2024-11-24 04:13 م

إسلام آل سعود.. أداة للبيع والاستئجار!

حسني محلي
من دون الرجوع إلى تاريخ آل سعود الأسود القاتم، منذ أن وُجدوا، لا بدَّ من التذكير دائماً باللقاء "التاريخي" بين الرئيس الأميركي روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود في 14 شباط/فبراير 1945، وتحوّل حكام الدرعية بنفطهم وأموالهم ودينهم (المذهب الوهابي) سلاحاً استخدمته واشنطن في حربها ضد الاتحاد السوفياتي والشيوعية والمد القومي العربي والإسلام الحنيف.

وقد استنفرت الرياض، ومعها أنظمة الخليج الأخرى، وفي مقدمتها الإمارات، كل إمكانياتها خدمة لهذا المشروع الأميركي، فدعمت حركات الإسلام السياسي في المنطقة والعالم أجمع، وبشتى الوسائل، المادية والعسكرية والسياسية. وكان الدعم السعودي، ومعه الباكستاني والإماراتي، لمجموعات المجاهدين الأفغان و"القاعدة" و"طالبان"، بهدف إسقاط الاتحاد السوفياتي وتمزيقه، نموذجاً عملياً ناجحاً في خدمة واشنطن وحليفتها الوحيدة "تل أبيب".

وكانت هذه الأنظمة، وبرعاية أميركية مباشرة، وبشكل مطلق، خلف كل الأحداث الدموية التي شهدتها المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها تمرّد الإخوان المسلمين في سوريا في أواخر السبعينيات، وفي الجزائر في أواخر الثمانينيات، كما كانت هذه الأنظمة خلف كلّ الفعاليات ذات الطابع الديني، المعتدل منه والمتطرف، في المنطقة العربية وخارجها، والتي خدمت الكيان الصهيوني فقط بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا هو الحال في سنوات ما يُسمى "الربيع العربي"، إذ استنفرت أنظمة المنطقة كلّ إمكانياتها لدعم المشروع الأميركي الصهيوني لتدمير دول المواجهة مع "إسرائيل"، وهي سوريا ولبنان ومصر والعراق، وفي الدرجة الثانية ليبيا وتونس واليمن.

ورفعت مئات المجموعات المسلَّحة شعارات دينية طائفية سوّق لها إعلام الأنظمة، وبشّر بها المئات من مشايخها وأنظمتها، إذ حلّلت دم المسلمين وأرواحهم، ليس من الشيعة والعلويين والمسيحيين فحسب، بل السنّة الذين لم يستسلموا للمشروع الصهيو-أميركي أيضاً، فراح مئات الآلاف من أبناء هذه المنطقة ضحية لهذا النهج الطائفي الدموي الذي أعلن ولاءه مسبقاً للمشروع المذكور الَّذي دمّر المنطقة برمّتها باسم الإسلام، وتحت المظلة الرئيسية لحركة الإخوان المسلمين. 

وكانت هذه الحركة في بداياتها بنكهة وهابية سعودية إلى أن بايعت "التركي" إردوغان، وريث الدولة العثمانية، العدو اللدود لآل سعود "ومذهبهم المرتدّ"، وفق توصيف العثماني الَّذي قطع رأس عبد الله بن سعود في العام 1820، بعد أن تمرَّد على الدولة العثمانية، من دون أن يمنع هذا الأمر، والرد السعودي عليه بقطع رأس جمال خاشقجي في إسطنبول، الرئيس إردوغان من السعي لمصالحة تكتيكية تساعده للعودة بقوة إلى المنطقة التي خسرها بعد انقلاب السيسي على الإخوان المسلمين في تموز/يوليو 2013، فتبنى إردوغان مشروعهم العقائدي والسياسي، وفتح لهم أبواب تركيا على مصراعيها، فدخل منها إخوان المنطقة جميعاً من اليمن إلى الأردن، ثم تونس والمغرب والصومال والعراق والكويت، والأهم منهم جميعاً هم إخوان سوريا، باختلاف مناهجهم وميولهم وفصائلهم المسلحة، والذين تحولوا معاً إلى أداة قوية تستخدمها أنقرة كما تشاء، وفي أيّ مكان تراه يخدم مشروعها السياسي والعسكري والاستراتيجي والتاريخي.

موقف السعودية والإمارات والبحرين التي اعتبرت الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً بعد انقلاب السيسي الرئيس، لم يمنع إردوغان من الاستمرار في تبنّيه الإخوان ومن هم على شاكلتهم، وخصوصاً بعد أن وقفت الدوحة، بإمكانياتها المادية الضّخمة وكدولة عربية خليجية بنظامها الوهابي، إلى جانبها.

وقد تحوّل الإخوان بشتى أشكالهم وجماعاتهم إلى ورقة مساومة تارة، وتارة أخرى إلى أداة فعالة استخدمها الرئيس إردوغان، وما زال، ضد أعدائه في مصر والإمارات والسعودية، وهو الآن في صدد مصالحتهم، من دون أن يتخلّى عن إخوانه، وهو ما لم يبالِ به محمد بن زايد، حليف السيسي والعدو الأكبر للإخوان والإسلاميين عموماً، ما دام تقاسم الأدوار في المنطقة يتطلَّب منه ذلك، فابن زايد الَّذي زار أنقرة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر لم يبحث مع إردوغان موضوع الإخوان، لأنَّ ذلك سيعني وقف الدعم التركي لإخوان سوريا بكلِّ فصائلهم المسلحة، وهو ما لا يريده ابن زايد، على الأقل الآن، على الرغم من تمثيلية التطبيع مع دمشق.

ولم تمنع تناقضات ابن زايد هذه في العلاقة مع دمشق الرئيس إردوغان ومن معه من عواصم المنطقة للسعي المشترك للمصالحة مع "تل أبيب" التي كانت المجموعات الإسلامية المسلحة جميعاً في خدمتها منذ بداية ما يسمى بـ"الربيع العربي"، وما زالوا كذلك، عبر التآمر على الدولة السورية وحلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله وإيران.

ولا ننسى تآمر خالد مشعل (وما زال) على سوريا عندما كانت تحارب "داعش" و"النصرة" و"الجيش الحر" وغيرها من المجموعات المسلحة التي حظيت دائماً بدعم "الجيش" الإسرائيلي الذي ساعدها في حربها ضد الدولة السورية، كما كان تحالف القائمة العربية وزعيمها الإخواني منصور عباس مع الصهيوني الإرهابي نفتالي بينيت خلال تشكيل حكومته الائتلافية هو الأكثر غرابة في تآمر بعض الإسلاميين العرب على قضيتهم، فيما لم يتردد إردوغان، حامي حمى الإخوان، في الاتصال ببينيت مرتين واستقبال حاخامات يهود، وهو ما فعله ابن زايد "عدو الإخوان" الذي استقبل بينيت في أبو ظبي، بعد أن تصالح مع عدوه التقليدي والراعي الرئيسي للإخوان تميم آل ثاني، والكلّ يقوم بدوره في مسرحية الإسلام، المعتدل منه والمتطرف، أي الدموي، والذي تعدّ واشنطن العدة لفصوله القادمة!

ولم يعد أحد يتحدّث عن عقيدة هذا الإسلام وأهدافه ومشاريعه، الدينية منها والسياسية، التي لم تكن أبداً ضمن اهتمامات واشنطن ومن معها من الأنظمة المتآمرة التي لم يكن يهمها سوى الاستفادة من هذا الإسلام بالحد الأدنى من التكاليف والحد الأقصى من النتائج الدموية.

كما لم يبالِ أحد بانتكاسات هذا الإسلام "الإخواني العربي" في مصر، ولاحقاً السودان وتونس والمغرب، أو نجاح تركيا في الاستفادة منه كورقة مساومة أو أداة فعالة لتنفيذ أجندات معينة، كما هو الحال في سوريا وليبيا، ومن دون أن تفكر القاهرة (لأسباب معروفة) في أي تنسيق وتعاون عملي مع دمشق، رغم أنَّ العدو، وهو إرهاب الإخوان، مشترك، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى تونس التي تواجه المخاطر نفسها داخل أراضيها أو عبر الحدود مع ليبيا.

هذه التناقضات في مواقف العواصم العربية وتركيا في ما يخصّ استخدام الإسلاميين بمختلف حركاتهم، السياسية منها والمسلحة، وبالتناوب، يثبت بكلّ وضوح استمرار المشروع الأميركي للاستفادة منهم بحسب المكان والزمان اللذين تحدّدهما واشنطن فقط ويلتزم بهما الجميع، تارة بخجل، وتارة أخرى بشجاعة واضحة، وآخر مثال على ذلك هو الوساطة القطرية بين واشنطن وعدوتها اللدودة "طالبان" التي عادت إلى السلطة بعد 20 عاماً، لتصبح ورقة مساومة مستقبلية جديدة أولاً في محيطها، ولاحقاً في مجمل المشاريع والمخططات الأميركية التي ستتصيّد الفرص.

وستكون الرياض كالعادة، ومعها أبو ظبي وإسلام أباد، وهذه المرة أنقرة والدوحة، في خدمة هذه المشاريع، ولكل دوره في المكان والزمان المناسب، وبحسب السيناريو الذي كتبته واشنطن، كما كتبت من قبل العديد من السيناريوهات، وآخرها مسرحية العداءات بين أنظمة الخليج بعد انقلاب السيسي في تموز/يوليو 2013، وبعدها في حزيران/يونيو 2017، بضمّ أنقرة إليها، إلى أن تلقت جميعاً التعليمات بالمصالحة استعداداً لمرحلة أو مراحل أخطر في المنطقة ضد لبنان وسوريا، وعبرهما إيران ثم اليمن.

ويفسر ذلك كلّ التحركات الإقليمية والدولية التي تقودها واشنطن بالتنسيق مع "تل أبيب"، والتي تهدف إلى تضييق الحصار على سوريا مباشرة (شرق الفرات وغربه) أو عبر المزيد من التآمر على لبنان، لتفجير الوضع الأمني والسياسي قبل انتخابات أيار/مايو، ومن دون أن تهمل واشنطن وحليفاتها المتآمرة العراق بوضعه السياسي والأمني المعقد، والذي تريد واشنطن له أن يبقى على هذا الحال لاستغلاله في حربها ضد إيران وحلفائها من الشيعة والسنة والكرد والتركمان، وهو ما فشلت به على الأقل حتى الآن، بدليل ما قاله الرئيس العراقي "الكردي" برهم صالح (الأربعاء)، إذ حيّا، وبعبارات صادقة، الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، واعترف بدورهما الرئيسي في الحرب ضد الإرهاب الداعشي، والجميع يعرف أن 80% من انتحارييه في العراق وسوريا كانوا سعوديين.

باختصار، المنطقة مقبلة على سلسلة من الاحتمالات المثيرة التي سيتمّ تحديد مسارها أولاً بنتائج مباحثات النووي الإيراني، وبالتالي التحركات الإقليمية الجديدة، وأهمها زيارات الرئيس إردوغان (أواسط شباط/فبراير) إلى أبو ظبي والمنامة والرياض (وربما القاهرة)، والتي كانت معاً من أعدائه، لأنها أعلنت الإخوان تنظيماً إرهابياً، وقبل أن تكون جميعاً (وباقي دول المنطقة) في خندق واحد ضدّ سوريا في بدايات الربيع الدموي. 

ويبقى الرهان الأهم على الدور المستقبلي لـ"تل أبيب" في مسرحيّة المضحك المبكي التي يراد لها أن تجعل من أنظمة المنطقة "الإسلامية" توابع رخيصة لا قيمة لها إلا في أسواق العبيد وتجارها من اليهود الصهاينة والمتصهينين.

المصدر: الميادين نت