عبير بسّام
بعد عام تقريبًا على توقيع اتفاقيات ابراهام للتطبيع ما بين الكيان الصهيوني وخمس دول عربية، الإمارات العربية المتحدة والسودان والبحرين والسودان والمملكة المغربية، استطاعت "اسرائيل" إدارة دفة الصراع معها من أجل تحقيق التطبيع الكامل والعلني على المستوى الرسمي، وذلك بهدف توسيع دائرة أمن الكيان، ليس العسكري فقط وإنما الإقتصادي أيضًا. وفي قراءة جيوسياسية مبسطة، فإن الدول التي بدأ معها الكيان إتفاقيات التطبيع، تشكل جغرافيًا موقعًا يمكنها من الإستيلاء على الممرات البحرية الواصلة بين البحر المتوسط والبحر الأحمر من جهة، وبين العالم من جهة أخرى. ولكن هل استطاعت هذه السيطرة على الممرات البحرية ضمانة الأمن الدائم للكيان الاسرائيلي؟ وهنا جوهر القضية!
استطاعت "اسرائيل" السيطرة على مدخل البحر المتوسط من المحيط الأطلسي، وباتت قواتها وأسلحتها مؤخرًا متواجدة في مضيق جبل طارق، عبر الإتفاقيات الأمنية وحتى التجارية التي وقعتها منذ فترة مع الحكومة المغربية، والتي تضمنت بيع أسلحة إسرائيلية للمملكة. وأمّنت لها القواعد الأميركية الموجودة في الإمارات والبحرين وعبر توقيع اتفاقيات التعاون الأمني المشتركة، الإطلال المباشرة على الخليج العربي وبالتالي على مضيق هرمز؛ في حين ضمنت لها اتفاقيات السلام مع مصر والأردن مرورًا آمنًا وميسرًا عبر قناة السويس، ولكن أهم ممر مائي تسعى "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية للسيطرة عليه هو مضيق باب المندب، الذي يصل المحيط الهندي وبالتالي بحر العرب بالبحر الأحمر.
في العام 2016 نشر الدكتور رفعت سيد أحمد ورقة بحثية بعنوان "أولاد العم المطبعون". وفيها شرح للعلاقة بين الإحتلال الصهيوني وبين مملكة السعوديين، وتاريخ العلاقة بينهما منذ العام 1939، والتي بدأت بلقاء الملك فيصل، الذي كان وقتها وزيرًا للخارجية، مع وفد صهيوني في لندن خلال مؤتمر حول فلسطين. ولذا تعتبر زيارة رجل المخابرات السعودي السابق أنور ماجد عشقي إلى الكيان الصهيوني بعد عام من بدء الحرب السعودية الخاسرة على اليمن أمرًا عاديًا. عشقي هو رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية في جدة وهو المستشار السابق للأمير السعودي والسفير في الولايات المتحدة، بندر بن سلطان. وهدف الزيارة في تلك المرحلة بات معروفًا، وهو التنسيق حول الحرب على اليمن، والذي يهدف في نهاية الأمر للسيطرة على مقدرات البلد، وبالذات على الشاطئ الغربي لليمن من حجة وحتى عدن.
لم يخرج التحالف عن نطاق التعاون والتنسيق المخابراتي والأمني بين الدول المشاركة في الحرب على اليمن، ألا وهي "اسرائيل" والإمارات والسعودية وأمريكا منذ العام 2015. وبحسب ما نشر في شباط/ فبراير العام 2019 في صحيفة "هآرتس" الصهيونية تحت عنوان "حرب اليمن هي جنة المرتزقة: هل يجني الإسرائيليون الأرباح؟" أنه:"قد تم بالفعل إنشاء مثل هذا التحالف في العام 2015 من قبل المملكة العربية السعودية، التي دخلت في شراكة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وباكستان و"إسرائيل" كشريك غير رسمي. فشركات الإنترنت الإسرائيلية وتجار السلاح ومدربي حرب الإرهاب وحتى القتلة المأجورين تديرهم شركة مملوكة لإسرائيل وهم شركاء في الحرب في اليمن".
هذا المستوى العالي من التنسيق، يتعلق بأمن الكيان العبري وأمن ملاحة السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر. إلّا أنّ العملية الأخيرة التي قام بها أنصار الله بحجز سفينة إماراتية محملة بالأسلحة كانت متوجهة من الإمارات إلى أنصار لها في اليمن شكلت قلقًا كبيرًا.
والأمر هنا ذو وجهين: الأول، أن "اسرائيل" ليست قادرة وحتى بعد توقيع اتفاقيات ابراهام على السيطرة على واسطة عقد الممرات البحرية في المنطقة العربية، ألّا وهي البحر الأحمر. والثاني، أن الحادثة نشرت المزيد من الذعر في الداخل الصهيوني حول أمن "اسرائيل" وأمن تجارة البحار، وقد عكست صحف "اسرائيلية" تخوف محللين ومسؤولين إسرائيليين من تعاظم مقدرات الجيش اليمني واللجان الشعبية، وبأن العملية قد تتكرر مع أيّة سفينة "اسرائيلية" أو حتى أميركية تمر عبر مياه البحر الأحمر. مع تخوف موجود بالأساس من قدرة الصواريخ اليمنية على دك البنيان الصهيوني في خليج إيلات والنقب. وهي منطقة كانت قد وصلتها الصواريخ السورية سابقًا.
إذًا، لن تستطيع "اسرائيل" السيطرة على موانئ البحار المحيطة بالمنطقة العربية وحتى العالمية في الممرات المائية. فالمعادلات التي حققتها المقاومة في لبنان عندما اعتبرت سفن المحروقات القادمة من ايران أرضًا لبنانية، وتلك التي وفرضتها ايران حول سلامة سفنها البحرية، قوضت القوة "الإسرائيلية" في البحر. وحتى قصف ميناء اللاذقية، بغض النظر عن أهدافه المتعددة، إلّا أنّه ينطبق فيه المثل "خلص ثارك من جارك"، لأن "إسرائيل" غير قادرة على توجيه أيّة ضربة لإيران، فهي تقوم بضرب البضائع الإيرانية في ميناء اللاذقية. معادلة الرد بالمثل بالنسبة لإيران والمقاومة في لبنان عامل هام استطاع منع الهيمنة "الإسرائيلية" على خطوط الملاحة في البحر المتوسط، ولن تستطيع "إسرائيل" حتى لو دججت جبل طارق بالسلاح الجوي والبحري من أن تكون سيدة البحار.
هذا في البحر، وأما في البر، فإن الخطر القائم على الوجود الإسرائيلي ما يزال يتأتى من المحيط العربي والداخل العربي الفلسطيني. مع أن قراءة المعادلات قد تكون صعبة بسبب تعقيدات السياسات القائمة في المنطقة والتي تعمل على قمع المعارضة الشعبية العربية لإتفاقيات السلام في كل من الأردن ومصر وحتى مع السلطة الفلسطينية إلا أن العلاقات بمجملها مع الدول الثلاث تتضمن اتفاقيات أمنية للحفاظ على أمن "إسرائيل"، والتي أثبتت أنها فاشلة مهما ارتفعت وتيرة التنسيق. وأحد أسباب فقدان الأمن الرئيسية هي أن "إسرائيل" بتركيبتها تضمر العداء للشعب العربي، وهو لن يقبل بأغلبيته الساحقة وجودها كأمر واقع في المنطقة.
ربطت الولايات المتحدة أمن "إسرائيل" بأمنها، وخاصة عندما صرحت رئيسة الكونغرس الأميركي نانسي بيلوتسي بذلك خلال جلسة التصويت على إعادة تمويل برنامج القبة الحديدة. ربط الأمنين ببعضهما البعض هو تأكيد على ربط المصالح المشتركة والتنسيق بين الدولتين، ومحاولة ترهيب لدول المنطقة. ولكنه تنسيق فاشل. والقبة الحديدة أظهرت فشلًا ذريعًا بعد عملية "سيف القدس"، خاصة عقب التهديد الهام والوجودي الكلي للكيان المرتبط بعمليات المقاومة المنتشرة على أرض فلسطين من عمليات طعن لمستوطنين وجنود صهاينة ورد المقاومة على القصف الصهيوني المتكرر وحتى في قرارات الإضراب عن الطعام، التي لم يعد يتحمل "الإسرائيلي" نتائجها. وتظهر قرارات الإعتقال الإداري الكيان على حقيقته، بأنه نظام فصل عنصري ما يفقده المزيد من الدعم الشعبي في الغرب. والحقيقة الهامة الأخرى، أن "الإسرائيلي" لم تعد لديه ثقة بعقيدة جيشه القتالية، ولا حتى بالتدابير الأمنية التي تتخذها مختلف الأجهزة الإستخباراتية والأمنية في كيانه.
إذًا أمن "إسرائيل" لا يمكن تحقيقه، رغم سعي الغرب وعملاء العرب. فهو لا يتعلق بالدول التي أقامت معها اتفاقيات السلام أو التطبيع، وإنما يتعلق بإعادة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا ومرتفعات الجولان والأراضي السورية حتى حدود بحيرة طبريا والأراضي المحتلة في العام 1967، وأخيرًا بإقامة دولة فلسطين المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس.
المصدر/ العهد الاخباري