2024-11-25 03:40 م

قراءة في التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي 2022

2022-02-01

تؤدي مراكز الأبحاث الإسرائيلية دوراً مركزياً في رسم استراتيجيات الأمن القومي الإسرائيلي، بالرغم من أنها جهات غير رسمية، ولا صلاحيات لها قانونية في صناعة تلك القرارات، إلا أن انشغال الجهات الرسمية القائمة على صناعة قرارات الأمن القومي في "إسرائيل"، فتح مساحة واسعة لمراكز الأبحاث في المشاركة غير المباشرة، في صنع استراتيجيات قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، وفي مقدمة تلك المراكز معهد الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، الذي يُعتبر الأول إسرائيلياً والثاني عشر عالمياً في مجال الدفاع والأمن القومي، بحسب تصنيف جامعة (بنسلفانيا).  يقدّم معهد الأمن القومي الإسرائيلي سنوياً تقديراً استراتيجياً عن التحديات والتهديدات التي تجابه دولة الاحتلال، ويكفي لإدراك أهمية ذلك التقدير أنه يقدَّم مباشرة إلى رئيس الدولة.

نشر معهد الأمن القومي الإسرائيلي التقدير الاستراتيجي لـ"دولة إسرائيل" لعام 2022 تحت عنوان (زمن القرارات الحاسمة)، والذي تميّز بلغة بحثية جادة وصارمة، نكاد نجزم بأن استخدام تلك اللغة الواضحة يسجّل سابقة في تقارير معهد الأمن القومي الإسرائيلي.

نرى أن اللغة الصريحة والجازمة التي تميّز بها التقرير الاستراتيجي لعام 2022  يرجع إلى ثلاث قضايا:
الأولى، وهي تقنية. فقد تغيّر مسؤول معهد الأمن القومي في شهر أيار/ مايو عام ٢٠٢١م، فحلّ البروفيسور "مانويل تراختنبرغ" المشهور بصرامته البحثية بدلاً من اللواء "عاموس يادلين"، الذي كان يُعتبر جزءاً أصيلاً من المنظومة العسكرية ذاتها، الأمر الذي انعكس على لغة تقارير التقديرات الاستراتيجية السنوية في عهده، التي كانت تهدف إلى نقاش التحديات والتهديدات بلغة تطمئن الجبهة الداخلية الاسرائيلية من جهة، وتقديم بعض المجاملات للمؤسسة العسكرية من جهة أخرى.

الثانية، وهي موضوعية. من الواضح أن هناك استشعاراً كبيراً جداً وهائلاً بالخوف والخطر من قبل الباحثين على مستقبل "دولة الاحتلال". ويلاحظ في شتى المواضيع والقضايا التي ناقشها التقرير السنوي، أن الصورة كانت غير وردية بل أقرب للسوداوية، وخاصة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، التي من خلال قراءة تفاصيل التقرير تصل بسهولة إلى أنها تمثل التهديد الرقم واحد لدولة الاحتلال، حتى ولو لم يعترف التقرير مباشرة بذلك، فكان واضحاً من فحوى التقرير أن التهديد الفلسطيني ذو علاقة بضرب الهوية الأساسية للمشروع الصهيوني (دولة إسرائيل) كدولة يهودية، من خلال تدحرج الأوضاع إلى واقع (الدولة الواحدة)، ومن ثم تلقائياً إلى دولة (أبرتهايد)، سيعاديها العالم، ولا يمكنها تسويق نفسها على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأنها مندوبة العالم المتحضر في الشرق المتوحش كما تدّعي الصهيونية، ما يعزّز من خطورة  تهديدات القضية الفلسطينية:

١. أنها تتقاطع مع التهديدات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، وخاصة مع وصول نسب التطرف والاستقطاب السياسي، وعدم المساواة في التكاليف بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، إلى مستويات أرعبت كل من يقرأ التقرير.

٢. المخاوف الإسرائيلية من جبهة الضفة الغربية في حال انفلات عقد السلطة الفلسطينية، كما أشار إلى ذلك التقرير صراحة، ما سيؤدي إلى حالة استنزاف وتهديد ستجعل "إسرائيل" غير قادرة على مواجهة التهديدات الخارجية وخاصرتها الأمنية رخوة.

الثالثة، ولها علاقة بالتغيرات في الحلبة السياسية الإسرائيلية، حيث إن هذا هو أول تقرير استراتيجي بعد انتهاء عهد الملك "بيبي"، رئيس الوزراء  الإسرائيلي منذ عام 2009 "بنيامين نتنياهو"، والذي تفاجأت "إسرائيل" بأن هذا الرجل كان من دون استراتيجية حقيقية، بل كان يعتمد على انتظار الفرص وانتهازها ولكنه لا يبادر إلى خلقها، فضلاً عن  طريقة إدارته لملفات الأمن القومي البعيدة كل البعد عن العمل الممنهج والبحث عن الخيارات كافة، وخلق البدائل، وخاصة في إدارته  للملف الإيراني، الذي من الواضح أن التقرير يوصي بشكل كامل بأن على "إسرائيل" في هذا الملف أن لا تُغضب الولايات المتحدة الأميركية، وأي خيار لا بد من أن يكون بالتنسيق المشترك معها، خاصة مع إشارات التقرير إلى تعقيدات موازين القوى الدولية، والمنافسة الشرسة التي تواجهها أميركا من قبل الصين وروسيا، الأمر الذي دفع بكاتبي التقرير إلى إفراد فصل كامل من التقرير لهذا الموضوع، لذلك كانت توصيات التقرير في هذا السياق قاطعة، حيث أوصت بالعمل على خلق استراتيجية شاملة متطورة تعالج القضايا كافة، وتمتاز بالمبادرة، والجرأة على اتخاذ القرارات الحاسمة، على عكس الاستراتيجية التي اعتادتها "إسرائيل" في السنوات العشر الماضية.


المصدر: الميادين نت|حسن لافي