2024-11-24 06:02 م

تقدير استراتيجي للمسارات المستقبلية المتوقعة فلسطينيا بالعامين المقبلين

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات مؤتمراً صحفياً في بيروت، لاستعراض أبرز النتائج وخلاصات التقرير الاستراتيجي الفلسطيني الذي يغطي سنتي 2020–2021 ولاستعراض المسارات المستقبلية المتوقعة للسنتين القادمتين.

واستعرض محرر التقرير الاستراتيجي ومدير عام مركز الزيتونة أ. د. محسن محمد صالح هذه النتائج بحضور مجموعة من الخبراء والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.

وأوضح محسن أن هذا التقرير الذي يصدر للمرة الثانية عشرة على التوالي يُعدُّ مرجعاً أساسياً للدراسات الفلسطينية العلمية الشاملة والمتخصصة، والذي تمكن من تغطية الفترة 2005–2021 على مدى 17 عاماً حتى الآن.

وأوضح أن هذا المجلد الذي يتوزع على ثمانية فصول، ويزيد عن 400 صفحة، يصدر بمشاركة 14 متخصصاً وباحثاً في الشأن الفلسطيني، وبإشراف هيئة استشارية علمية رفيعة المستوى.

الوضع الداخلي الفلسطيني:

وفي الشأن الداخلي الفلسطيني لاحظ التقرير استمرار أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، وغياب البرنامج الوطني الذي يضبط الثوابت ويدير المرحلة.

كما لاحظ استمرار تدهور مكانة منظمة التحرير ومؤسساتها واستمرار تآكل السلطة الفلسطينية، وتحوّلها بشكل أكبر إلى "أداة وظيفية".

ونبّه إلى أن رئاسة السلطة شدَّدت قبضتها على المؤسسات الرسمية التنفيذية والتشريعية والقضائية، ووسعت صلاحياتها على حسابها.

وأشار إلى حالة الإحباط التي أصابت الشارع الفلسطيني نتيجة تعطل الانتخابات وتعثُّر عملية إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، مع تراجع الثقة بالقيادة الفلسطينية الحالية بحسب استطلاعات الرأي العام.

وتوقع التقرير استمرار أزمة المشروع الوطني والمؤسسات الرسمية الفلسطينية، طالما ظلت العقلية نفسها تقوم بقيادتها.

أيضا توقع ازدياد الضغوط الفصائلية والشعبية باتجاه تشكيل قيادة فلسطينية انتقالية.

وتحدَّث عن فرصٍ معقولة لتشكيل جبهة أو اصطفاف وطني فلسطيني داعم لخط المقاومة، وضاغط باتجاه إعادة بناء المؤسسات الرسمية الفلسطينية على أسس تمثيلية حقيقية في الداخل والخارج.

كما تحدَّث عن فرص أفضل للعمل الشعبي الفلسطيني لمحاولة ملء الفراغ الذي أحدثه تعطّل مسار المصالحة وتدهور أو تعطّل مؤسسات منظمة التحرير.

المؤشرات السكانية

واستعرض التقرير المؤشرات السكانية الفلسطينية، وأوضح أن عدد الفلسطينيين يبلغ نحو 14 مليوناً نصفهم تقريباً في الخارج 50.2%، ونصفهم يقيمون في فلسطين التاريخية (49.8%).

وأوضح أن أكثر من ثلاثة أرباع فلسطينيي الخارج يقيمون قرب فلسطين وخصوصاً في الأردن.

ولفت إلى أن لاجئي الشعب الفلسطيني تزيد نسبتهم عن الثلثين (نحو 67%) معظمهم يقيمون في الخارج، بينما يقيم نحو 2.4 مليوناً داخل فلسطين التاريخية وخصوصاً الضفة والقطاع.

وأشار إلى أن أعداد الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية ستتجاوز أعداد اليهود هذه السنة (2022) لتصل إلى نحو 7.1 مليون نسمة، وستزيد أعدادهم عن أعداد اليهود بنحو 300 ألف بعد خمس سنين (نهاية 2026).

المؤشرات الاقتصادية للضفة والقطاع

واستعرض التقرير واقع الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع، وهيمنة الاحتلال الإسرائيلي عليه.

وذكر أن الناتج المحلي الإسرائيلي يزيد بنحو 25 ضعفاً عن مثيله الفلسطيني في سنة 2021، كما يزيد دخل الفرد الإسرائيلي عن مثيله الفلسطيني بنحو 15 ضعفاً، مما يؤكد بشاعة الاحتلال، وبشاعة إجراءاته بحق فلسطين وشعبها.

وأوضح أن 84% من صادرات السلطة تذهب إلى دولة الاحتلال، بينما تستورد السلطة 55% من وارداتها من دولة الاحتلال نفسها.

وأشار التقرير إلى أن معظم إيرادات السلطة تعتمد أساساً على مصادر لا تتحكم بها إذ جاءت أكثر من 80% من إيرادات المقاصة التي يجمعها الاحتلال الإسرائيلي والمساعدات الدولية.

ونوه التقرير إلى المعاناة الهائلة لقطاع غزة تحت الحصار على مدى 15 عاماً، والصمود البطولي لأهلها، والمواجهة القوية للعدوان الصهيوني.

العدوان والمقاومة

وأفرد التقرير فصلاً للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وللمقاومة الفلسطينية في مواجهته.

وقدم تقارير إحصائية عن عمليات المقاومة في سنتي 2020-2021، وأعداد الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين، والإصابات في الاحتلال الإسرائيلي.

ونبه إلى اعتراف الإسرائيليين بـ 1,513 عملية للمقاومة سنة 2020، وبما مجموعه 4,386 عملية سنة 2021 مع وجود نسبة لا بأس بها من العمليات المؤثرة.

بينما اتخذت باقي العمليات شكل القنابل الحارقة والمواجهات الشعبية كرشق الحجارة وغيرها؛ هذا مع بروز قوة المقاومة بشكل غير مسبوق في معركة سيف القدس في أيار/ مايو 2021.

المشهد الإسرائيلي

وناقش الفصل الخامس من التقرير الاستراتيجي الفلسطيني المشهد الإسرائيلي بما في ذلك الأوضاع الداخلية والمؤشرات السكانية والاقتصادية والعسكرية.

ولفت إلى أن المجتمع الصهيوني يسير في اتجاهات أكثر تطرفاً دينياً وقومياً، وأن التيارات اليمينية تهيمن على نظام الحكم والمشهد السياسي الإسرائيلي.

ولاحظ التقرير حالة الارتباك واللا استقرار التي عاشها النظام السياسي الإسرائيلي الذي نفذ أربع انتخابات عامة على مدى عامين (2019-2021)، وصعوبة تشكيل حكومات مستقرة، وأن الحكومة الحالية غير متجانسة ومهددة بالسقوط في أي لحظة.

كما أشار إلى اتجاه نظام الحكم الإسرائيلي إلى مزيد من "قَوْننة" الهوية اليهودية الصهيونية للكيان الإسرائيلي، والقيام بمزيد من إجراءات التهويد في القدس وباقي الضفة الغربية.

وأشار إلى أن أعداد اليهود في الكيان الإسرائيلي بلغت نحو سبعة ملايين نسمة في نهاية سنة 2021، وأن عدد المهاجرين اليهود إلى "إسرائيل" بلغ نحو 25 ألفاً سنة 2021.

وذكر أن عدد يهود العالم يبلغ نحو 15.17 مليوناً يعيش نحو 46% منهم في الكيان الإسرائيلي.

وبيَّن التقرير أن جائحة كورونا ألقت بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي، وأن خبراء إسرائيليين تحدثوا عن أسوأ تراجع للاقتصاد منذ إنشاء "إسرائيل"، في الوقت الذي وصل فيه عدد الإصابات إلى نحو 1.38 مليون إصابة في نهاية 2021.

ونوه إلى أن كل إغلاق كان يكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 1.9-2.8 مليار دولار أسبوعياً.

كما أن معركة سيف القدس كلّفت "إسرائيل" نحو 2.14 مليار دولار.

ومع ذلك، فقد ظلّ الاقتصاد الإسرائيلي ضمن الاقتصادات المتقدمة المقاربة للحالة الاقتصادية في أوروبا، حيث بلغ دخل الفرد نحو 44 ألف دولار.

في حين، ظلّت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لـ"إسرائيل" تليها الصين ثم ألمانيا.

واستمرت الولايات المتحدة في تقديم دعم سنوي يصل إلى 3.8 مليار دولار، يُصرف نحو 3.3 مليار منه على شكل منحة عسكرية.

وتناول التقرير المؤشرات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك تطبيق خطة "تنوفاه" لتطوير الجيش الإسرائيلي، ووجود ميزانية عسكرية تزيد عن 21 مليار دولار سنوياً تقع ضمن الأعلى عالمياً مقارنة بعدد السكان.

ولاحظ التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي، مع صعود "إسرائيل" لتكون أحد أكبر مصدِّري السلاح في العالم بنحو 8.3 مليار دولار سنة 2020.

لكن بالرغم من عناصر التقدم والتفوق الإسرائيلي ووجود بيئة عربية وإسلامية ضعيفة ومتشرذمة، وقوى كبرى داعمة لـ"إسرائيل"؛ فقد نبّه التقرير الاستراتيجي إلى أن الكيان الإسرائيلي ما زال يعاني من تحدّيات حقيقية تتمثل في تصاعد قوى المقاومة خصوصاً في الداخل الفلسطيني، وحصولها على قدرات صاروخية وسيبرانية متزايدة.

كما يعاني من بيئة شعبية عربية وإسلامية رافضة للتطبيع وداعمة للمقاومة، ومن حالة لا استقرار في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين، ومن تراجع نوعية القيادات السياسية الإسرائيلية، وتراجع إرادة القتال لدى الجندي الإسرائيلي وغيرها، وهو سيجعل هذا الكيان في وضع غير مستقر ومحفوف بالتغيرات والتحديات.

الأوضاع العربية والإسلامية والدولية

وناقش التقرير الاستراتيجي في ثلاثة فصول كاملة قضية فلسطين عربياً وإسلامياً ودولياً.

وأفرد مساحة واسعة للعالم العربي وخصوصاً دول الطوق: مصر والأردن وسورية ولبنان، وتفاعلها مع الشأن الفلسطيني.

واستعرض تطورات ملف التطبيع، وإقامة كلٍّ من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات مع "إسرائيل"، ووجود علاقات مع دول أخرى لم يتم ترسيمها حتى الآن.

ولاحظ التقرير الدور المصري المركزي في الإدارة العربية للملف الفلسطيني، ورعايتها للقاءات المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، وترتيبات التهدئة ووقف إطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي، ومتابعة ملف صفقة إطلاق سراح الأسرى، وإعادة إعمار غزة، في الوقت الذي فعّلت فيه الحكومة المصرية علاقاتها التطبيعية مع "إسرائيل" بشكل كبير.

ورجَّح التقرير تراجع الاندفاعة العربية نحو التطبيع في ضوء الرفض الشعبي، وفي ضوء إفشال الشعب الفلسطيني لـ"صفقة ترامب"، وفي ضوء أن أعباء التطبيع وأثمانه ستكون أكبر مما كانت الأنظمة ترجو تحقيقه؛ خصوصاً أن الطرف الإسرائيلي يتعامل بانتهازية، ولا يملك فرصاً حقيقية للتحوّل إلى صديق أو حليف.

وناقش التقرير مواقف العالم الإسلامي من قضية فلسطين، ودرس بالتفصيل النموذجَين التركي والإيراني.

وأكد أن تركيا حافظت على خطّها السياسي الداعم لقضية فلسطين، وفق حلّ الدولتين، وعلى اعتبار أن القدس خط أحمر.

ونبه إلى احتفاظها بعلاقة طيبة مع قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ومع حركة حماس؛ ومع بروزها إسلامياً وعالمياً في انتقاد الممارسات العدوانية الإسرائيلية.

ومن جهة أخرى، فقد لاحظ التقرير فصل الجانب السياسي عن الجانب الاقتصادي في علاقتها بـ"إسرائيل" وتطور التبادل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن 6.5 مليار دولار سنة 2021.

وأشار التقرير إلى أن إيران واصلت دعمها لخط المقاومة مالياً وعسكرياً وإعلامياً، وهو ما كان محلّ تقدير قوى المقاومة، كما واصلت التزامها برفض الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وهو موقف من المرجح أن تتابعه إيران في المدى المنظور.

واستعرض التقرير الاستراتيجي بالتفصيل الوضع الدولي وقضية فلسطين مسلطاً الضوء على الأمم المتحدة والرباعية الدولية، والمواقف الأمريكية والأوروبية ودول البريكس وتحديداً الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا.

ولاحظ استمرار النمط العام للسلوك الدولي وطريقة التصويت في الأمم المتحدة، كما لاحظ تزايد التعاطف الشعبي العالمي مع قضية فلسطين.

وتوقَّع تراجع الدعم المالي للسلطة الفلسطينية والأونروا، كما توقَّع عدم ممارسة أي ضغوط حقيقية على الاحتلال الإسرائيلي؛ مع احتمال محاولة الولايات المتحدة التأثير على اختيار الرئيس الفلسطيني القادم في حال شغور المنصب.