تزامناً مع الاحتجاجات التي شهدتها كازاخستان مؤخراً سلَّطت وسائل إعلام بريطانية الضوء على علية نزارباييفا، ابنة نور سلطان نزارباييف الرئيس السابق والزعيم الفعلي لكازاخستان، وكشفت أنها أمرت قبل 16 عاماً بنقل 300 مليون دولار من ثروتها الشخصية خارج البلاد.
وفق ما نشرته صحيفة تلغراف The Telegraph البريطانية السبت 8 يناير/كانون الثاني 2022، فقد أصدرت عليا نزارباييفا عام 2006 تعليمات إلى اثنين من المستشارين الماليين المحترفين لشراء منازل فخمة، وبنك خاص، وطائرة خاصة فاخرة.
كما أوضحت الصحيفة أن علية نزارباييفا ابنة زعيم كازاخستان قامت بتحويل الأموال وتصريفها في شبكة معقدة من الصناديق والشركات الخارجية الممتدة في الملاذات الضريبية من ليختنشتاين إلى جزر فيرجن البريطانية.
استثمارات بملايين الدولارات في دبي ولندن
تضمنت المشتريات طائرة خاصة من طراز "بومباردييه تشالنجر" بقيمة 25 مليون دولار، ومنزل بقيمة 8.75 مليون جنيه إسترليني (11.89 مليون دولار أمريكي) في منطقة هايغيت شمال لندن، كما أمرت فريقها بشراء عقار بقيمة 14 مليون دولار في دبي، وفيلا في جزيرة "نخلة الجميرة" الاصطناعية.
تفاصيل فورة الإنفاق التي تعود إلى عام 2006، وكُشف عنها لأول مرة يوم السبت 8 يناير/كانون الثاني، يُتوقع أن تثير صدمة في كازاخستان، التي تشهد حالياً احتجاجات عنيفة استهدفت النخبة الحاكمة سيئة السمعة في البلاد.
علية نزارباييفا هي الابنة الصغرى للرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، الذي كان رئيساً لكازاخستان لمدة 28 عاماً حتى عام 2019، عندما تنازل عن صدارة المشهد، لكنه ظل محتفظاً بالكثير من سلطاته بطريقة مثيرة للجدل.
خلال سنوات حكمه الممتدة من أواخر العهد السوفييتي وبعدها، جمعت نخبة صغيرة من المقربين إليه ثروة هائلة، في الوقت الذي عانى فيه أكثر الكازاخيين العاديين من أجل الحصول على حياة الكفاف.
ترددت شائعات في وقت سابق أن علية نزارباييفا كانت تسعى للسفر إلى دبي مع والدها وهو يحاول الفرار من الاضطرابات، وأنها قد تتطلع إلى أن تكون لندن مستقراً آمناً لها.
منازعة تكشف عن إنفاق باذخ
لم يُكشف الستر عن فورة الإنفاق الباذخة في لندن، والتي وصفها أحد الخبراء بأنها "صاعقة"، إلا بعد منازعة وقعت بينها وبين اثنين من مستشاريها الماليين، اللذين اتهمتهما بخيانة الأمانة واختلاس الأموال والتآمر للاحتيال والإخلال بالواجب الائتماني والإثراء غير المشروع.
رفعت نزارباييفا، البالغة من العمر 41 عاماً، دعوى قضائية ضد المستشاريْن في المحكمة العليا في لندن، وطالبت باسترداد 165 مليون جنيه إسترليني (233 مليون دولار أمريكي) قبل تسوية القضية في اتفاق سري.
بينما نفى مستشاراها، اللذان وُصفا بأنهما متخصصان في المجال المالي ويتمتعان بالسمعة الطيبة والاحترام، كلَّ هذه الادعاءات. لكن تفاصيل القضية التي تعود إلى عام 2016 ظهرت إلى العلن للتو.
حتى وقت قريب، اشتهرت نزارباييفا بكونها عارضة لنماذج مجوهرات المصمم دامياني، والترويج لعلامتها التجارية الخاصة بالملابس الراقية وامتلاك منتجع تجميل فخم في ألماتي، أكبر مدينة في كازاخستان، ورئاستها لشركة مقاولات أيضاً.
بينما يُعرف عن أختها الكبرى داريجا حيازتها ممتلكات بقيمة 80 مليون جنيه إسترليني (108.7 مليون دولار أمريكي) في لندن.
كثيراً ما تنشر نزارباييفا على حسابها على موقع إنستغرام صوراً لها مع والدها، الذي كان حتى سقوطه يروِّج لنفسه بين شعبه بأنه "أبو الأمة".
إخفاء ثروة بأكثر من 300 مليون دولار
من الجدير بالذكر أن عائلة نزارباييف لديها روابط مالية طويلة الأمد مع المملكة المتحدة.
ففي صفقة لشراء منزل من الأمير البريطاني أندرو، دوق يورك، في عام 2007، دفعت العائلة الحاكمة السابقة زيادة قيمتها 3 ملايين جنيه إسترليني (4.1 مليون دولار أمريكي) على السعر المطلوب للمنزل.
كما تشير وثائق قانونية اطلعت عليها صحيفة The Telegraph البريطانية إلى أن علية نزارباييفا زعمت أنها نقلت 312 مليون دولار من ثروتها الشخصية إلى خارج البلاد، بعد أن أخبرها مستشاروها الماليون أنه سيكون من "الخطر" الحفاظ على ثروتها هناك، وأنَّ عليها "إخفاء" أو "تمويه" ثروتها في شبكة من مؤسسات الملاذات الضريبية والصناديق الائتمانية.
تشمل المستندات التي قُدِّمت إلى المحكمة العليا في لندن ادعاءات بأن مالك إشموراتوف، وهو كازاخستاني يعمل في مجال إدارة الثروات، "أخبر نزارباييفا في مناسبات عديدة بأنها شخصية سياسية بارزة، وأنه من الخطر عليها الاحتفاظ بأصولها في كازاخستان".
في عام 2006، "أسرَّت" علية نزارباييفا لمستشارها إشموراتوف بأنها "باعت بعض أسهمها في شركات كازاخستانية، وحصلت على 325 مليون دولار أمريكي".
في أعقاب ذلك، نظَّم إشموراتوف التعارف بين نزارباييفا ودينيس كورتكوف كوغانوفيتش، وهو كازاخستاني يعمل بإدارة الثروات في لندن.
بحسب وثائق المحكمة، فإن إشموراتوف أوصى نزارباييفا في عام 2008 بإنشاء مؤسسة "السارة" Alsarah Foundation في ليختنشتاين، "لكي تتمكن من خلالها بالاحتفاظ بأموالها وإخفائها وحماية مصالحها في الوقت نفسه".
وافقت علية نزارباييفا وأجرت عدة تحويلات كبيرة إلى المستشاريْن الماليين، بلغ مجموعها في النهاية 312 مليون دولار. وزعمت أن إشموراتوف قال لها إنها لكونها شخصية سياسية بارزة لن يكون من السهل فتح حساب مصرفي لها وإخفاء تعاملاته، وللتغلب على هذه المشكلة، فعليها ببساطة شراء بنك لتجاوز هذه الصعوبات.
بناء على توصيته، أصدرت نزارباييفا تعليمات إلى إشموراتوف لاستثمار 108 ملايين دولار في CBH Bank، وهو بنك سويسري خاص حصري، مقابل 51% من الأسهم. وأُودع جزء من الأموال أيضاً في سندات وصناديق استثمار، وشركة قروض.
دعوى قضائية تنتهي باتفاق ودي
لكن، عندما انهارت علاقة علية نزارباييفا بمستشاريها إشموراتوف وكوروتكوف كوغانوفيتش، بضغط من والدها على ما يبدو، رفعت دعوى قضائية تطالب فيها باسترداد 165 مليون جنيه إسترليني (233 مليون دولار) ضدهما في محكمة لندن العليا في مارس/آذار 2016.
تعليقاً على ذلك، يقول توم ماين، وهو باحث في جامعة إكستر ومهتم بالشؤون الكازاخستانية، إن هذه التفاصيل "تثير أسئلة عديدة حول تعاملات عليا نزارباييفا التجارية في كازاخستان، لأن المبلغ المالي صاعق. وتوضح هذه الحالة كيف تُستخدم المملكة المتحدة ملاذاً آمناً لهذا النوع من الأموال".
لم ترد علية نزارباييفا على طلب للتعليق. وقال متحدث باسم المستشاريْن الماليين إشموراتوف وكوروتكوف كوغانوفيتش: "رُفضت هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، وتوصل الطرفان إلى تسوية ودية".