينها تقرر السلطات إما أن تمنحهم إعانة مالية، أو تفرقهم عن أطفالهم وتمنحهم لأسر حاضنة.
بعدما يقع الاختيار على الأسرة الحاضنة التي تطلب مبلغًا أقل للرعاية، تبدأ معاناة الطفل، ويبدأ إسناد الأعمال إليه بداية من جلب الطعام وتنظيف المنزل دون النظر إلى صغر سنه، وفي بعض الأحيان، كان الأطفال يكونون في عمر الرضاعة عندما يُجلبون للمزارع، وكلما كبروا تُسند إليهم المزيد من الأعمال.
 
أطفال العقود.. يشعرون بوصمة عار
كان يُطلق على الأطفال العاملين في المزارع العديد من الأسماء أبرزها «verdingkind» وهي كلمة ألمانية تُرجمت إلى «slave child» بالإنجليزية أي الطفل العبد، في حين فضَّلت المؤرخة جيانا فيرجينيا استخدام مصطلح «indentured child servant» أي الطفل الخادم بعقد، وقد شعر الأطفال الذين مروا بتلك التجربة المريرة بوصمة العار كونهم فقراء، أو أنهم لم يكن لديهم أسرة سوية، أو أنهم أبناء أمهات غير متزوجات مما تسبب في بيعهم لأسرة حاضنة.
 
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ الأمر يتلاشى شيئًا فشيئًا، وساهم الازدهار الاقتصادي المتزايد، والتحديث في الزراعة والتغييرات الأساسية في فهم الطفولة، في التخلي التدريجي عن هذه الممارسة في سويسرا؛ ولكن، لم تدخل اللوائح الخاصة بتبني الأطفال حيز التنفيذ في سويسرا إلا في عام 1978، وللمرة الأولى كانت كتابة الموافقة ضرورية لمنح القاصرين للأسر الحاضنة، كما وُضع الآباء بالتبني تحت الإشراف، حتى انتهت تلك الممارسات.
 
حاول بعض الأشخاص ممن أودعوا لدى الأسر الحاضنة الوصول إلى مستنداتهم الخاصة الموجودة لدى الشؤون الاجتماعية ليتوصلوا إلى المسؤول عن نقلهم إلى تلك الأسر والسبب وراء ذلك، لكن، لأن موظفي الخدمات الاجتماعية هم من كانوا يكتبون المستندات، فإن وجهة نظرهم مختلفة عن وجهة نظر الأطفال، ولا يوجد أي ذكر لتعرض الأطفال للعمل القسري أو سوء المعاملة، كما أن الكثير من الملفات دُمر منذ وقتٍ طويلٍ.
 
الفقر كان السبب في مأساة الكثيرين 
بحسب ما ورد في موقع «بي بي سي»، فإن ديفيد جونيات كان أحد الأطفال الذين تعرضوا لعمالة الأطفال القسرية؛ يحكي جونيات ذكرياته عما حدث، ويقول إنه كان يعيش مع إخوته ووالدتهم حياة فقيرة، وفي عام 1946 عاد من المدرسة ليتفاجأ باختفاء إخوته؛ وفي العام التالي، بينما كان في الثامنة من عمره، سمع طرقًا على الباب، وإذا برجلين من الشرطة على عتبة المنزل، إلا أن والدته قد طردتهما، لكن في اليوم التالي، حضر ثلاثة من رجال الشرطة، وتمكنوا من اصطحابه معهم، ونُقل بعد ذلك إلى مزرعة حيث عاش وعمل.
يحكي جونيات مأساته، ويقول إنه كان يستيقظ من نومه قبل السادسة صباحًا، ويعمل حتى يحين موعد المدرسة، وبعد عودته، يستأنف العمل حتى العاشرة مساءً، وكان يتعرض لمعاملة سيئة وضرب مستمر لأتفه الأسباب، ووفقًا لما ذكره جونيات، لم تقف والدته مكتوفة اليدين، فقد تمكنت من اختطاف إخوته الثلاثة من مزرعة في قرية مجاورة؛ حيث كانوا يعملون، إلا أن الشرطة أعادتهم مرة أخرى بعد ثلاثة أيام؛ وأغرب ما قاله جونيات، إنه اكتشف بعد وفاة والدته وجود أوراق تُظهر أنها كانت تدفع أموالًا للأسر الحاضنة من أجل رعاية أطفالها، الذين أُخذوا منها بالقوة وكانوا يعملون بالسخرة!
 
يُعقب جونيات قائلًا إن المختصين الاجتماعيين كانوا يأتون للأسر الحاضنة في زيارة سنوية، وكان يوم تلك الزيارة هو اليوم الوحيد في العام الذي يُسمح له بالجلوس على المائدة لتناول الطعام ويُعامل بوصفه فردًا من العائلة.
 
الزراعة الآلية تنقذ الأطفال من العمالة القسرية
مع الاتجاه للزراعة الآلية في الستينات والسبعينات، بدأت الحاجة إلى عمالة الأطفال تتضاءل، ولكن، وفقًا لشهادات البعض، لم تتوقف عمليات بيع الأطفال للعمل نهائيًّا، ففي عام 1972، أُرسلت إحدى الأطفال إلى منزل قروي وهي في التاسعة من عمرها، وعملت في تنظيف المنزل قبل الذهاب إلى المدرسة وبعد العودة، كما كانت تنظف المكاتب في القرى المجاورة ليلًا، وبدأت تتعرض للاعتداء الجنسي من أبناء أمها بالتبني منذ سن الحادية عشرة.
 
حالة أخرى تعود لعام 1979، حينما نُقل كريستيان وأخوه إلى مزرعة تبعد عن منزلهما عدة ساعات بالسيارة بعد طلاق والدتهما؛ عمل كريستيان وأخوه طوال العام دون راحة، وعوقبا بمنع الطعام، كما تعرضا لبعض حوادث العمل، إلا أن الأسرة التي كانا يعملان لديها لم تبلغ الخدمات الاجتماعية بتلك الحوادث، تمكنت والدة الطفلان من طلب تقييم طبي لصحة طفليها خوفًا من تعرضهما للضرب وسوء التغذية، وأبلغ الطبيب عن تعرضهما لإنهاك جسدي ونفسي، مما أدى إلى مغادرتهما منزل الأسرة الحاضنة، والذهاب إلى مؤسسة حكومية تديرها الدولة.
 
بينما كان في الرابعة عشرة من عمره، تمكن كريستيان من إيصال أحد الصحافيين إلى العائلة التي تبنته وأخيه في الماضي، وعند حديث الصحافي مع المزارع رب الأسرة، أنكر كل ما قاله كريستيان بشأن عمله قبل المدرسة وبعدها، وأيضًا نفى ضربه وإساءته لكريستيان وأخيه، وأكد على حسن معاملته للشقيقين، وكأنهما من أفراد الأسرة.
 
سويسرا ليست الوحيدة.. فنلندا أيضًا باعت الأطفال في المزادات
كانت مزادات بيع الأطفال موجودة في فنلندا منذ بداية القرن التاسع عشر، حين كان هناك عدد قليل من دور رعاية الأيتام؛ كان الأطفال الفقراء أو الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، تتولى البلديات مسؤولية بيعهم في المزادات للعائلات التي تطلب أقل رسوم رعاية سنوية لإعالة الطفل، ولم يقتصر الأمر على بيع الأطفال، فقد بيع كبار السن كذلك في المزادات، وسواءً كان المُباع صغيرًا أو كبيرًا، كان عليه أن ينجز الكثير من الأعمال الشاقة في المنزل، كما كان يتعرض للقسوة الشديدة في التعامل في كثيرٍ من الأحيان.
 

المصدر: ساسة بوست